48 عاما على ذكرى "يوم الأرض" الخالد

أبريل 1, 2024 - 12:16
48 عاما على ذكرى "يوم الأرض" الخالد

يحيي شعبنا الفلسطيني في كافة اماكن تواجده، الذكرى الـ 48 "ليوم الأرض" الخالد، التي تصادف في الثلاثين من آذار من كل عام، والذي جاء بعد هبة الجماهير العربية داخل أراضي 1948، ضد استيلاء سلطات الاحتلال على الاف الدنمات من الأراضي، والإقتلاع والتهويد الذي انتهجته إسرائيل، وتمخض عن هذه الهبّة ذكرى تاريخية سميت بـ"يوم الأرض".


وتعود أحداث هذا اليوم، لعام 1976، بعد استيلاء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين داخل أراضي عام 48، وقد عم إضراب عام، ومسيرات من الجليل إلى النقب، واندلعت مواجهات أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين، بالإضافة إلى 69 جريحًا ونحو 300 معتقل.


كان استيلاء السلطات الإسرائيلية على نحو21 ألف دونم من أراضي القرى العربية في الجليل، ومنها عرابة، سخنين، دير حنا، وعرب السواعد، وغيرها عام 1976؛ لتخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات، في نطاق خطة "تهويد الجليل"، وتفريغه من سكانه العرب، الشرارة التي أشعلت غضب الجماهير العربية ليوم الأرض، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين في الداخل، وخصوصا المتضررين المباشرين، عن الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار.


وفي يوم الارض، أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث إضرابا عاما، وحاولت السلطات الإسرائيلية كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى صدام بين المواطنين والقوات الإسرائيلية، كان أعنفه في قرى سخنين، وعرابة، ودير حنا.


وحسب معطيات لجنة المتابعة العليا - الهيئة القيادية العليا لفلسطينيي الـ 48 فإن إسرائيل استولت على نحو مليون ونصف المليون دونم منذ احتلالها لفلسطين حتى العام 1976، ولم يبق بحوزتهم سوى نحو نصف مليون دونم، عدا ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين وأراضي المشاع العامة.


وفي ذلك الوقت، بذلت إسرائيل جهودا لمنع انطلاق فعاليات نضالية، لكن رؤساء المجالس البلدية العربية أعلنوا الإضراب العام في اجتماع يوم 25 آذار 1976 في مدينة شفا عمرو. حيث جاء قرار "لجنة الدفاع عن الأراضي العربية"، التي انبثقت عن لجان محلية في إطار اجتماع عام جرى في مدينة الناصرة في 18 تشرين الأول 1975، إعلان الإضراب الشامل، ردا مباشرا على الاستيلاء على أراضي "المل" (منطقة رقم 9)، ومنع السكان العرب من دخول المنطقة، في تاريخ 13-2-1976.


ويؤكد باحثون أن الاستيلاء على الأراضي بهدف التهويد بلغت ذروتها مطلع 1976 بذرائع مختلفة، تجد لها مسوغات في "القانون"، و"خدمة الصالح العام"، أو في تفعيل ما يعرف بـ"قوانين الطوارئ" الانتدابية.


كما كان صدور وثيقة (كيننغ) في 1976/3/1 من قبل متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية (يسرائيل كيننغ) وثيقة سرية، سمّيت فيما بعد باسمه، والتي تستهدف إفراغ الجليل من أهله الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضيهم، وتهويدها، واحدة من مسببات الاتجاه نحو الإضراب.


وركزت على تكثيف الاستيطان اليهودي في شمال الجليل، وإقامة حزب عربي يعتبر "أخا" لحزب العمل، ويركز على المساواة والسلام، ورفع التنسيق بين الجهات الحكومية في معالجة الأمور العربية، وإيجاد إجماع قومي يهودي داخل الأحزاب الصهيونية، حول موضوع العرب في إسرائيل.


وشددت الوثيقة على ضرورة التضييق الاقتصادي على العائلات العربية، عبر ملاحقتها بالضرائب، وإعطاء الأولوية لليهود في فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي، وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ، وتسهيل هجرة الشباب، والطلاب العرب إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها.


وكان الرد الإسرائيلي عسكريا شديدا على هبة "يوم الأرض"، باعتبارها أول تحدٍ، ولأول مرة بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، حيث دخلت قوات معززة من الجيش الإسرائيلي مدعومة بالدبابات، والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية، وأعادت احتلالها، موقعة شهداء، وجرحى بين صفوف المدنيين العُزل.


ورغم مطالبة فلسطينيي 48 إسرائيل إقامة لجنة للتحقيق في قيام الجيش، والشرطة بقتل مواطنين عُزَّل يحملون الجنسية الإسرائيلية، إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التام، بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية.


