ظاهرة التطرف في الوطن العربي

يوليو 1, 2025 - 19:52
ظاهرة التطرف في الوطن العربي

نظم معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي صباح اليوم الثىثاء الموافق 1/7/2025، ندوة حوارية تحت عنوان "ظاهرة التطرف والغلو في الوطن العربي: المخاطر الأمنية واستراتيجية الوقاية"، حيث شهدت الندوة مشاركة نخبة من الخبراء والأكاديميين المتخصصين في قضايا الأمن والمجتمع. تناولت الندوة تحليل أسباب انتشار التطرف والغلو في المنطقة العربية، وتأثيراته السلبية على استقرار المجتمعات وأمنها، بالإضافة إلى استعراض استراتيجيات وقائية تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة. أدار الجلسة الدكتور أسامة خالد، الذي أكد في كلمته الافتتاحية على أهمية الحوار العلمي في تقديم حلول عملية ومستدامة لمواجهة تحديات التطرف. كما تخللت الندوة مناقشات بناءة بين المشاركين، ركزت على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة هذه الظاهرة، مع التأكيد على دور التعليم والتوعية في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا واستقرارًا. افتتحت الندوة أعمالها بكلمة ترحيبية ألقاها اللواء حابس الشروف، مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، حيث عبّر عن شكره وتقديره للحضور والمشاركين على تلبية الدعوة والمشاركة في هذا الحدث الهام. وأكد اللواء الشروف في كلمته على أهمية هذه الندوة في تسليط الضوء على القضايا الحيوية المتعلقة بالأمن القومي العربي، مشيراً إلى أن مثل هذه اللقاءات تمثل منبراً لتبادل الأفكار والرؤى بين الخبراء والمختصين، مما يسهم في وضع استراتيجيات فعّالة لمواجهة التحديات الراهنة.

تُعَدُّ التجربة السعودية في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب نموذجًا رائدًا يستحق الدراسة والتأمل، حيث قامت على أسس متينة تجمع بين الفكر والدين والمجتمع والعمل العسكري. وقد أشار اللواء المستشار عبد الله القحطاني إلى أن نقطة التحول الرئيسية للحد من انتشار الظاهرة كانت في بناء جسور التواصل بين علماء النفس والواعظين الدينيين والمؤسسات الدينية من جهة، والمجتمع المدني من جهة أخرى، مما أسهم في تعزيز التفاهم المشترك ومعالجة الظواهر السلبية. كما اشار في مداخلته الى إنشاء التحالف الاسلامي العسكري لمحاربة الارهاب ومقره الرياض، الذي إعتمد في إستراتيجيته على أربعة محاور رئيسية: أولاً، المجال الفكري الذي شمل تعزيز التفكير العقلاني وافتتاح مراكز علمية ودينية لنشر الوعي الصحيح بأمور الدين. ثانيًا، المجال الإعلامي الذي تضمن التعاون مع وسائل الإعلام الوطنية والدولية لنشر رسالة التسامح والسلام. ثالثًا، تجفيف منابع تمويل الإرهاب من خلال إجراءات صارمة لضبط التدفقات المالية المشبوهة. وأخيرًا، تنمية المهارات العسكرية لدى منتسبي الأجهزة الأمنية في نطاق التحالف الإسلامي العسكري، لضمان جاهزيتهم لمواجهة التحديات الأمنية. وقد انعكست هذه الجهود بشكل إيجابي على تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في المجتمعات العربية، مع رفض كافة الظواهر الهدامة التي تهدد النسيج الاجتماعي.

تُعد التجربة الأردنية في مكافحة التطرف والإرهاب نموذجًا يحتذى به على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث نجحت الدولة الأردنية بفضل جهود جهاز المخابرات العامة والأجهزة الأمنية الشريكة في التصدي لمحاولات تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخل المملكة. وقد تميزت هذه الجهود بالتركيز على الوقاية من التطرف ومعالجة أسبابه، خاصة فيما يتعلق بالفئات العائدة من مناطق النزاعات كأفغانستان وسوريا والعراق، والتي تأثرت بأفكار متطرفة تسعى للنيل من استقرار المجتمع. ومن جهة أخرى، عملت الدولة الأردنية على تعزيز خطاب ديني وسطي ومعتدل من خلال توحيد المرجعيات الدينية، مما أسهم في الحد من انتشار الفتاوى غير المسؤولة والتي تفتقر إلى العلم والمعرفة بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة. هذا النهج الشامل يعكس التزام الأردن بتعزيز الأمن الفكري والمجتمعي، ويؤكد أهمية التعاون بين المؤسسات الأمنية والدينية لتحقيق الاستقرار المستدام. على هذا النحو، أطلقت الدولة الأردنية برنامجاً يهدف إلى تعزيز الحوار البنّاء مع الأفراد الذين يحملون أفكاراً متطرفة أو يتبنون تفسيرات دينية متشددة، وذلك في إطار جهودها لمكافحة التطرف وتعزيز الأمن الفكري. يتم تنفيذ هذا البرنامج داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، حيث يتم التركيز على إعادة تأهيل هؤلاء الأفراد فكرياً ونفسياً ليصبحوا أعضاء فاعلين ومساهمين في بناء المجتمع. ويعتمد البرنامج على منهجية تجمع بين الحوار الديني المستنير والتوجيه الفكري، لتصحيح المفاهيم المغلوطة وإبعادهم عن التأثيرات السلبية للأجندات التي تسعى إلى احتكار الدين أو توظيفه لتحقيق أهداف خاصة. يأتي هذا الجهد ضمن التزام الدولة الأردنية بتعزيز قيم التسامح والاعتدال، وترسيخ مبادئ الدين الإسلامي القائمة على الرحمة والوسطية.

