اتفاق إسرائيل وإيران.. غزة خارج "الساحات" والحسابات

مع انتهاء حرب الإثني عشر يوماً العسكرية "الخشنة" بين إسرائيل وإيران، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن اتفاق لوقف إطلاق النار كخطوة ضرورية لتجميد المواجهة، دون أن يُحدث اختراقاً جوهرياً في مسار الصراع، الذي لا يزال قائماً بين طرفي المواجهة، فيما تبز قضية الحرب على قطاع غزة مستثناة من الاتفاق، ولا يزال القطاع المكلوم يُذبح بآلة البطش الإسرائيلية.
ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة مع "ے" أن الاتفاق، الذي جاء بإعلان من ترمب، مَثّل محاولة لإعادة ترتيب الأولويات لدى الطرفين، بعد أيام من القصف المتبادل والضربات المركزة، لكن غياب غزة عن هذا الاتفاق، حيث غياب أي إشارات تربط إنهاء الحرب في القطاع بمخرجاته، كشف محدودية الطابع الشامل لهذا التفاهم، خاصة أن الحرب على إيران كانت من ارتدادات السابع من أكتوبر 2023.
ويرى الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أنه رغم احتفاء واشنطن والإعلام الإسرائيلي بالاتفاق، فإنه لا يُعد تسوية كاملة بقدر ما هو "تهدئة مؤقتة"، فرضتها اعتبارات سياسية داخلية وخارجية لكل طرف، فإسرائيل رأت في الضربة الأمريكة على منشآت نووية إيرانية وسيلة لتصوير انتصار عسكري دون التورط في حرب استنزاف، فيما استفادت إيران من الفرصة لتقليل الخسائر، والحفاظ على تماسك نظامها السياسي، مع تجنب صدام مباشر قد يؤدي لانهيار داخلي في ظل حصار اقتصادي مزمن.
غير أن اللافت في هذه التطورات، بحسب الكتاب والمحللين والمختصين وأساتذة الجامعات، هو استثناء غزة من أي ترتيب أو ضمانة في الاتفاق، رغم كونها أحد الأسباب التي فجّرت الصراع الإقليمي الأوسع، ورغم أن طهران دافعت سابقاً عن دورها في "محور المقاومة"، فإن مؤشرات عدة أوضحت أن أولويتها كانت حماية برنامجها النووي وصد الهجمات الأمريكة والإسرائيلية على أراضيها.
وفي المقابل، يشيرون إلى أن إسرائيل تجاهلت ربط الملف الغزّي بالمفاوضات الإيرانية- الإسرائيلية، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل القطاع، الذي بدا حاضراً في الخلفية، لكنه غائب رسمياً عن بنود وقف النار، في وقت تتكثف فيه المساعي الأمريكة لفرض تسوية قسرية منفصلة على غزة بعيداً عن طهران.
حاجة الأطراف الثلاثة إلى مخارج سياسية
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، د. قصي حامد، أن المواجهة العسكرية "الخشنة" بين إيران وإسرائيل قد انتهت، لتفسح المجال أمام صراع "ناعم" دبلوماسي وسياسي أكثر شراسة، يستند إلى قواعد جديدة تختلف عما كانت عليه قبل الحرب.
ويوضح حامد أن الأطراف الثلاثة الرئيسية –إيران والولايات المتحدة وإسرائيل– كانت بحاجة إلى مخارج سياسية لإنهاء التصعيد العسكري، بعد أن وصلت الحرب إلى ذروتها، وهو ما تحقق مع ادعاء كل منهم أنه المنتصر بالحرب.
ويشير حامد إلى أن الولايات المتحدة، التي تجنبت التورط في مواجهة شاملة كما أملت إسرائيل، سعت إلى تحقيق توازن يحفظ مصالحها مع تلبية بعض مطالب إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، كما روجت واشنطن لفكرة أنها نجحت في "إنهاء" هذا الملف.