وسعت إسرائيل إلى إفشال الإضراب لما يحمله من دلالات تتعلق بسلوك الأقلية العربية كأقلية قومية حيال قضية وطنية ومدنية من الدرجة الأولى، ألا وهي قضية الأرض. حيث عقدت الحكومة اجتماعا استمر لأربع ساعات، تقرر فيه تعزيز قوات الشرطة في القرى والمدن العربية للرد على الإضراب والمظاهرات. كما قامت قيادة اتحاد العمال الإسرائيلي "الهستدروت" بتحذير العمال وتهديدهم باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، وقرر أرباب العمل في اجتماع لهم في حيفا طرد العمال العرب من عملهم إذا ما شاركوا في الإضراب العام في يوم الأرض. كذلك بعث المدير العام لوزارة المعارف تهديدا إلى المدارس العربية لمنعها من المشاركة في الإضراب.


ومن المؤكد انه رغم مرور ( 48 عاما) على هذه الذكرى، لم يمل فلسطينيو أراضي 48، الذين أصبح عددهم أكثر من 1.5 مليون نسمة، بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948 من احياء "يوم الأرض"، الذي يجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وانعطافه تاريخية في مسيرة بقائهم، وانتمائهم، وهويتهم منذ نكبة 1948، تأكيدا على تشبثهم بوطنهم وأرضهم.


ولم تكتف السلطات الإسرائيلية بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم، بل عملت تباعاً على الاستيلاء على ما تبقى من الأرض، التي بقيت بحوزة من ظلوا في أرضهم.


يذكر أن إسرائيل استولت خلال الأعوام ما بين عام 1948 ، 1972 على أكثر من مليون دونم، من أراضي القرى العربية في الجليل، والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها بعد سلسلة المجازر المروّعة، وعمليات الإبعاد القسّري، التي مورست بحق الفلسطينيين عام 48.


هذا ويعتبر يوم الأرض نقطة تحول بالعلاقة بين (السلطة الإسرائيلية)، والعرب بالداخل، إذ أن إسرائيل أرادت بردها أن تثبت للجماهير الساخطة من هم "أسياد الأرض"، وكان هذا التحدي العلني الجماهيري الأول للكيان المحتل من قبل الجماهير الساخطة، باعتقاد العديد أن "يوم الأرض" ساهم بشكل مباشر بتوحيد وتكاتف وحدة الصف الفلسطيني بالداخل على المستوى الجماهيري، بعد أن كان في العديد من الأحيان السابقة نضالا فرديا لأشخاص فرادى، أو لمجموعات محدودة. كما كان هذا الرد بمثابة صفعة وجرس إيقاظ لكل فلسطيني قبِل بالاحتلال الإسرائيلي عام 1948.


ومنذ العام 1976 أصبح يوم الأرض يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني، داخل فلسطين، وخارجها، وفي هذه المناسبة نشهد تحركات شعبية فلسطينية عديدة تؤكد وحدة شعبنا، وحقه في أرضه، رغم شراسة الهجمة الإسرائيلية.
كما ان معركة الأرض لم تنته في 30 آذار 1976؛ بل هي مستمرة حتى يومنا هذا، ونستطيع أن نقول أن كل الأيام الفلسطينية هي بمثابة "يوم الأرض"، ففي كل يوم تصادر حكومة الاحتلال العنصرية الأرضي الفلسطينية، وتبني المستوطنات، وتهدم المنازل وتهجر السكان.


وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن ما يحدث في محافظة سلفيت من تصاعد في وتيرة الاستيطان والانتهاكات الاسرائيلية واعتداءات الجيش والمستوطنين اليومية بحق الانسان والارض، وارتكاب جرائم القتل والمصادرة، وتنفيذ المخططات الاستيطانية التهويدية في العديد من بلدات وقرى المحافظة، دليل واضح على استمرار سلطات الاحتلال في تنفيذ المشروع الاستعماري على مجمل الاراضي الفلسطينية، دون حسيب او رقيب.


