الرئيس عباس: صوت فلسطين الصامد بين الشرعية الدولية والسلام والإصلاح الوطني

د. سليمان جرادات : رئيس الهيئة الفلسطينية لحملة الدكتوراة في الوظيفة العمومية

أكتوبر 16, 2025 - 15:00
الرئيس عباس: صوت فلسطين الصامد بين الشرعية الدولية والسلام والإصلاح الوطني

الرئيس عباس: صوت فلسطين الصامد بين الشرعية الدولية والسلام والإصلاح الوطني

د. سليمان جرادات

رئيس الهيئة الفلسطينية لحملة الدكتوراة في الوظيفة العمومية

منذ توليه رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2005، واجه الرئيس محمود عباس واقعًا سياسيًا معقدًا تتقاطع فيه ضغوط الاحتلال مع الانقسام الداخلي والتحولات الإقليمية والدولية. وبرغم هذه التحديات، ظلّ ثابتًا على خيار الشرعية الدولية طريقًا وحيدًا لتحقيق السلام العادل، مؤمنًا بأن القانون الدولي هو سلاح الشعوب الحرة في مواجهة منطق القوة، وأن العدالة هي أساس النصر مهما طال الزمن.

منذ البداية، رفض الرئيس عباس كل المشاريع التي تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني أو تتجاوز قرارات الأمم المتحدة ، وتمسك بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مؤكدًا أن لا سلام دون القدس ولا أمن دون عدالة. في كل المحافل الدولية كان صوته واضحًا: لا تسوية تُفرض بالقوة، ولا شرعية لاحتلالٍ يقوّض القانون الدولي.

وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر، ولا سيما الحرب الأخيرة على قطاع غزة، عبّر الرئيس عباس عن موقف وطني وإنساني حازم. أدان العدوان بوضوح، واعتبره جريمة ضد الإنسانية تستهدف الوجود الفلسطيني لا الأمن الإسرائيلي. تحرك على المستويين العربي والدولي داعيا لوقف الحرب وفتح الممرات الإنسانية وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني. وفي قمة شرم الشيخ الأخيرة، مثل الرئيس عباس صوت فلسطين الثابت، مؤكدًا أمام القادة العرب والعالم أن السلام لا يبنى على أنقاض المدن ولا على حساب كرامة الإنسان، بل على العدالة والاعتراف بالحقوق المشروعة.

وفي الوقت نفسه، لم يغفل الرئيس عباس عن الداخل الفلسطيني، مدركا أن صلابة الموقف الخارجي تبدأ من متانة الجبهة الداخلية، لذلك أطلق مسارًا إصلاحيًا يهدف إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس من الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد، ودعم الحكومة في تنفيذ إصلاحات إدارية ومالية لتلبية حاجات المواطنين في ظل الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني من حصار مالي واقتصادي ، وتطوير الخدمات، وتفعيل الرقابة، معتبرًا أن الإصلاح ليس ترفًا سياسيًا بل ضرورة وطنية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني وتعزيز الثقة بين الشعب ومؤسساته.

أن جهود الرئيس عباس الحثيثة تتواصل بدعواته المتكررة لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية، مؤكدًا أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأن الحوار هو الطريق الوحيد لإنهاء الانقسام الذي لا يخدم سوى الاحتلال، حيث يرى أن قوة فلسطين السياسية تنبع من وحدتها الداخلية، وأن المشروع الوطني لا يكتمل إلا بتوحيد الصفوف وتجاوز الحسابات الفئوية والحزبية والجهوية.

خلال فترة النضالية والقيادية والرئاسية حافظ الرئيس عباس على الثوابت الوطنية في وجه الضغوط السياسية والمالية، فرفض “صفقة القرن” وكل المشاريع التي تحاول شطب القدس أو حق العودة او الالتفاق على الحقوق الفلسطينية وأثبت أن السيادة ليست منحة بل حق تاريخي أصيل وبينما تراجع كثيرون أمام التهديدات أو الإغراءات، ظل ثابتًا على موقفه، رافضًا التنازل أو المساومة على الحقوق والثوابت الوطنية.

وأخيرا إذا كانت القيادة تقاس بقدرتها على الجمع بين الثبات والمرونة، فإن الرئيس عباس جسد هذا المعنى في سلوكه السياسي؛ فهو رجل يؤمن بالعقل لا بالعنف، وبالمفاوضة على أساس الحق لا على قاعدة القوة جمع بين الهدوء والحكمة، وبين الصبر والإصرار، محافظًا على حضور فلسطين في المحافل الدولية كدولة تسعى إلى السلام العادل لا كطرف نزاع عابر.

إن تجربة الرئيس محمود عباس تعبّر عن مدرسة في القيادة تُوازن بين المبدأ والواقعية، وتربط بين السياسة والإصلاح، وبين الدفاع عن الأرض وصون كرامة الإنسان. وفي زمن تزداد فيه العواصف السياسية والإنسانية، يبقى عباس صوت فلسطين الصامد، يذكّر العالم بأن العدالة هي طريق السلام، وأن الشرعية الدولية – مهما ضعف صداها – ستظل البوصلة الأخلاقية لشعبٍ ما زال يؤمن بأن الحرية حق لا يسقط بالتقادم.