اليمن ينقل المعركة الى مرحلة جديدة من التصعيد
الأمريكي الذي كان يعتقد بأنه بتشكيله حلف ما يعرف بـ "حامي الإزدهار"، (الذي اطلقت عليه جماعة انصار الله حلف /الخراب والدمار/)، بأنه قد يردع اليمن عن الإستمرار في منع السفن التي تحمل البضائع الى اسرائيل من المرور عبر البحر الأحمر، وامريكا شكلت هذا الحلف الذي لم ينضم اليه سوى عدد من الدول، أغلبها من الأنجلوسكسوينة، وفي مقدمتها بريطانيا، وجزيرتين ترفعان اعلام دول، هما البحرين وسيشل، في حين احجمت عن المشاركة في هذا الحلف، دول خليجية مثل السعودية والإمارات، وقالت بأن ما يجري في البحر الأحمر مرتبط بالحرب العدوانية التي تشن على قطاع غزة. وبررت أمريكا تشكيلها لهذا الحلف من أجل ضمان حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، تلك الحرية التي أكد عليها اليمن، (جماعة انصار الله)، بأنها مكفولة لكل سفن دول العالم، ما عدا السفن التي تنقل البضائع الى اسرائيل، او السفن المرتبطة بانشطة مع اسرائيل، وأمريكا شكلت حلفها هذا للدفاع عن المصالح الإسرائيلية واقتصادها، وعن المصالح الأمريكية والبريطانية، ولعل عسكرتها للبحر الأحمر، هي التي تشكل الخطر على حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
أمريكا وبريطانيا منذ تشكيل هذا الحلف تواصلان شن غارات على المدن والموانيء اليمنية، من أجل ردع اليمن عن الإستمرار في منعه للسفن التي تحمل البضائع الى اسرائيل من المرور في البحر الأحمر، ولكن تلك الغارات التي اوقعت حتى الان اكثر من 34 شهيداً يمنياً على طريق إسناد شعب فلسطين ومقاومته، من أجل وقف العدوان الإسرائيلي المستمر عليها، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الى القطاع بشكل كاف، حيث الموت والجوع والمجاعة والمرض والأوبئة، بسبب نقص الغذاء، وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية بشكل كاف، والحل لا يمكن بإدخال تلك المساعدات من خلال الإنزالات الجوية، ولا الرصيف البحري، بل يجب فتح كل المعابر البرية وفي المقدمة منها، معبر رفح البري .
رد اليمن على هذا التصعيد الأمريكي البريطاني، بتوسيع دائرة الإستهداف للسفن، لتشمل الى جانب الإسرائيلية او المرتبطة بانشطة واعمال مع اسرائيل ، بإستهداف السفن الأمريكية والبريطانية، وكذلك البوارج والمدمرات الأمريكية، والرسالة اليمنية هنا واضحة، بأن غاراتكم المستمرة على اليمن بمدنه وموانئه، لن تثني اليمن عن القيام بواجبه الديني والعقائدي والأخلاقي والوطني بلغة القائد العام لجماعة "انصار الله" عبد المالك الحوثي، حيث قال بأنّ "المعركة مستمرة، وليس من الدين ولا الوفاء ولا الشهامة ولا الرجولة طرح الرايات، أو إخلاء الساحات، أو تجاهل مأساة الشعب الفلسطيني"، مؤكّداً أنّ "ضميرنا الإنساني، وديننا، وأخلاقنا، وكرامتنا، وعزتنا، وانتماءنا إلى الإسلام، تحرِّم علينا أن نتفرّج على مظلومية فلسطين، أو أن نسكت عن ذلك".
وأكد الحوثي يوم الخميس 14/3/2024 ، في كلمته بأن جماعة "أنصار الله" ستوسع عملياتها الى اماكن لا يتوقعها الأعداء، ولديها الكثير من المفآجات مشيرا الى أن عدد العمليات التي نفذتها تلك الجماعة بلغت 73 عملية حتى الان شملت سفنا وبوارج أمريكية وبريطانية، وأن الأمريكي نفذ خلال الأسبوع الماضي 35 عملية قصف وغارات على مواقع واهداف يمنية، لم يكن لها تأثير فعال على مواقف وقدرات جماعة " أنصار الله" في حربها الإسنادية لقطاع غزة.