وما يثير الاستغراب ان 48 عاما مَرّت على يوم الأرض والعالم لا يحرك ساكنا، وتأتى هذه الذكرى الخالدة هذا العام ( 2024)، في ظل تصعيد خطير وغير مسبوق، من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي وشركائها، يتمثل في مصادرة الأراضي الفلسطينية، وتوسيع الاستيطان فيها، وخصوصاً في مدينة القدس الشريف وبقية الاراضي المحتلة بهدف اقتلاع الفلسطينيين منها على طريق تهويدها وجعل القدس عاصمة لكيانهم الغاصب، في أكبر عملية قرصنة وتزوير في التاريخ، وإطلاق يد الاستيطان في أنحاء مختلفة في الضفة الغربية، واستمرار حرب الإبادة على شعبنا في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي والى الآن، في عدوان لم يسبق له مثيل يستهدف الديمغرافيا الفلسطينية وافراغ قطاع غزة من سكانه والقضاء على كل اسباب الحياة الطبيعية والعادية فيه والعودة لإحتلاله، وقد تم ارتكاب مئات المجازر والتي نجم عنها قرابة خمسون الف شهيد ومئة الف جريح لغاية الآن ، كل ذلك يكشف النوايا المبيته لتصفية القضية الفلسطينية واستمرار سياسات التطهير العرقي والتوسع والإحلال التي ينتهجها الكيان الصهيوني منذ العام 1948 م والى الآن .


امام كل ذلك، ما أحوجنا اليوم لانتفاضة الأرض وليس ليوم واحد للأرض، لأن يوماً واحد لن ينهي الصراع مع المحتل، الذي يواصل سياسته الهادفة إلى إسقاط المشروع الوطني الفلسطيني وتدميره بمختلف الوسائل والأساليب، وفي مقدمتها مصادرة الأراضي، ونشر الاستيطان، وتوسيعه وتعميقه، في القدس، وحول القدس، والأنحاء المختلفة من الضفة الغربية، والعودة لإحتلال قطاع غزة وتقسيمه واستمرار فصله عن القدس والضفة الغربية ، وطمس الهوية العربية الإسلامية والمسيحية للقدس الشريف، كل ذلك يجري تحت مظلة ما يسمى الجهود الدولية الحثيثة من أجل العودة لمفاوضات تؤدي إلى تسوية سياسية للصراع ، باتت تتوارى وتتراجع امام تعنت وفاشية الكيان الصهيوني وغرقه في اوهام التطرف والتنكر للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.


وفي ظل هذا الوضع القائم والمأزوم في فلسطين والمنطقة، وانسداد أفق أي تسوية تحمي الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، لا بد من مواصلة النضال ومواجهة الإحتلال واجراءاته العنصرية والفاشية، لأجل وقف سياسات المصادرة والتوسع والإحلال والإقتلاع والتهجير والاستيطان ومواجهتها بفعالية من خلال تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة التمرد والانقسام المدمر، شرط لازم وضروري لتفجير الطاقات الشعبية الفلسطينية في انتفاضة شعبية سلمية عارمة، يخوض غمارها الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ومن خلال اطره ومنظماته الشعبية المختلفة ، وقواه السياسية المختلفة، بقيادة م.ت.ف لمواجهة سياسات الاحتلال، الهادفة الى التوسع والإقتلاع والإحلال والتهجير ، والمصادرة وتكريس الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.


كما لا بد من تحرك الشتات الفلسطيني والشعوب والدول العربية لمساندة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين، وتوفير الحاضنة الشعبية والرسمية العربية لنضاله وصموده، من خلال تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة التي من شأنها العمل على ديمومة انتفاضته واستمرار صموده، حتى نيل حقوقه المشروعة، ووقف وكسر وإزالة كل مشاريع الاستيطان والإقتلاع والتهويد للقدس ولبقية الاراضي الفلسطينية .


اضافة الى ضرورة توفير مساندة دولية، شعبية وحكومية فاعلة، ودعم صريح لمطالب الشعب الفلسطيني وتمكينه من حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة، ووضع حد لاستمرار الاحتلال الذي يعتبر اليوم آخر احتلال على وجه الكرة الأرضية وعدم ترك الولايات المتحدة منفردة في ادارة الصراع، وفرض مؤتمر دولي متعدد الاطراف يعنى بإقرار السلام على اساس انهاء الإحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من العودة وتقرير المصير .


ومن الأهمية العمل على استثمار الإنجازات السياسية والدبلوماسية التي أنجزتها م.ت.ف وخصوصاً اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم 29/11/2012م بدولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967م وعاصمتها القدس، وذلك من خلال العمل المستمر والدؤوب على مواصلة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتمكينها من بسط سيادتها الكاملة على كامل أراضيها المحتلة وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني .


إننا شعب فلسطين ومعنا احرار العالم، اليوم، مطالبون بإحياء ذكرى يوم الأرض المجيد بما يليق بها، وبما تعكسه من تحدِ للاحتلال وسياسات التهويد والتهجير والإبادة، وبما تطرحه من أهمية مركزية لعنصر الأرض في جدلية الصراع مع الكيان الصهيوني، وأخذ العبرة منها لمواجهة هذا الواقع المرير الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي وسياسته العنصرية الإحلالية ، والتوسعية والإقتلاعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ، والتي تدمر كل فرص السلام المنشود وتهدد الأمن والسلم في المنطقة.