اجتماع ترمب – زيلينسكي: لحظة مفصلية تكشف حدود الدعم الأميركي لأوكرانيا

أكتوبر 19, 2025 - 10:05
اجتماع ترمب – زيلينسكي: لحظة مفصلية تكشف حدود الدعم الأميركي لأوكرانيا

في لقاء حمل كثيراً من الترقب والرهانات، اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض يوم الجمعة، في محاولة لإعادة رسم ملامح الدعم الأميركي لكييف في حربها المستمرة مع روسيا. غير أن نتائج الاجتماع بدت أقرب إلى التحفظ والتريث منها إلى اتخاذ قرارات حاسمة، ما جعله نقطة انعطاف مهمة في مسار العلاقة بين واشنطن وكييف.

وتركّز اللقاء على طلب أوكرانيا الحصول على صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى، التي من شأنها أن تمكّن الجيش الأوكراني من توجيه ضربات عميقة داخل الأراضي الروسية، وتغيير موازين القوة على الأرض. زيلينسكي شدّد على أهمية هذه الصواريخ في تقويض خطوط الإمداد الروسية وإرباك العمق اللوجستي لموسكو، لكنه اصطدم بتحفّظ الرئيس الأميركي، الذي أبدى حذراً متزايداً بعد مكالمة هاتفية أجراها يوم الخميس، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال ترمب خلال اللقاء إن نقل مثل هذه الأسلحة الآن قد يعرّض المخزون الأميركي للخطر ويزيد احتمالات التصعيد العسكري، مضيفاً أن الحل يجب أن يكون “دبلوماسياً بالدرجة الأولى”. هذا الموقف جاء منسجماً مع خطه السياسي القائم على تفضيل المفاوضات المباشرة مع موسكو، حيث أعلن عزمه على عقد قمة مع بوتين في بودابست خلال الأسابيع المقبلة.

بالنسبة إلى زيلينسكي، الذي دخل البيت الأبيض آملاً في انتزاع التزام واضح، جاءت النتائج دون التوقعات. فبينما حاول إظهار نبرة تفاؤل علنية بعد الاجتماع، أكدت مصادر مطلعة أن كييف لم تحصل على أي ضمانات ملموسة بشأن التسليح. وتشير تقارير إلى أن زيلينسكي عرض مقايضة إنتاج طائرات مسيّرة أوكرانية بصواريخ "توماهوك"، في إشارة إلى محاولاته المتزايدة للبحث عن صيغ مبتكرة لإقناع واشنطن بتوسيع دعمها العسكري. ومع ذلك، بقيت المحصلة النهائية غياب أي قرارات عملية.

على المستوى الإستراتيجي، يمثّل هذا الموقف الأميركي فرصة دبلوماسية لموسكو، التي حذّرت مراراً من تجاوز "الخطوط الحمراء" بتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية بعيدة المدى. وبامتناعه المؤقت عن تزويد كييف بتلك الصواريخ، يمنح ترمب روسيا فسحة تفاوضية قد تستثمرها لتثبيت مكاسبها الميدانية، في مقابل وعود بانفتاح سياسي. لكنّ هذه الخطوة، في المقابل، تُضعف الموقف التفاوضي لأوكرانيا التي تعتمد بشكل كبير على الغطاء العسكري والمالي الغربي.

كما يثير الاجتماع تساؤلات حول تماسك الموقف الغربي. فبينما تميل واشنطن إلى الحذر، قد تدفع بعض الدول الأوروبية نحو تسريع تزويد كييف بأنظمة تسليح بديلة، في حين قد تفضّل دول أخرى الانتظار ريثما تتضح ملامح الموقف الأميركي. ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا التباين إلى تصدع تدريجي في جبهة الدعم الغربي إذا لم تُحدّد واشنطن إستراتيجية واضحة في المرحلة المقبلة.

وفي الأسابيع القادمة، ستتجه الأنظار إلى قمة بودابست المرتقبة وما إذا كانت ستفتح مساراً تفاوضياً جديداً بين واشنطن وموسكو، وإلى ردّ الكونغرس الأميركي الذي قد يسعى لتقييد يد الإدارة عبر تشريعات تفرض مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا. كما سيُراقَب عن كثب كيف ستتكيف كييف ميدانياً مع هذا الواقع، سواء عبر تطوير قدراتها الذاتية أو من خلال صفقات بديلة مع حلفائها الأوروبيين.

لم يكن لقاء ترمب وزيلينسكي اختراقاً في مسار الحرب، لكنه شكّل لحظة كاشفة لاتجاهات السياسة الأميركية المقبلة: بين منطق "الدبلوماسية أولاً" الذي يفضّله ترمب، وحاجة أوكرانيا إلى أدوات ردع حقيقية تُمكّنها من الصمود. وفي هذا التوازن الصعب بين الحرب والسلام، يبدو أن مصير الدعم الأميركي لكييف ما زال رهينة حسابات البيت الأبيض ورغبة ترمب في أن يكون صانع التسوية لا راعي التصعيد.