وكذلك كان الزخم الشعبي عبر المسيرات والمظاهرات المليونية مستمراً وموازياً للعمل العسكري .
الإستهداف العسكري للسفن والبوارج الأمريكية والبريطانية ومن قبلها السفن الإسرائيلية، أو المرتبطة بها بأعمال وأشغال، كان لها تأثيرات كبيرة على الإقتصاد الإسرائيلي، الذي يعاني من أزمات عميقة نتيجة الحرب العدوانية المستمرة على قطاع غزة، وما نتج عنها من تداعيات، حيث قطاعات إقتصادية كاملة توقفت عن العمل والإنتاج، شملت قطاعات، السياحة والصناعة "الهايتك" والزراعة والبناء، أو العمل بطاقة إنتاجية منخفضة لقطاعات ومؤسسات أخرى، ناهيك عن أن 30 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة أغلقت، اضافة الى ارتفاع نسبة البطالة والتضخم، وهروب رؤوس الأموال والإحجام عن الإستثمار، وانخفاض قيمة الشيكل وانهيارات في البورصة، وما تلاه من خفض التصنيف الإئتماني للإقتصاد الإسرائيلي، وكذلك الأعباء المالية الكبيرة للمستوطنين الذين جرى تهجيرهم من شمال وجنوب فلسطين.
اليمن خلق معادلة جديدة في البحر الأحمر، تلك المعادلة قالت بأن كلمة اليمن في البحر الأحمر موازية لكلمة أمريكا، التي لم تعد قادرة على الردع ولا التعطيل ولا شن حرب شاملة على اليمن، وبالتالي فان هذه المعادلة، تركت تأثيراتها على الإقتصاد الإسرائيلي، من حيث رفع تكلفة عمليات الشحن بسبب الدوران حول رأس الرجاء الصالح، ورفع رسوم التأمين على تلك السفن، وهذا يعني بأن الأسعار بالنسبة للمستهلك الإسرائيلي سترتفع، ناهيك عن تقطع سلسلة التوريدات للطاقة، ولعل التاُثير الأكبر كان على ميناء إيلات (ام الرشراش)، كميناء اقتصادي وسياحي، حيث تعطل هذا الميناء بنسبة 90%، وكذلك مينائي اسدود وحيفا، حيث انخفضت نسبة التجارة بـ 30% على الأٌقل.
القرار اليمني بالذهاب بهذه المعركة الى مدايات أبعد من حدود جغرافيا اليمن الإقليمية، بما يحمله هذا التحول من عناوين للتحدّي مع الهيمنة الأميركية على مساحة أبعد من المدى الوطني اليمني، يضع الأميركي أمام استحقاقات صعبة، حيث الخيارات بين الذهاب لحرب كبرى لم يكد الأميركي يخرج من أقلها خطورة في أفغانستان تجنّباً للخسائر، وبين التعايش مع حرب استنزاف تُسقط هيبته وصورة الردع التي يحرص عليها، أو الذهاب للإسراع بالخطوات التي يملك القدرة عليها والتي تضمن نهاية العدوان والحصار على غزة.
الحرب على قطاع غزة والجبهات الإسنادية التي تصر على القيام بدورها في الوقوف الى جانب قطاع غزة، بتفعيل جبهاتها ورفع وتيرة عملياتها، تؤكد بأن المعركة تدور على الوقت، وهي كذلك معركة عض أصابع، وهي لا تقارب مسؤولياتها بصورة دفاعية، أي الإكتفاء بالتحمل وإنتظار النتائج، بل تشمل كما يفعل اليمن على استثمار الوقت بتصعيد العمليات لزيادة الإحراج أمام جبهة الاعداء التي يقودها الأميركي، بتضييق الاحتمالات أمامه، بما في ذلك من مخاطر وتحمل التضحيات.
ختاماً نقول بأن جماعة "انصار الله"، كانت مفاجاة هذه الحرب وقيمتها المضافة وستصنع التحولات الكبرى فيها.