صفحات من تاريخنا المجيد.. عمر بن الخطاب ومحاسبة الولاة

عطية الجبارين
رغم الواقع المزري الذي نعيشه وانقلاب المفاهيم سلبياً في حياتنا وتبدل الوقائع والأمور صوب الدرك الأسفل في العيش تبقى صفحات تاريخنا الناصعة المجيدة مؤنساً لنا في حلكة هذا الظلام الدامس وتبقى عيوننا وقلوبنا ترنوا لذلك اليوم الذي تعود فيه أمتنا لعيشها الكريم العظيم الذي فيه المفخرة والعزة بين الأمم قاطبة. فتاريخنا حتماً وقطعاً سيعيد نفسه في الجانب المشرق وهذا وعد صدق غير مكذوب . وفي حالنا المأساوي هذا يستذكر المرء جوانب وزوايا ناصعة الإشراق من هذا التاريخ الذي هو مفخرة لنا بين الأمم. ومن هذه الصفحات التي تُكتب بمداد من ذهب مراقبة ومحاسبة الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه للولاة والعمال وموظفي الدولة في الجانب المالي والتكسب، فكان رضي الله عنه يحصي أموال الولاة والعمال قبل أن يولِّيهم وبعد توليتهم، فإن وجد عندهم مالاً زائداً أو أي تكسب فيه شبهة صادر هذه الأموال أو قسما منها ووضعها في بيت مال المسلمين. ولم يفرق عمر بين أحد من الناس في ذلك مهما كان نسبه ومكانته، إذ محور الأمر عنده أمة يجب أن يرعاها بالعدل والتقوى.
وفي ذلك يستحضر المرء هذه الحادثة الناصعة في تاريخنا والتي تدلل على عظم قادتنا، وحاجتنا اليوم لمثلهم ، فقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال:
بعث معاوية إلى عمر بن الخطاب وقد عيَّنه عمر بن الخطاب على ولاية الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان بطاعون عمواس، بمالٍ وقيدٍ ( كَلَبشات). حيث كتب معاويةُ إلى أبيه أبي سفيان أن يُعطيَ المال والقيد إلى أمير المؤمنين عمر، وكتب إلى عمر رسالةً يقول فيها:
"إني وجدت في حصون الروم جماعةً من أسرى المسلمين مقيدين بقيود من حديد، أنفذت منها هذا ليراهُ أمير المؤمنين" وكانت العرب قبل ذلك تقيد بالقيد (الحَبل).
فخرج رسول معاوية من دمشق حتى قدم على أبي سفيان في المدينة المنورة بالمال والأدهم (القيد).
قال: فذهب أبو سفيان بالأدهم والكتاب إلى عمر واحتبس المال لنفسه. فلما قرأ عمر الكتاب،
قال: فأين المال يا أبا سفيان ؟ قال : كان علينا دين ومعونة، ولنا في بيت المال حق، فإذا أخرجتَ لنا شيئاً فما قاصصتنا به.
فقال عمر: أطرحوه في الأدهم حتى يأتي بالمال. فقيَّدوه بأساوِر الحديد التي أرسلها ابنه.
قال : فأرسل أبو سفيان من أتاه بالمال. فأمر عمر بإطلاقه من الأدهم.
قال : فلما قدم الرَّسول على معاوية
سأله معاوية : رأيتَ أمير المؤمنين أُعجب بالأدهم؟
فأجاب الرسول: نعم، وطرح فيه أباك.
قال: ولم؟
قال: جاءه بالأدهم وحبس المال،
قال: إي والله، والخطاب (والد عمر) لو كان لطرحه فيه!.
إن الأمة وهي تصطلي اليوم على جمر الظلم والتمييز والقهر بأمسّ الحاجة لمن يرعاها بالعدل والتقوى فيزيل عنها غيوم الظلم وسُحب العذاب. صحيح، أن الأمة على موعد لتبدّل الحال من الذل والقهر للعزة وطيب العيش، لكن هذا الوعد بحاجة لهمة الأمة أن تتخذ طريق العمل والاستقامة لتبلغ ذروة مجدها وتعيد رسم خارطة حياتها في القمة بين الأمم وفي العلياء على هذه الأرض.