الفلسطينيون وحق تقرير المصير في وجه الهيمنة الأمريكية

أغسطس 3, 2025 - 08:59
الفلسطينيون وحق تقرير المصير في وجه الهيمنة الأمريكية

بهاء رحال

لم يكن الأمرُ غريبًا، أمريكا ترفضُ وتُعارضُ وتُعاندُ رغبةَ الدولِ التي أعلنت عزمَها الاعترافَ بالدولةِ الفلسطينيةِ في أيلولَ القادم، وقد ذهبت في معارضتِها إلى أبعدَ من ذلك، حيثُ لوّحت بعقوباتٍ شديدة وفرضِ قيودٍ على التبادلِ التجاري والاقتصادي، وهدّدت دول وحكومات، وتوعّدت بمعاقبةِ السلطةِ وبعضِ قياداتِها، ومرة أخرى تكشف أمريكا عن وجهها القبيح، عبر تصريحات علنية ساقها ترامب ومستشاريه، وهذه التصريحاتُ والتهديداتُ جاءت على خلفيّةِ المؤتمرِ الدوليّ الذي عُقد في نيويورك، بدعوةٍ من المملكةِ العربيّةِ السعوديّة وفرنسا، فكان تظاهرةً أُمميّةً داعمةً للحقوقِ الفلسطينيّة، ومندّدةً بالاحتلالِ وسياساتِ التطهيرِ العرقيِّ والإبادةِ الجماعيّةِ والاستيطانِ والتهويد.

أمريكا كعادتها تُغرّدُ خارجَ الميثاقِ الأُمميّ وخارجَ حقوقِ الشعوبِ في تقريرِ مصيرِها، خاصّةً عندما يتعلّقُ الأمرُ بحقِّ الفلسطينيين في أرضِهم ووطنِهم على قاعدةِ القراراتِ الدوليّة، فسرعانَ ما تُعلنُ رفضَها، وسرعانَ ما تُهدّدُ وتتوَعّدُ كلَّ الذين يُعارضون استمرارَ الاحتلال، بل وتذهبُ أبعدَ من ذلك في الضغطِ والرفضِ وتُلوّحُ بالفيتو الأمريكيِّ المُهيمن، وهذه أمريكا المشهود لها بالانحياز التام والعداء لحقوق شعبنا العادلة.

لقد أَثْمَرَ المؤتمر الدوليّ عن إعلاناتٍ هامّةٍ من قِبَل الدولِ التي أعلنت عزمَها الاعترافَ بدولة فلسطين، من قِبَل دولٍ كبيرةٍ ووازنة، وهذا شكَّل انتصارًا للحقِّ في وجهِ الباطل، ودعمًا للعدالةِ في مواجهة التطرّف العنصريِّ والإرهاب. كما شكَّل المؤتمر، بمجموعِ مرافعاتِ الدول، محاكمةً للاحتلال وجرائِمِه التي يرتكبُها بحقِّ الشعبِ الفلسطيني، الأمرُ الذي دفعَ الاحتلال ليلجأ إلى حِضنِ أمريكا الداعمةِ والمؤيّدةِ والمسانِدة. ومثلما كان متوقَّعًا، فإنّ ترامب وإدارتَه سارعوا لرفضِ المؤتمر، والتهديد بفرضِ عقوباتٍ مباشرةٍ على الدول، بذاتِ الطريقةِ الرعناء الحمقاء، وبنفس الأسلوب المعروفِ عن الرئيس الأمريكي.

الجهدُ السعوديّ الفرنسيّ الذي بُذل لإنجاحِ عقدِ المؤتمر في ظلِّ معارضةٍ وتهديد أمريكا وإسرائيل، أسّس لانطلاقةٍ حقيقيةٍ دوليةٍ جامعةٍ نحوَ الاعتراف بحقِّ تقريرِ المصيرِ للشعبِ الفلسطينيِّ التوّاقِ إلى الحريّةِ والاستقلالِ والانعتاقِ من الاحتلالِ والقهرِ والعبوديةِ والقتلِ والحصارِ والخراب، وأنَّ معارضةَ أمريكا واستمرارَ رفضها يُشكّلان وصمةَ عارٍ على جبينها. عارٌ سيبقى يُطارِدها لعقود، وستلعنُ الأجيالُ القادمةُ هذه السياساتِ، وستخجلُ من هذه المواقفِ التي هي ضدّ الإنسانيّةِ، وضدّ حقوقِ الإنسانِ وحقوقِ الشعوبِ، وضدّ الحريّةِ والاستقلال.

مرافعة أممَّية هامة في مرحلة حساسة جدًا، حيث الاحتلال ماضٍ في حرب الإبادة والتطهير العرقي، وعمليات شطب القضية الفلسطينية، بكل الطرق والوسائل، ليكون هذا المؤتمر الدولي، بارقة أمل، وهو ينتصر للحق وللحقوق المشروعة لشعبنا التواق للحرية والاستقلال.