وبحسب حامد، فقد وجدت إسرائيل في الضربة الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية مخرجاً يتيح لها الادعاء بتحقيق هدفين رئيسيين: إضعاف القدرة الصاروخية الإيرانية واستهداف البرنامج النووي مباشرة، ما جنّبها حرب استنزاف طويلة الأمد.
أما إيران، حسب حامد، فقد كانت بحاجة ماسة للخروج من الحرب بأقل الخسائر، خاصة على صعيد النظام السياسي والملف النووي، واختارت طهران الرد على الضربة الأمريكية بطريقة تحفظ ماء الوجه أمام جمهورها، مع إيصال رسالة سياسية للولايات المتحدة بأنها جاهزة للتصدي لأي اعتداء، دون أن يؤدي ردّها إلى تصعيد شامل.
ويرى حامد أن إيران قد تتجاوز عن الرد على الضربة الإسرائيلية الأخيرة قبل الهدنة، بحثاً عن تهدئة.
وحول غزة، يوضح حامد أن إيران لم تربط الصراع مع إسرائيل بقضية غزة بشكل مباشر، نظراً لتأثرها بضربات قاسية كشفت نقاط ضعفها القيادية والعسكرية.
ويؤكد حامد أن إيران ركزت على حماية نظامها السياسي والملف النووي، بدلاً من ربط مصير غزة بالحرب.
ويتوقع حامد استمرار الضغط السياسي على إيران لتغيير نظامها من الداخل كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لإسرائيل والولايات المتحدة.
غزة رغم غيابها ستكون حاضرة في المفاوضات
ومع ذلك، يعتقد حامد أن غزة تبقى "الحاضر الغائب" في هذا الصراع، حيث كانت أحد المسببات الرئيسية لاندلاعه.
ويتوقع حامد أن تشهد المرحلة المقبلة حراكاً سياسياً مكثفاً بضغط أمريكي على إسرائيل وحركة حماس لإنهاء الحرب في غزة.
ويعتقد حامد أن غزة، رغم غيابها عن المشهد، ستكون حاضرة بقوة في المفاوضات السياسية.
ويرى حامد أن هناك محاولات لإنهاء ملف غزة لإعادة إثارة قضايا التطبيع مع الدول العربية.
مرحلة جديدة تتسم بـ"نظام الخروقات"
يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن الحرب التقليدية بين إيران وإسرائيل، التي استمرت 12 يوماً، قد انتهت، لكنها لن تؤدي إلى وقف شامل للصراع.
وبدلاً من ذلك، يتوقع بشارات انتقال الصراع إلى مرحلة جديدة تتسم بـ"نظام الخروقات"، حيث ستسعى إسرائيل إلى تعزيز معادلة ردع من خلال عمليات محدودة تثبت قدرتها على تنفيذ تهديداتها ضمن معركة ظل" متوقعة.
ويرى بشارات أن رغم انتهاء المواجهة العسكرية المباشرة، فإن إسرائيل تعتقد أنها أحدثت اهتزازاً في النظام السياسي الإيراني، ما سيُحفزها على مواصلة جهودها الاستخباراتية داخل إيران عبر عملاء الموساد ونشاطات غير مباشرة، بهدف البناء على ما تحقق خلال الحرب.
ويشير إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد حرباً سياسية ودبلوماسية مكثفة لتثبيت قواعد جديدة في العلاقات بين إيران وإسرائيل، وبين إيران والولايات المتحدة، مع بقاء إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من هذه المعادلة.
ارتباك وعدم استقرار مصحوبان بضغوط وتهديدات
ويتوقع بشارات أن تتخلل هذه المرحلة حالة من الارتباك وعدم الاستقرار، مصحوبة بضغوط وتهديدات، وربما ضربات محدودة أو موازية، مما يبقي التوتر قائماً.
