التربية التحويلية

مايو 13, 2024 - 17:03
التربية التحويلية
تبدأ هذه المقالة بمجموعة من الأبيات الشعرية وبعض الأقوال المأثورة والحكم عن التعليم والتعلم والتربية لما لها من علاقة كبيرة بعنوان المقالة.
يقول الشافعي في دعوته للتجديد وتنوع المعرفة و أهمية العلم :
إني رأيت وقوف الماء يفسده وإن سال طاب وإن لم يجر لم يطب
لو رأيت الشمس في الآفاق واقفة لملها الناس من عرب ومن عجم

وما قاله الشاعر رشيد الخوري:
إستق الحكمة لا يشغلك من أي ينبوع جرت يا مستق
إذا خلا المرء من فهم ومعرفة ظلمت نفسك أن تدعوه إنسانا

وفي هذا الزمان
قل من يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئا وغابت عنك أشياء.

وأكرر مرار ما قاله جون ديوي الأمريكي: إذا علمنا طلاب اليوم بأساليب الأمس سنسرق مستقبلهم.
وما قاله الإمام محمد عبده: مستقبل أي أمة يقوم على استعدادها لمواجهة كل زمان بما يناسبه.
العلم كالسراب كلما اقتربت منه زاد بعدا عنك/ العلم المستقر كالجهل المستقر
من لا يتعلم شيئا جديدا كل يوم يزداد جهلا يوما بعد يوم/ من لا ينمو يذبل
لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما تعلم/ لن أمسي حتى أكون أحسن من أمسي،
لا تنام بنفس العقل الذي استيقظت به/ بلا رؤية يجمح التعليم والمعلم والمتعلم والمنهج.
وقد يقول قائل، هذا ليس زمن الشعر والأقوال والحكم هذا زمن الذكاء الاصطناعي. وأقول: لا يعتني بالشعر والأقوال المأثورة والحكم إلا من عرف الرعب وراء الكلمات، وأستشهد هنا بما قالته الشاعرة فدوى طوقان في رحلتها الجبلية الصعبة "لست أنكر قيمة العلم والصناعة كونها من مقومات حياة الأمم في العصر الحديث، ولكن لا أفهم لماذا ينبغي لنا أن نجعل من الفرد العربي (آلة) لا روح فيها، وأن العلم والفن حركتان تمثل كل منهما جانبا من أعظم جوانب النشاط الإنساني، ومن الخطأ أن ندعو نحن العرب إلى عقد هدنة أو إهمال الأدب والفن متجاهلين أن مشاريع المستقبل لأي أمة من الأمم لا يخططها و يرسمها إلا أدباؤها، فبالأدب والفن تستيقظ الكبرياء وتعلو الهمم، ولا يمكن لأي أمة يصاب أدبها بالجفاف والعقم أن تقرر شيئا من الخير الإنساني لنفسها أو للبشرية مهما بلغت من الرقي".
في هذا الزمان لا مكان فيه لمتخاذل، ولفاشل ولنادم ولكسول، لمن لا يتعلم من خطأه وهنا يقول عبدالله السعدون: إن التعليم بنوعيه الكمي والكيفي هو الطريقة إلى النهوض من مستنقع الجهل والذي أهم عناصر نجاحه: المعلم المربي الناجح المحب لعمله ثم المنهاج الذي يسهم في فتح العقول وشحذها لا برمجتها وتدجينها. لن تنهض الأمة إلا بتعليم يقدس العمل وينبذ الكسل ويؤسس لتربية مختلفة عما نعيشه. هذا الزمان زمن المبدعين المغامرين المفكرين أهل الطموح ولا حدود للمعرفة ولا حدود للعلم في هذا العصر ، وهنا أذكر ما قاله الشاعر أبو القاسم الشابي:
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش عيش الحجر
شباب قنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحين

هذا العصر أنهى احتكار المعلم للكتاب وغرفة الصف للعملية التعليمية ولم يعد المعلم هو المصدر الوحيد للمعلومة وأن عقل الطالب أكبر من أن يحتويه كتاب أو مقرر أو منهج وأن العلم يحدث في أي مكان وفي أي وقت لذلك لا بد من استدارة أو تربية تحويلية، لأن التعليم السيئ أسوأ من الأمية، ولا بد من توحيد التعليم إلى تفريد التعليم، التحول من خطاب تربوي يخاطب العقل ويطلق العنان لقدرات المتعلم ويفتح نوافذ أمام المتعلم ويشجع على التحدي. التحول إلى معلم يدخل على الطلاب كل يوم كانسان جديد ويخلق شيئا جديدا ولا يكون نسخة طبق الأصل لمن سبقه.
رحم الله جبران خليل جبران الذي قال: إن المعلم الحقيقي هو الذي يستخدم نفسه كجسر يعبر عليه الطلاب ثم يدمر الجسر لتشجعيهم على بناء جسورهم، كما قاله ارسطو: من يريد أن يكون معلما يجب أن يكون جسرا.
التحول من تعليم 10 مواضيع بطريقة واحدة إلى تعليم موضوع واحد بعشر طرق مختلفة.
التحول من إنهاء الكتاب أو المقرر أو المنهج لأن إنهاء المقرر هو عدو للفهم وللنظام التعليمي، إلى محتوى تعليمي معاصر مفيد ملائم له معنى للطالب.
التحول من ثلاثية (الحفظ والتذكر والتلقين) إلى ثلاثية الشاعرة فدوى طوقان (التنوير والتغيير والتثوير)، الى تعلم يقوم على الحوار والاقناع واستقلالية المتعلم.
التحول من بيئة صفية قهرية صامتة إلى بيئة جذابة شيقة ممتعة آمنة، التحول من بيئة تفريغ الإبداع إلى بيئة تفريخ الإبداع.
التحول إلى تعليم ينقل الطالب إلى العصر الذي يعيشون فيه.
التحول من تعليم يعيد إنتاج عقلية قديمة، ولا يربط الخريج من الجامعة بالمستقبل والمعاصرة ومهارات العصر.
وكما قال أحد الشعراء: من قدس العلم صان العقل في البلد، إذ بالعقول تقاس الناس لا الجسد.
التحول إلى تعليم لتحرير العقول من كل ما علق بها من شوائب.
التحول من ثقافة الصمت الصفي إلى ثقافة الإقناع والتساؤل والمناقشة والتعبير.
التحول إلى تعليم يكتشف مواهب الطلاب ويطورها وينميها ويوجهها، لأن الطلاب في هذا العصر لا يتعلمون بمجرد الدخول إلى الصف والجلوس على الكراسي والاستماع إلى المعلم وتدوين الملاحظات.
الطلاب يتعلمون بالمناقشة والتفاعل والتحليل والتقييم.
التحول إلى تعليم يتخلص من التصنيم في التعليم، كما قال فرانسس بيكون في أصنامه الأربعة، صنم القبيلة أو المجتمع، والإكراه/ صنم الكهف والمثالية الإنعزالية الانطوائية/ صنم السوق، الافطار المتداولة بين الناس/ صنم المسرح، وهو الإيمان الأعمى المقيد، وهذه الأصنام تمثل تربية القطيع، وهذا ما أشارت إليه الشاعرة فدوى طوقان بالقالب الفولاذي الذي يضعه المجتمع والأهل حول عقول الآخرين.
وأقول، إن الإنجازات العظيمة في التربية والتعليم، هي نتيجة للعمل الجماعي، وليست نتيجة لعمل فرد مهما بلغ من العلم، وكما يقول المثل وحدك تطير مع الآخرين تحلق.

لماذا التربية التحويلية
أولا: استجابة لما قاله بعض الشعراء، مالي أرى التعليم أصبح عاجزاً على أن يصح في النفوس مكسرا.
وما قاله شاعر آخر: يا قوم عذرا فلم يبقى لنا أمل إلا التعلم يهدينا إلى الرد.
ثانيا: لأن كل شيء تغير إلا الممارسات الصفية، وما يجري داخل الصف لم يتغير، لذلك لا بد من تغيير الممارسات التعليمية من خلال إعادة تعريف جميع مكونات العملية التعليمية.
ثالثا: لأن الخبراء يقولون، إن صلاحية المعلومة والشهادة في هذا العصر سيتم تحديد بدايتها ونهايتها من 3 إلى 5 سنوات، كالمعلبات والدواء.
رابعا: لأن هناك الكثير من التربويين بدأوا يكتبون عن التربية التحويلية، وأردت أن أساهم كمتخصص في التعليم والتعلم في بعض الأفكار عن التربية التحويلية.