التقرير الأخير حول عمل الاونروا.. دسمه قليل وسُمه كثير

أبريل 24, 2024 - 09:32
التقرير الأخير حول عمل الاونروا.. دسمه قليل وسُمه كثير

بعد ادعاءات إسرائيلية ثبت بطلانها ضد ١٢ موظفاً يعملون لدى الأونروا في غزة، حول ضلوعهم المزعوم بالمشاركة بهجمات ٧ أكتوبر من العام الماضي، وبطلان كذبة ان ٤٥٠ موظفا تابعا للاونروا ينشطون مع قوى العمل الوطني، سارعت عديد الدول المتبرعة للاونروا لتعليق مساهمتها المالية، في ذات الوقت الذي تواصلت فيه حرب الإبادة على غزة وتجويع أهله، ومنع الاونروا من التحرك، خصوصا في شمال القطاع، وقصف مراكز الايواء خاصتها، والذي رافقته محاولات محمومة لشيطنة الاونروا، ومحاولات إيجاد بدائل لها. تحرك الأمين العام بشكل واسع، وطلب من لجنة التحقيقات التابعة له إجراء تحقيق داخلي حول هذه المزاعم (تحقيقا ما زال جاريا منذ شهور) وأردفه بتشكيل لجنة مراجعة مستقلة برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة، كاثرين كولونا، مدعومة من ثلاث مؤسسات بحثية اسكندنافية للنظر في هذه الاتهامات، وكذلك فحص الأطر الناظمة والإجراءات المعمول بها داخل جسم الاونروا، وأين هي أوجه القصور، وإطار حيادية عامليها وحيادية مرافقها ..الخ.

بعد تسعة أسابيع، وبعد اجتماعات مع ٤٧ شخصا من ممثلي دول وهيأت دولية، ولقاءات مع اكثر من ٢٠٠ شخص (تسعة أسابيع إستشهد خلالها الآلاف من أهلنا بغزة قتلا وقصفا وتجويعا) ، صدر أخيرا تقرير السيدة كولونا من ٥٤ صفحة، حاملا بين طياته ٥٠ توصية (٥٠ ورقة ضغط اضافى على جسم الوكالة).

التقرير أكد المؤكد، بأن الادعاءات ضد عاملي الاونروا باطلة وبدون أي دليل، وهذا

ليس بجديد وبات معروفا للدول التي حجبت دعمها للاونروا منذ فترة ليست بالقصيرة.. هذا التقرير، والذي بالمناسبة سبقته عشرات التقارير والمراجعات المماثلة عبر السنوات الماضية، كرر ذات "اللت والعجن" حول ضرورة المزيد من الإصلاحات (وهذه هي الكلمة السحرية دوما) على جسم الوكالة.

حسنا، أنا أدعي ان الهدف الأساسي من هذا التقرير هو محاولة التدخل بفاعلية بآليات عمل الاونروا، والتدخل بطبيعة خدماتها المقدمة وعمل ٣٢٠٠٠ موظف يعملون لديها، بهدف إضعافها أكثر، ولجم دورها أكثر، وتبهيت مرجعيتها القانونية ورمزيتها السياسية، ولجم عامليها، واستمرار الجهود في تحويلها الى مؤسسة تنموية وتطويرية، تنشط لذات الهدف المنشود في توطين لاجئي فلسطين، وشيطنة دورها فى غزة، للتغطية على الإبادة المستمرة على قطاعنا الفلسطيني.

ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض العام للاونروا بالتقرير، وتبنيه هكذا، وبدون تفنيد أو تقديم اية ملاحظات، او التأني ودراسة تداعيات توصياته المكثفة، يثير تساؤلات للخفة والسرعة في تبني توصيات، أعتقد ان هدفها يشير لمزيد من إضعاف الاونروا وعزلها وتهميشها.

الضرر المالي على الاونروا وتداعياته الكارثية على الخدمات المقدمة لملايين اللاجئين الفلسطيينين بسبب اداعاءات كاذبة مستمر، والتداعيات السياسية ومحاولات إضعاف وانهاء عمل الاونروا كهدف استراتيجي للكيان، وبعض من داعميه، أيضا ما زالت مستمرة، ليأتي بعدها هذا التقرير، متضمنا بين دفتيه "توصيات" لزاما علينا التحذير منها وهي:

-أشار التقرير الى غياب جسم تنفيذي يشرف على عمل الاونروا (من خارج إدارة الاونروا)، وأن الهيئة الاستشارية التي تضم ممثلين عن الدول المتبرعة والمضيفة هو جسم استشاري، وقد يكون ذلك غير كاف.