وحول رد إيران على الضربة الإسرائيلية الأخيرة مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ، يؤكد بشارات أن طهران وإسرائيل قد تلجآن إلى أسلوب "مواجهة الظل"، كما فعلت بإطلاق صواريخ بعد ساعات من سريان وقف إطلاق النار دون الإعلان الرسمي عن مسؤوليتهما، على غرار النهج الإسرائيلي في عمليات الاغتيال.
ويوضح بشارات أن هذه المواجهات غير المباشرة ستكون مساحة لكلا الطرفين لتعويض أهداف لم تتحقق، حيث فشلت إسرائيل في القضاء التام على القدرات العسكرية والنووية الإيرانية، فيما تسعى إيران لتثبيت معادلة ردع خاصة بها.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، يؤكد بشارات أن إسرائيل نجحت في تفكيك وحدة "محور المقاومة"، كما يتضح من الاتفاقيات المنفصلة مع لبنان وحزب الله وإيران، مع تأثير محدود للجبهة اليمنية.
ويتوقع بشارات أن تشهد غزة مرحلة حاسمة عبر سيناريوهين: الأول، اتفاق أمريكي يضغط على المقاومة الفلسطينية لقبول تسوية شبيهة باتفاق لبنان، دون انسحاب إسرائيلي كامل، مع استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على القطاع، والثاني، طرح أمريكي-إسرائيلي يقضي بتولي دول عربية وإقليمية إدارة غزة إنسانياً، كمدخل لإعادة تشكيل مستقبل القطاع.
ويؤكد بشارات أن غزة ستعود إلى صدارة الاهتمام السياسي، مع جهود مكثفة لتحديد مصيرها بناءً على التطورات الإقليمية والدولية، في ظل ضغوط أمريكية وإقليمية لإنهاء الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023.
ويرى بشارات أن المرحلة المقبلة ستشهد تركيزاً متزايداً على غزة، حيث ستكون تحت "البوصلة السياسية" لرسم مستقبلها، سواء عبر تسويات سياسية أو إعادة هيكلة إنسانية بمشاركة أطراف إقليمية.
اتفاق غير ناضج ومرهون بعوامل متعددة
يرى الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يبقى هشاً وغير ناضج، مرهوناً بعوامل متعددة، أبرزها رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الظهور كـ"المايسترو" الذي أنهى الحرب، مستعرضاً إنجازاً سياسياً يعزز صورته كقائد يسيطر على الأرض.
ويوضح عنبتاوي أن الاتفاق جاء وسط استمرار الاشتباكات والضربات الإسرائيلية على إيران، دون حل جميع القضايا العالقة، مما أدى إلى خروقات مباشرة عقب الإعلان عنه.
ويشير عنبتاوي إلى أن إسرائيل واجهت معضلة داخلية معقدة خلال الحرب، فمن جهة، تلقت ضربات إيرانية قوية، كان آخرها قصف قوي صباح يوم الاتفاق، أظهر قدرة إيران العسكرية واستمراريتها، ما دفع إسرائيل إلى الاعتراف ضمنياً بقوة طهران، ومن جهة أخرى، فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة بإسقاط النظام الإيراني أو إنهاء الملف النووي بالكامل، إضافة إلى إضعاف القوة العسكرية الإيرانية.
ويؤكد عنبتاوي أن إسرائيل، التي لا ترغب في حرب استنزاف طويلة الأمد، عانت اقتصادياً واجتماعياً خلال الحرب، حيث شُلت الحركة التجارية والمطارات، وتوقفت عجلة الاقتصاد شبه كلياً، مع خسائر كبيرة للجيش والجبهة الداخلية، لذا، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تصوير الاتفاق كانتصار، مدعياً تحقيق السيطرة الجوية الكاملة، وإلحاق ضرر بالملف النووي الإيراني، واستدراج الولايات المتحدة إلى الحرب.
في المقابل، يوضح عنبتاوي أن إيران، التي أُقحمت في الحرب رغماً عنها، ترى في الاتفاق مخرجاً يجنبها تصعيداً شاملاً، مع احتفاظها بالقدرة على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد دون تأثير كبير على داخلها.
