شعب بلا قوت... وحكومة بلا خطة

بهاء رحال
فشلت حكومة الدكتور محمد مصطفى، أو أُفشِلت بفعل الحصار والحرب والقيود والعراقيل التي وضعها الاحتلال. وليس غريبًا على الاحتلال المجرم، الذي يواصل حرب الإبادة في غزة، أن يضع العراقيل أمام الحكومة الفلسطينية، إلا أن الفشل هنا يكمن في عدم وضع خطط كافية وقادرة على مواجهة عراقيل الاحتلال، فبات المشهد وكأنه استجداء لسموتريتش ليفرج عن أموالنا التي قرر قرصنتها، وعدم تحويلها إلى الخزينة الفلسطينية، الأمر الذي أوصل المجتمع الفلسطيني إلى حدّ الإفقار، حتى بات لا يمتلك قوت يومه، وفي الوقت نفسه، فإن الحكومة فشلت في دفع ولو جزء من المستحقات والرواتب، وطالبت المواطن بالإيفاء بكل ما يترتب عليه من التزامات، ما جعل المواطن يعيش في حالة ضياع، بلا حقوق، كما جعله عرضة للابتزاز، وهاربًا من صاحب البقالة، وصاحب الدكان، ومن شركة المياه والكهرباء والهاتف، ومن الصيدلية والبلدية وغيرها.
وفي الوقت الذي تتقاعس فيه الحكومة عن دفع نسبة من الراتب - كما كان سائدًا في السنوات الأربع الأخيرة - فإنها تفتح المحاكم ليحاكم القضاة الناس على عجزهم عن سداد ديونهم المالية، بينما لا أحد يأخذ بيد المواطن الذي له مستحقات تُعادل أضعاف ما عليه من التزامات. إنها معادلة يصعب تفكيكها، وفشلٌ متراكم، ليس ذنب هذه الحكومة وحدها، بل ذنب حكومات متعاقبة لم تخلع عن كاهل شعبنا اتفاقية باريس، ولم تضع رؤية لإدارة المال العام، ولم تضع لبنة البناء الاقتصادي السليم، وقد أسفر ذلك عن النتيجة التي نراها هذه الأيام، حيث بات مصير الفلسطيني معلقًا بين سندان القتل، والإبادة، والتجويع، والفقر، ومطرقة الإهمال، فلا الحكومة قادرة على حماية الناس، وتوفير قوت يومهم، ولا الأفق يبدو واعدًا بحلول قريبة، فقد تراكمت الأزمات وتداخلت، حتى أصبحت السياسة والاقتصاد والحياة اليومية كلها خاضعة لمنطق العجز والتبرير والمناشدة، وهكذا، تحوّل المواطن إلى الحلقة الأضعف في معادلة مختلّة، يدفع فيها وحده ثمن الاحتلال وسوء الإدارة معًا، في وقتٍ لم تعد فيه الشعارات تكفي، ولا البيانات تطعم جائعًا أو تداوي مريضًا.
صحيح أنه لا يمكن تحميل الحكومة الحالية مسؤولية الانهيار الكامل في المشهد الفلسطيني، لكن لا يمكن أيضًا إعفاؤها من واجب المبادرة والجرأة في اتخاذ قرارات تنقذ ما تبقى. فالفقر المتفشي، والانهيار الاقتصادي، وحرب الإبادة وحرب المستوطنين، وفقدان الأمل، ليست مجرد أرقام في تقارير، بل واقع مرير يعيشه الناس كل يوم، والمطلوب اليوم ليس التبرير ولا التذرع بالعقبات، بل الخروج من دائرة العجز إلى مساحات الفعل والعمل، وإعادة بناء العلاقة بين المواطن ومؤسساته على قاعدة الحقوق لا الوعود، والمسؤولية لا الإنكار، فالفلسطيني الذي يصمد في وجه الاحتلال، يستحق أن يصمد نظامه السياسي والاقتصادي، وأن يكون أقوى من خطط حكومة الاحتلال ومن قرارات سموتيرتش.