المرأة الفلسطينية رمز الصمود والعطاء
يحتفل العالم في الثامن من آذار كل عام بيوم المرأة العالمي، وبينما تحتفل المرأة في العالم بهذا اليوم بمزيد من القوانين والتشريعات والأنظمة، وبحضور لافت في كل المحافل مطالبة بحقوقها ومحتفية بما وصلت إليه، تحيي المرأة الفلسطينية هذا العام وهي تحت حرب الإبادة والقصف والعدوان الهمجي، تجمع أشلاء أحبتها وصغارها وتدفن الشهداء وتضمد الألم عن الجرحى، بقلب صابر على الوجع، ودمعة لا تجف في عينها، تطرد عنها ما استطاعت من الألم، وتقوي من عزيمة الكل من حولها، في مهابة قوة حضورها وعنفوانها في مواجهة الظلم والقهر والإرهاب.
المرأة الفلسطينية في غزة تواجه جرائم الاحتلال بصبر وثبات وقوة وقدرة على بذل المزيد من العطاء، فأبدعت في أدورها، وكانت مثالًا يحتذى به، سيذكره التاريخ وتذكره الأجيال، وهي تقدم كل ما بوسعها وتبذل الكثير لأنها عنوان الصمود، وطاردة للهزيمة، وصانعة للأمل وهي تتشبث بالوطن، وترفض الهجرة منه، مهما كانت الأسباب. ورغم منسوب الألم والوجع الذي يطاردها بعد أن نزحت من بيتها إلى مراكز الإيواء ثم إلى خيام النزوح، وفي عراء الشتاء والمطر، ورغم الجوع إلا أنها بقيت متماسكة، عاقدة العزم على تجاوز هذه الحرب، وهذا الخراب الكبير جنبًا إلى جنب مع الرجل الأب والأخ والشريك.
وفي اليوم العالمي للمرأة، يكون من الواجب على نساء العالم، ومن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية، واجب التضامن مع المرأة الفلسطينية في هذا الظرف الذي تعيشه، ويكون لزامًا على المرأة في العالم وعلى كل نساء الأرض، أن يتخذن المواقف الجدية لأجل دعم ومساندة المرأة الفلسطينية التي تتعرض للقتل والقهر والظلم على يد الاحتلال. وهذا الموقف الواجب على كل نساء الأرض في يوم المرأة، حيث تعاني نساء فلسطين من هذا الظلم الكبير الذي اسمه الاحتلال.
إن المرأة الفلسطينية في غزة مثالًا للصلابة والقوة، فهي المسعفة والمنقذة والمعالجة والمطببة والراعية للأسرة وهي الفاقدة والفقيدة، وهي الشاهد والشهيدة، فما تبذله يفوق الخيال، وما تعيشه من ظروف لا يمكن تصورها، لكنها الحقيقة التي نراها هذه الأيام مع كل مشهد نراه وكل صورة تصل إلينا وكل صوت نسمعه.
لقد شكلت المرأة الفلسطينية نموذجًا من العطاء منذ الأزل، وهي تواصل حضورها رغم ما واجهته وتواجهه من تحديات، ومن ظروف قاهرة وصعبة، جنبًا إلى جنب مع الرجل الذي حظي بمشاركتها وحظي بحضورها فيه ومعه، في كل الحقول والمراحل وفي شتى المجالات، محافظة على مكانتها كونها أساس البيت والعائلة، وحضن الأمومة الدافئ وأساس تطور المجتمع، إلى جانب ريادتها في كل المجالات التي دخلتها المرأة، وأثبتت أنها جديرة بها بل ومتميزة وقادرة على تحقيق الهدف.
لقد صنعت المرأة الفلسطينية لنفسها الدور الذي تستحق، وكانت جديرة به على مر العقود والسنوات، وقد تميزت عن غيرها كونها تحت الاحتلال الذي فرض معاناة خاصة عليها، وقوانين جائرة وظالمة، إلا أنها تفوقت، وشكلت حالة خاصة ونموذجًا متقدمًا، وما كان ذلك ليحدث لولا أن الرجل الفلسطيني على قدر من الوعي فآمن بدورها وقدراتها، كما آمن بحقها، فشكلا الحالة الفلسطينية الخاصة القادرة على البقاء والرقي والنمو والتطور والصمود.
إن المرأة الفلسطينية بوعيها وثقافتها استطاعت أن تكون نواة الثورة على مرّ الأزمان، وفي كل حقبة كانت تتعرض بها فلسطين لموجة من الاستعمار أو الاحتلال كانت المرأة أساس الصمود والدفاع، وركيزة للتحرير والخلاص، فكانت سخية العطاء، لهذا حافظت على بقائنا على هذه الأرض التي تستحق الحياة.
موجات عديدة من الاستعمار والغزاة المحتلين مروا على هذه الأرض، وكانت المرأة عبر تلك العصور تتوارث القوة والقدرة والعزيمة على مواجهة كل الظروف مهما بلغت قسوتها، وكانت جديرة ببناء الأجيال، وأخذت لنفسها كل الأدوار، وتجاوزت الصعاب، فكانت المقاتلة الأولى والأسيرة والشهيدة، وكانت الفارسة العنيدة، الأم والأخت والرفيقة، المثيرة بتميزها العلمي والعملي، المدهشة في حضورها ووعيها، وكأنها السر المقدس.
إن القدرة الإبداعية للمرأة الفلسطينية جعلتها تواجه كل ما تعرضت له بقوة وقدرة وحكمة، وهذا ما مكنها لتكون على هذا المستوى الذي نشهد له، وتقدمت في شتى المجالات ونواحي الحياة المختلفة، رغم استثناء ما نعيشه في كل المحطات وكل الحقب الزمنية، فلم تُسقط عنها أي دور في كل مرحلة، ولم تتراجع خطوة للوراء، بل تقدمت وأثبتت بجدارة قيامها بكل الأدوار، وشكلت حالة فريدة ونموذجًا خاصًا يتقن فن التكيف مع كل الظروف، ويحفظ سر البقاء.
وفي هذا اليوم، الثامن من آذار، وبينما تحيي نساء العالم يوم المرأة العالمي، تعيش المرأة الفلسطينية في خيام النزوح والشتات بفعل الحرب والقتل والقصف والجوع والحصار، وفي داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، كما وتتعرض المرأة الفلسطينية للقتل والتعذيب والتنكيل على حواجز الاحتلال، وتتعرض للحبس المنزلي خاصة في القدس، حيث تعاني قوانين الاحتلال الجائرة، وفي نفس الوقت فإنها تقدم البطولات عبر عظيم التضحيات وتواصل حضورها الفاعل في كل المحافل، عبر إسهاماتها كأساس وركيزة وكنصف مكتمل، وتؤدي دورها الطليعي المتميز، وتمارس بوعيها الطبيعي مشوارها، مؤمنة بنفسها ومتسلحة بالشرائع والقوانين السماوية والأرضية التي منحتها كل الحق، فكل عام وأنتن بخير يا نساء بلادي.