خروقات الاتفاق متوقعة
ومع ذلك، يحذر عنبتاوي من أن خروقات الاتفاق متوقعة، حيث قد يلجأ نتنياهو إلى التصعيد للهروب من الضغوط الداخلية، بينما تؤكد إيران حقها في الرد على أي اعتداء.
أما بشأن غزة، فيؤكد عنبتاوي أن إدراجها ضمن الاتفاق لم يكن ممكناً، نظراً لاستمرار إسرائيل في استهداف القطاع ولعدم قدرة إيران على فرض وقف الحرب كشرط.
ورغم الأمل في إنهاء الحروب الإسرائيلية بالمنطقة، يرى عنبتاوي أن ملف غزة سيشهد نقاشاً مكثفاً في المرحلة المقبلة، مع مقترحات لحل الأزمة، لكن إسرائيل ترفض ربط هذا الملف بالصراع مع إيران، معتبرة غزة معركتها الخاصة التي لن تقدم فيها تنازلات.
استبعاد خيار الحرب الشاملة لم يكن مفاجئاً
تؤكد الأكاديمية والمحللة السياسية المصرية د. إيريني سعيد، أن استبعاد خيار الحرب الشاملة بين إسرائيل وإيران لم يكن مفاجئاً، بل كان متوقعاً في ظل المعطيات السياسية الإقليمية والدولية، مشيرة إلى أن وقف التصعيد يصب في مصلحة جميع الأطراف.
وتوضح سعيد أن الرئيس الأمريك دونالد ترمب، الذي أعلن اتفاق وقف إطلاق النار، لا يزال يضع في اعتباره التوازنات الداخلية في الولايات المتحدة، لا سيما صعود التيارات الليبرالية التي بدأت تعارض الدعم غير المشروط لإسرائيل، وهو ما فرض عليه إعادة حساباته السياسية.
وتشير سعيد إلى أن إيران، من جانبها، ترى في العودة إلى برنامجها النووي دافعاً للتهدئة وركيزة لاستئناف التفاوض السياسي، بدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية واسعة قد تُجهض هذا الطموح.
وحول تجدد بعض الهجمات بعد إعلان ترمب عن الهدنة، توضح سعيد أن مثل هذه الهجمات تُعدّ بمثابة "توابع" معتادة، تلجأ إليها الدول بعد توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار، بهدف إيصال رسائل سياسية تشير إلى أن قبولها بالهدنة لم يكن عن قناعة كاملة، وإنما جاء نتيجة لضغوط دبلوماسية أو سياسية وليست عسكرية.
المرحلة المقبلة قد تشهد تغيّراً نوعياً
وفيما يخص العلاقات الأمريكة الإسرائيلية، تلفت سعيد إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تغيراً نوعياً، خاصة في ظل تزايد الانتقادات داخل المؤسسات الأمريكة للسياسات الإسرائيلية، مؤكدة أن الدعم الأمريك لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يعد أمراً محسوماً، في ظل تمرده المستمر، وتزايد القناعة داخل واشنطن بأن استمرار هذا الدعم بات أكثر كلفة من المكاسب الاستراتيجية المتوقعة منه.
من جانب آخر، تشير سعيد إلى أن معادلة السلام التي تحدث عنها ترمب يجب أن تشمل وقف إطلاق النار في غزة، باعتبارها طرفاً أساسياً لا يمكن تجاهله، مشددة على أهمية الدور الإيراني والخليجي والمصري، وخاصة القاهرة التي لا تزال تضع إنهاء الحرب في غزة على رأس أولوياتها السياسية.
وقف النار لا يعني بالضرورة انتهاء التصعيد
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سري سمور أن إعلان الرئيس الأمريك دونالد ترمب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لا يعني بالضرورة انتهاء التصعيد، واصفاً الاتفاق بأنه "هش وخاضع للاختبار"، إذ إن الطرفين غير معنيين حالياً بالتصعيد، "لكل طرف ما يمكن أن يقدمه كنجاح وتقليل خسارة".