أنا اعتبر ان هذه التوصية خطيرة، وتمثل مدخلا للمحاولة مرة أخرى بالتشكيك او على الأقل "تبهيت" مرجعية الاونروا القانونية والسياسة، الا وهى الجمعية العمومية للأمم المتحدة. علينا الانتباه لخطورة هكذا محاولات، وان لا ننظر لها كدعوات بريئة تهدف فقط تعزيز عمل الوكالة وآليات اتخاذ القرارات ومن يشرف عليها إداريا وإجرائيا – هي ليست كذلك!

-التقرير نادى بضرورة تعزيز مفهوم "الشراكة" بين الأونروا ومؤسسات رديفة من داخل جسم الأمم المتحدة ومن خارجه. هذه أيضا ليست دعوة بريئة، وهى محاولة إضافية لإقحام مؤسسات أخرى بعمل وولاية الاونروا، وتسليم بعض من خدماتها لجهات أخرى.

انظروا هنا لمحاولات منظمة الغذاء العالمي، وهى منظمة تابعة للأمم المتحدة، الالتفاف على دور الاونروا في غزة واستجابتها لأخذ دور الوكالة عندما ازدات وتيرة شيطنة الاونروا اسرائيليا، ومحاولة تعزيز عمل مؤسسة الـ "يو أس ايد" التابعة لوزارة الخارجية الامريكية بين صفوف اللاجئين، وعمل منظمة المطبخ المركزي الامريكية في غزة، كبدائل لعمل الاونروا، وان كان الادعاء غير ذلك. الهدف من كل ذلك واضح ولا حاجة لشرحه، ومصيبة ان كان هناك حاجة لشرحه.

-أنا أدعي أن التقرير، وبخبث، أقحم قضية المناهج الفلسطينية المعمول بها بمدارس الاونروا في فلسطين، وقدم توصية خطيرة بحقها.

التقرير أعاد نفس الأسطوانة المشروخة حول هذه المناهج، وانها تحفز على "العنف والكراهية"، وذكرنا ان ١٥٧ كتابا مدرسيا فلسطينيا راجعها العالم أجمع، وأنه بعد ان عصرنا عصرا "وعقم" مناهجنا تعقيما عميقا، الا انه ما زال هناك الحاجة لمزيد من "التنظيف"، لإن التقرير مثلا، ممتعض من ان المنهاج ما زال يشير الى ان القدس هي عاصمة فلسطين!! وما الداعي لإثارة السيدة كولونا لاعادة طرح ذات الموضوع الذي اشبع تمحيصا ومراجعة، وذلك فى ظل غياب معيب من كافة الأطراف بالدعوة، ولو لمرة واحدة، لمراجعة المناهج الإسرائيلية المتعالية والفوقية!!

-التقرير شحذ سيف الحيادية المسلط على رقاب ٣٢٠٠٠ الف موظف يعملون مع الاونروا، وان المحاولات الدؤوبة على مدار سنوات طوال للجمهم ومنعهم من التعبير عن انتمائهم لشعبهم ولقضيتهم كلاجئين غير كافية، ويجب تكثيفها، وان اتحاد العاملين داخل جسم الاونروا هو اتحاد مسيس ومعاد لإدارة الاونروا فقط، لإنه يرتكز على حاضنته الشعبية الفلسطينية، ولأنه يدافع عن حقوق العاملين المطلبية والعادلة. التقرير نادى بضرورة بذل المزيد لكي الوعى ولجم العاملين، حتى من التعبير عن أي شيء يتعلق بفلسطينيتهم او بخصوص حرب الإبادة على صفحات التواصل الاجتماعي! والمسيء في تقرير كولونا، هو الإشارة الى ضرورة الحفاظ على حيادية مرافق الاونروا وحمايتها من تدخلات الأطراف، وهى لم تكلف خاطرها اثناء مؤتمرها الصحفي أمس الاول، ولو شكليا، لإدانة قصف العشرات من مرافق الاونروا ومراكز إيواء النازحين في غزة واستشهاد مئات منهم داخل هذه المراكز، ومن ضمنهم عشرات من موظفي الاونروا بسبب القصف المتعمد لها.

آمل ان لا يتم الترحيب فلسطينيا بهذا التقرير، فهو تقرير دسمه قليل وسُمه كثير. وآمل ان لا نبقى رسميا وشعبيا مكتوفي الأيدي ندين ونستهجن ما يجرى من هجمات متتالية على الاونروا وعلى دورها ورمزيتها وعلى حق العودة ذاته، ويغيب عنا برنامج عمل مكثف وواع للدفاع عن هذه المؤسسة الأممية، وتحصينها في خضم حرب الإبادة المستمرة على غزة والحرب على حق العودة.