تحدث الأستاذ الدكتور محمد شاهين من جامعة القدس المفتوحة عن الأبعاد النفسية للتطرف والغلو، موضحًا أن هذه الظاهرة ترتبط بدوافع ونزاعات نفسية قد تكون متجذرة في الفرد أو في مجموعات معينة، مما يزيد من احتمالية تبني السلوكيات المتطرفة. وأشار إلى أن هناك عدة عوامل تسهم في نشوء التطرف، من أبرزها ضعف تقدير الذات والهوية والانتماء، والشعور بالعزلة أو الوحدة، بالإضافة إلى أزمة الهوية الوطنية. كما أوضح أن الحاجة إلى الشعور بالأهمية والمعنى قد تدفع بعض الأفراد نحو التطرف. وحذر الدكتور شاهين من التأثير السلبي لهذه الظاهرة على التماسك الاجتماعي، الذي يعتمد على قوة العلاقات والتضامن بين أفراد المجتمع، ورأس المال الاجتماعي القائم على شبكات العلاقات الفاعلة، والتضامن الاجتماعي المبني على المصالح المشتركة والمسؤولية الجماعية. وأكد أن الغلو والتطرف يقوضان هذه الأسس من خلال إثارة الفتن والنزاعات، مما يهدد السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي. كما أشار إلى أن هذه الظواهر تؤثر سلبًا على الصحة النفسية للأفراد والمجتمع بشكل عام، مما ينعكس على الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.

تواجه الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحديات معقدة على المستويين الوطني والإقليمي، حيث تعمل في بيئة جغرافية وسياسية وأمنية مليئة بالقيود والعوائق التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي. هذه القيود لا تقتصر فقط على الحركة والتنقل، بل تمتد لتؤثر على طبيعة عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مما يضعها أمام مسؤوليات جسيمة لتحقيق الأمن والاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، تلعب التركيبة الاجتماعية والحزبية دوراً محورياً في تشكيل البيئة الأمنية، حيث تسود المجتمعات العشائرية التي يكون فيها للعائلة أو العشيرة تأثير كبير على مختلف القضايا. في ظل هذه الظروف، تسعى الأجهزة الأمنية جاهدة لتطبيق مبدأ سيادة القانون والحفاظ على النسيج الاجتماعي من خلال تعزيز السلم الأهلي. ويتطلب هذا الجهد تكاتف جميع مكونات المجتمع وتعاونها، إدراكاً بأن تحقيق الأمن والاستقرار هو مسؤولية جماعية تتطلب العمل المشترك والتنسيق المتواصل بين الجهات المختلفة.

سلطت الدكتورة ديمة أبو لطيفة، مدير المركز العربي الديمقراطي في فلسطين، الضوء على الجوانب التاريخية للتطرف والغلو في الدين، مشيرة إلى نشأته منذ حادثة الخروج على الخليفة علي بن أبي طالب، التي عُرفت تاريخياً بظاهرة الخوارج. وأوضحت أن التطرف قد شهد توظيفاً دولياً واضحاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث أصبحت "الحرب على الإرهاب" ذريعة لتدخلات عسكرية غربية تهدف إلى إعادة رسم خارطة المنطقة لتحقيق مصالح سياسية. وأكدت أن حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة استغل هذه الذريعة لإسقاط أنظمة حكم كما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا، مما أدى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في دول عربية أخرى مثل سوريا ولبنان والأردن. كما أشارت إلى دور بعض الدول في تعميق الانقسام الفلسطيني. وركزت في حديثها على دور الإعلام التقليدي والرقمي، معتبرة أنه أداة ذات حدين، محذرة من أن الإعلام غير المهني أو المسيس قد يصبح وسيلة خطيرة لتأجيج الكراهية وإقصاء الآخر ونشر التطرف الفكري.

1.    في ختام الندوة، شدد المتحدثون على أهمية اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة التحديات المرتبطة بالتطرف والغلو. وأكدوا على ضرورة تنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية والخاصة لنشر الوعي والتحذير من المخاطر المرتبطة بالتطرف، وذلك لما له من تأثير سلبي كبير على مستقبل الأمة العربية والإسلامية، حيث يؤدي إلى هدر مواردها وإفشال أجيالها. وأشاروا إلى أهمية الاستفادة من التطور التكنولوجي في وسائل الإعلام لكشف وسائل إعلام الجماعات المتطرفة واساليبها في خداع ابناء المجتمع. بالمقابل، التركيز على نشر الأفكار الوسطية للإسلام ونبذ الأفكار المتطرفة التي تتعارض مع تقاليدنا وعاداتنا. كما دعوا إلى بناء منهج تربوي قائم على الوسطية الدينية، بعيداً عن التطرف وسوء فهم النصوص الدينية. بالإضافة إلى ذلك، أكدوا على ضرورة تأسيس مراكز أبحاث ودراسات لتشخيص ظاهرة التطرف مبكراً وتقديم الحلول المناسبة قبل انتشارها. وأخيراً، شددوا على أن التعاون الإقليمي والدولي يعد نقطة ارتكاز أساسية في مواجهة التطرف الفكري والجماعات الداعمة له من الخارج، إذ تسعى تلك الجماعات إلى إضعاف موارد الأمة العربية وإشغالها بقضايا تؤخر وحدتها ونهضتها