ويوضح سمور أن كلاً من إيران وإسرائيل أعلنا انتصارهما، إلا أنه "من الناحية الاستراتيجية، فإن إيران كسبت هذه الجولة"، مشيراً إلى أن الضربة الأخيرة من طهران تشكّل بُعداً استراتيجياً مهماً.
ويقول سمور: "إذا هاجمت إسرائيل إيران ولم ترد طهران، فإنها تكون قد سمحت باستباحة أراضيها، وتصبح في موقع يشبه لبنان أو سوريا، لكن إيران تدرك هذا جيداً، ولا يمكن لها أن تمرر أي اعتداء إسرائيلي معلن من دون رد، ولو كان رمزياً، حفاظاً على هيبتها كدولة إقليمية".
وحول ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار يشمل قطاع غزة، يشير سمور إلى أن "إيران دخلت الحرب باعتبارها دولة تم الاعتداء عليها ضمن سياق برنامجها النووي السلمي، وليست ممثلة عن أي تنظيم أو فصيل فلسطيني"، لافتاً إلى أن "الربط بين الملفات صحيح من حيث الخلفية، لكن العرب اعتادوا التفاوض بشكل منفصل على كل قضية، وهو ما تم ترسيخه منذ عقود".
ويبيّن سمور أن موضوع غزة "لا يمكن أن يكون حاضراً بشكل نصي في الاتفاق، لكنه من غير المستبعد وجود تفاهمات شفوية أو ضمنية، وهو ما قد يتضح لاحقاً"، مؤكداً أن "أي انتصار لإسرائيل هو خسارة لغزة والعكس صحيح".
ويشير سمور إلى أن الحرب الأخيرة أتاحت لإسرائيل تغطية إعلامية على "المقتلة الجارية في غزة"، معتبراً أن من إيجابيات وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل عودة التركيز الدولي على ما يجري في القطاع.
ويؤكد سمور أن "إيران لم تقل إنها دخلت الحرب لأجل غزة، بل رداً على اعتداء مباشر عليها كدولة"، مشدداً على أنه "لا يصح القول إن إيران باعت غزة، فالصراع معقد، وكل طرف يقدم جهده ضمن قدراته ومصالحه".
قدرة إيران على المناورة والتماسك
يؤكد أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الخليل د. سعيد شاهين أن إيران اختتمت الجولة الأخيرة من التصعيد العسكري مع إسرائيل والولايات المتحدة بطريقتها الخاصة، من خلال توجيه ضربة منسقة مع قطر وواشنطن استهدفت قاعدة العديد الأمريكية، في رد يحفظ ماء وجه طهران أمام جمهورها، علاوة على ست ضربات تجاه إسرائيل قبل بدء اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الرئيس ترمب.
ويوضح شاهين أن هذا الرد يعكس قدرة إيران على المناورة والتماسك، مستندة إلى حقها في الدفاع عن نفسها بموجب القانون الدولي، حيث وجهت ست هجمات صاروخية متتالية ضد أهداف إسرائيلية على مدار ساعة ونصف قبل سريان وقف إطلاق النار.
ويشير شاهين إلى أن إيران تواجه تحديات معقدة نتيجة حصار اقتصادي وعسكري مستمر منذ عقود، إلى جانب تفوق إسرائيلي جوي مدعوم من الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
ويلفت شاهين إلى أن الأجواء الإيرانية باتت "مستباحة" بعد تحييد دفاعاتها الجوية وإضعاف قدراتها الصاروخية، التي لا تزال تشكل ورقة تفاوض رئيسية رغم اختراقات الموساد للجبهة الداخلية واستغلال عناصر داخلية.
ويؤكد شاهين أن هذه الاختراقات، التي استهدفت قيادات وعلماء ومنشآت إيرانية، عززت شعور إسرائيل بإمكانية إسقاط النظام الإيراني والقضاء على برنامجي إيران النووي والصاروخي.
