تعثر خطّة نشر "قوّة الاستقرار" في غزة مع تزايد الغموض حول مهامها
تشهد الخطة الأميركية لنشر "قوّة استقرار دولية" في قطاع غزة، كما وردت في مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار، سلسلة انتكاسات متتالية مع تراجع عدد من الدول التي كانت قد أبدت استعداداً أولياً للمشاركة. وبحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، فإن الجهود الرامية لتشكيل هذه القوة لا تزال عالقة في مرحلة المشاورات من دون أي تقدم ملموس، في ظل غياب رؤية واضحة لطبيعة المهام التي ستوكل إليها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله: "لا تزال الالتزامات قيد الدراسة. لا دولة مستعدة لإرسال قوات قبل أن تفهم بدقة ما هو المطلوب منها". ويعكس هذا الموقف حجم الغموض السياسي والعملي الذي يلفّ مهمة القوة، وسط مؤشرات عديدة إلى خشية الدول من أن تتحول قوة الاستقرار إلى طرف متورط في صراع مسلّح داخل القطاع، بدلاً من أن تكون قوة لحفظ السلام واستعادة الاستقرار.
تردد دولي وقلق من المواجهة
ويوضح التقرير أن الهمّ الأكبر لدى الدول المرشحة للإسهام بقوات في المهمة يتمثل في احتمال تضارب دور القوة مع الواقع الميداني، خصوصاً إذا طُلب من عناصرها استخدام القوة ضد فلسطينيين. وكانت إندونيسيا قد أعلنت سابقاً استعدادها لإرسال 20 ألف جندي قبل أن تتراجع وتوضح أن الرقم يمثل إجمالي قدراتها في قوات حفظ السلام. وأفاد مسؤول في وزارة الخارجية الإندونيسية بأن بلاده قد ترسل 1200 جندي فقط، مع اعترافه بأن "الكثير من الضباط مترددون بشدة" بسبب مخاوف الانجرار إلى صدام مباشر.
أما أذربيجان فربطت مشاركتها بتوقف كامل للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما لا يزال بعيد المنال مع استمرار الهجمات. وفي السياق ذاته، أكدت باكستان أنها لن تكون جزءاً من أي مهمة هدفها نزع سلاح حماس، معتبرة أن هذا "ليس دور الجيش الباكستاني"، كما صرح وزير خارجيتها إسحاق دار.
غياب عربي كامل عن المبادرة
ورغم أن الخطة الأميركية الأصلية تحدثت عن التنسيق مع "شركاء عرب ودوليين"، إلا أن أي دولة عربية لم تُبد استعداداً لإرسال قوات. ويرى دبلوماسيون أن هذا الامتناع يعكس إدراكاً عربياً لدقة المرحلة وخطورة إرسال قوات في ظل استمرار الاحتلال، وغياب إطار سياسي شامل يضمن أن القوة لن تتحول إلى أداة لإدارة أمنية تخدم مصالح طرف واحد.
شلل في تنفيذ قرار مجلس الأمن
وفي موازاة ذلك، يشهد قرار مجلس الأمن رقم 2803، القاضي بوضع غزة تحت إدارة "مجلس السلام" برئاسة ترمب جموداً واضحاً. فمنذ صدور القرار لم تُعلن أي خطوات عملية لتشكيل المجلس أو تحديد هيكليته، ما يشير إلى عقبات سياسية وقانونية تحاصر المشروع منذ ولادته.
احتلال مستمر وواقع ميداني يناقض فكرة الاستقرار
على الأرض، يواصل الجيش الإسرائيلي السيطرة على أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، إلى جانب شن عمليات وهجمات أودت بحياة أكثر من 350 فلسطينياً منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار المفترض. وفي خضم ذلك، تروج الإدارة الأميركية لخطة إعادة إعمار تقتصر على المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ما يثير مخاوف واسعة من محاولة تكريس واقع تقسيمي طويل الأمد.
ويرى محللون أن إخفاق الجهود يعود إلى غياب إطار سياسي متكامل يسبق أي عمل ميداني. فلا يمكن لقوة استقرار أن تعمل بفعالية في بيئة يغيب عنها الاتفاق السياسي، وتستمر فيها العمليات العسكرية، وتظل تحت الاحتلال. وبدون رؤية واضحة، ستبقى أي قوة عرضة للفشل أو للاستخدام في فرض ترتيبات أحادية.
كما يشير خبراء إلى أن التحفظ الإندونيسي والباكستاني يعكس إدراكاً متزايداً بأن القوة قد تتحول عملياً إلى أداة لفرض ترتيبات أمنية تخدم إسرائيل أكثر من خدمتها لحماية المدنيين، وهو ما يضع الدول المشاركة في موقف سياسي حساس أمام شعوبها وأمام المجتمع الدولي.
وفي السياق الإنساني، يرى مراقبون أن استمرار إسرائيل في عرقلة دخول المساعدات الأساسية، لا سيما الأدوية والإمدادات الطبية، يقوّض أي حديث عن "استقرار". فالأوضاع الصحية المتدهورة وانهيار البنية الأساسية يجعل من أي مبادرة أمنية خطوة غير ذات معنى إذا لم تسبقها معالجة حقيقية للاحتياجات الإنسانية العاجلة. وهذا التعارض بين الخطاب السياسي والواقع الإنساني يعمّق الشكوك في النوايا الدولية وفي إمكانية نجاح أي قوة استقرار.
ويكشف تعثر تشكيل "قوة الاستقرار الدولية" حجم التناقض بين الطموح السياسي والواقع الميداني في غزة. فالمبادرة تبدو محاصرة بتعقيدات جوهرية: غياب التوافق الدولي، تردد الدول، استمرار الاحتلال، وتصاعد الكارثة الإنسانية. ومع غياب رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الحرب، تبدو أي قوة دولية عاجزة عن فرض واقع جديد من دون معالجة جذور الأزمة السياسية. وعليه، فإن مستقبل هذه القوة لن يُحدّد بناءً على عدد الدول المشاركة، بل على قدرة المجتمع الدولي على بلورة إطار شامل يُنهي الحرب ويضمن حماية الفلسطينيين قبل أي ترتيبات أمنية أو عسكرية.





