(ما العمل؟)-- التعامل مع الفئات المهمشة في ظل الحروب

مايو 25, 2024 - 09:22
(ما العمل؟)-- التعامل مع الفئات المهمشة في ظل الحروب

لو أمعنا النظر سريعاً، وبشكلٍ فاحص، فى الصراعات والحروب بين المجتمعات البشرية عبر التاريخ لوجدنا أن غالبية الضحايا هم من الفئات المهمشة، أطفال، ونساء وذوي احتياجات خاصة، وأن غالبية هذه الصراعات يتم تبريرها وتغليفها بمسوغات دينية، يتم تفسيرها وفق رؤى، في حين تكون هناك دوافع أخرى خفيّة كمصالح استعماريّة، وأن من لم يلق حتفه جسديا، من هذه الفئات، تراه جريحا فسيولوجيا أو سيكولوجيا.


للأسف يتم الاهتمام ومتابعة الجرح الجسدي بشكل أكبر مما يتم التعامل مع الجرح المعنوي/ السيكولوجي، ولهذ جاء القول العربي الشهير: "جراحات السنان لها التئام، أما جراحات اللسان فلا التئام".


لستُ من أصحاب نظرية المؤامرة، لكن أستطيع الجزم بالقول إن استهداف الأطفال والنساء من قبل طرفي الصراع ليس من قبيل الصدفة، بل هو أمر معدّ له مسبقاً، وقد يكون ذلك لترك آثار مستدامة بالهزيمة والضعف، يشعر بها كل طرف من أطراف الصراع لفترة زمنية طويلة، ما يترك أعراضاً سيكولوجية تظهر عبر السلوكيات، والثقافات المتناحرة، كون الانسان ثقافة وسلوكاً.


ينطبق قولنا أعلاه على واقعنا المرير اليوم، إذ نجد وبسهولة ارتفاع أعداد الضحايا (فتكاً جسدياً أو إيلاماً سيكولوجياً من خلال ما يعرف بآثار ما بعد الصدمة/ الصدمات النفسيّة PTSD، سواء أكانت عرضية أم متعمدة.


أياً كان نوع هذه الصدمات وآثارها السلبية، فإنه يتوجب تعاضد كافة مكونات المجتمع (أسرة، روضة مدرسة، مؤسسة، مجتمع، لتقديم العون والمساعدة لهاتين الفئتين).


قبل البدء في مرحلة تقديم العون والمساعدة هذه، ومن أجل التخفيف من حدة آثار الاضطرابات السلوكية الناجمة، يقول المنطق إنه يجب التعرف على نوعية هذه الاضطرابات والآثار متعددة الأشكال والأسماء، المرشحة للتكاثر وباضطراد.


نهتم هنا، وبشكل قد يكون أكثر من اللازم، بضرورة متابعة ومواكبة مثل هذه الحالات، كونها تؤثر على نمو وتطور الشخص ذهنياً- عقلياً، وعاطفياً واجتماعياً وفسيولوجياً، نظراً لما لها من فعل فصل في نمو/ تراجع، لدرجة اضمحلال مهارات حس حركيّة ضرورية، ناهيك عن حالات الإرباك الأسري إذا ما وجدت مثل هذه الحالات لدى أحد أفراد العائلة، مثل الخوف الدائم، والتوتر والقلق المتواصل لدرجة الشعور بالعجز والخذلان من عدم القدرة على مساعدة وتقديم العون لفلذة كبد أو أب أو أم. مثل هذه المشاعر قد تدفع بالمصاب إلى الجنوح لممارسة العنف حيال الذات أو الغير أو الإنخراط في سلوكيات التنمر على الآخرين.


للجنس البشري والعمر والتجارب السابقة دور في تحديد درجة التأثر الملحوظ، وقابلية التعافي، والوقت الذي سيستغرقه، دون اللجوء إلى المسكنات والأدوية التي حتما لها تأثيرات سلبية، إما فسيولوجيا أو على الجهاز العصبي، ما قد يسبّب اختلالاً في جهاز المناعة لدى الشخص المقصود.


أدرك مسبقاً أن الإفصاح عن هذه الأمور قد لا يروق إلى غالبية الزملاء الذين/اللواتي يسارعون/يسارعن إلى إصدار وصفات طبيّة من الأدوية- السموم المؤذية على المدى القصير، أو المتوسط أو الطويل. لهذا نعمد إلى دوام الالتزام بتطبيق نهج الوقاية خير من العلاج، وذلك من خلال نشر وتعميم ثقافة الصحة النفسيّة، ومقترحات للتعامل معها من قبل العائلة أولا والمتصل ثانيا.


شخصياً، أرى أن للتعمق الإيماني دوراً فاعلاً في الوصول إلى تذويت القدرة الذاتية أولاً للتعافي من أثر الصدمات النفسيّة، وأسرياً للتخفيف من حدة انعكاسات وآثار هذه الصدمات، وكذلك الحالة الرياضة الروحية والبدنية وممارسة اللعب بكافة أنماطه.


من خلال الأعراض، التي سرعان ما تظهر على الضحيّة/المريض، المضطرب سيكولوجياً، يمكننا تحديد أنجع الأساليب للتعامل مع مثل تلك الحالات.


فمثلاً حين نرى الضحية عاجزة عن التعبير والافصاح عمّا تعانيه أو تخاف منه، أو ما يزعجهم، جرّاء حدث صادم، سواء أكان عرضياً أم متعمداً، كما أشرنا إليه سابقاً، أو حين نرى الشخص المقصود يعاني من اضطرابات في النوم وعدم الرغبة في النوم لوحده أو الذهاب إلى الحمام، وحين نشاهده يميل إلى الانسحاب من أجواء العائلة، مما قد يقود إلى الانطواء، عن الأتراب/الأقران، أو المبالغة في تكرار الحديث وبشكل محزن، عن الحدث الصادم، والخجل الزائد، هنا علينا الإقرار بضرورة التوجه إلى المستشار/ الطبيب النفسي المختص، إذا لم تنجح العائلة في التخفيف من حدة هذه الأعراض.


للأسرة، وبالتحديد الوالدين، دور مهم في إنجاز ذلك، ليس فقط من خلال إيحاد فرص للتفريغ والإفصاح ومناقشة الحدث الصادم ولعب الأدوار حيال ذلك، وتأمين الألعاب اللازمة، بل ومن خلال دوام الحرص على التواجد مع الشخص المصاب، كي يشعر بالأمن وببيئة آمنة، إضافة إلى الحرص على مرافقته إذا لزم، عند الذهاب إلى المدرسة أو الروضة، والتنسيق مع المدرسة بهذا الخصوص، ولن ننسى ضرورة تأمين الاحتياجات الغذائية "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" آية قرآنية كريمة (سورة إيلاف قريش).


إذا ما التزمت الأسرة بما ورد أعلاه، تكون قد قطعت شوطاً طويلاً في مساعدة الضحيّة، بل ونالت بعضاً من رضا المولى عزّ وجل، الذي حضّ على رعاية المريض وتأمين سبل المعيشة النفسيّة والغذائية والبيئية المطلوبة، عملاً بقول الخالق تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

-----------------
قبل البدء في مرحلة تقديم العون والمساعدة هذه، ومن أجل التخفيف من حدة آثار الاضطرابات السلوكية الناجمة، يقول المنطق إنه يجب التعرف على نوعية هذه الاضطرابات والآثار متعددة الأشكال والأسماء، المرشحة للتكاثر وباضطراد.