ويؤكد شاهين أن غياب دعم عسكري مباشر من حلفاء مثل روسيا والصين، واكتفاءهم بالتنديد والدعوة إلى حلول دبلوماسية، يضع إيران في مواجهة منفردة ضد التفوق العسكري الإسرائيلي-الغربي.
ورغم هذه التحديات، يشدد شاهين على أن إيران نجحت في صياغة رد استراتيجي يضمن بقاءها ويؤكد مكانتها كلاعب إقليمي، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي لفرض معادلات تحترم سيادتها وحقها في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية.
ويشير إلى أن الوحدة الوطنية التي تجلت بعد العدوان دفعت النظام الإيراني لمواصلة استهداف العمق الإسرائيلي بصواريخها المتبقية، إلى جانب ضرب مصالح أمريكية في المنطقة، بما في ذلك قواعد عسكرية ومدمرات وحاملات طائرات في البحرين الأحمر والعربي، مع إمكانية إغلاق مضائق هرمز وباب المندب بالتعاون مع حلفاء مثل أنصار الله في اليمن.
ويعتقد شاهين أن رد إيران أعاد إحياء النظام في عيون الشعب الإيراني، الذي يطالب برد حاسم على العدوان الأمريكي-الإسرائيلي، مهما كانت الخسائر، مؤكداً أن هذه الخطوة عززت صمود طهران في وجه الضغوط الخارجية.
الحروب لا تُحسَم عبر تصريحات أُحادية
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح أن إعلان وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترمب لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران، موضحاً أن الحروب لا تُحسم عبر تصريحات أحادية، بل من خلال اتفاقيات رسمية تتضمن بنوداً واضحة يلتزم بها الطرفان.
ويرى الصباح أن ما جرى لا يعدو كونه هدنة مؤقتة فرضتها الضرورات السياسية والعسكرية، مشيراً إلى أن الطرفين التزما بالوقف لأسباب خاصة بهما، إلا أن هذا لا يعني نهاية الصراع، بل مجرد توقف مؤقت لإعادة التموضع والاستعداد لجولات جديدة.
ويوضح الصباح أن دوافع ترمب في هذا الإعلان تعود إلى الضغوط المتصاعدة داخل إسرائيل، حيث لم يكن بالإمكان الاستمرار تحت وطأة الصواريخ اليومية التي تضع الجمهور الإسرائيلي في حالة توتر دائم، إضافة إلى الخسائر المادية والبشرية المتزايدة والتي باتت تثقل كاهل الحكومة الإسرائيلية.
ويشير الصباح إلى أن التدخل الأمريك تم عبر ضربات عسكرية للجمهورية الإسلامية، تلتها مبادرة وقف إطلاق نار، بهدف إظهار تحقيق الأهداف المعلنة وتجنب الغرق في مستنقع حرب طويلة الأمد.
ويشدد على أن جذور الصراع ما تزال قائمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي وصفها بأنها "القضية المركزية لكل ما يجري في المنطقة"، إلى جانب حق إيران في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية وممارسة سيادتها الوطنية دون تدخل خارجي.
ويشير الصباح إلى أن أي حل سياسي لن يكون مكتملاً دون التوصل إلى تسوية شاملة تتضمن وقف العدوان على قطاع غزة، لافتاً إلى أن غزة لم تعد مجرد قضية فلسطينية أو عربية، بل باتت "قضية عالمية" تُطرح اليوم في ضمير الإنسانية جمعاء.
ويؤكد الصباح أن مصير غزة يجب أن يكون جزءاً أساسياً من أي مفاوضات قادمة، مستدلاً بعودة المفاوضات بشأنها إلى القاهرة فور إعلان الهدنة، ما يثبت ارتباطها الوثيق بالتطورات في إيران واليمن ولبنان والدور الإقليمي لإيران، حيث أنه سيظهر جلياً في المرحلة المقبلة.