التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود

يونيو 15, 2025 - 18:06
التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود

محمد علوش

هناك من يمثل العمال، وهناك أيضاً من يمثل على العمال، في خضم حالة انقسامية ما زالت مستمرة، تغذيها نزعات واتجاهات سياسية، تشهدها الحركة العمالية والنقابية الفلسطينية، رغم كل المحاولات والحوارات السابقة التي أجريت بهدف توحيد التنظيم النقابي في إطار وحدة كونفدرالية تضمن تمثيل كافة الأطراف والحفاظ على مكانتها وعلاقاتها الوطنية والعربية والدولية، إلا أن قوى التعطيل ما زالت قائمة، وما زالت تضع العراقيل أمام هذا الاستحقاق الوطني الذي يقوي ويعزز من حضور الطبقة العاملة الفلسطينية المفترى عليها.

ولقد آن الأوان لضرورة مراجعة كل هذه المواقف القائمة، ومراجعة كل الأسباب التي أعاقت من الوصول إلى الوحدة المنشودة، خاصة أننا كنا قد توصلنا إلى اتفاق وحدوي ونقابي شامل بإجماع كافة القوى السياسية والنقابية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. 

أعتقد أنه قد آن الأوان لإقرار قانون تنظيم العمل النقابي في فلسطين، وهو وحده الكفيل بصون الحقوق والحريات النقابية وضمان التعددية النقابية، وكذلك وحدة من يحسم صفة الاتحاد الأكثر تمثيلاً، حتى نتجاوز كل هذه التداعيات والانقسامات والتباينات والمصالح المتناقضة بين أطراف متعددة الحضور والمستويات في الحركة النقابية، بين قوى فاعلة وقائدة ومؤثرة وقادرة على البناء وتمثيل العمال، وقوى أخرى لا حضور لها سوى بالمناسبات ووفق أجندات الحضور والغياب، والتي لا تكترث بحقوق ومصالح العمال وعموم الكادحين، سوى ببيانات التباكي على حقوق العمال في إطار البحث عن دور مفقود أو وظيفة ما بظروف مرحلية تتطلب منهم الحضور ومن ثم السبات طويل الأمد.

لقد لعبت الحركة العمالية والنقابة دوراً محورياً في الدفاع عن حقوق العمال وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ومن بين العوامل الأساسية لنجاح هذه الحركة وقدرتها على تحقيق أهدافها، تأتي وحدة الحركة العمالية كعنصر حاسم لا غنى عنه، فالوحدة ليست مجرد شعار، بل ضرورة استراتيجية تمكّن العمال من الوقوف صفاً واحداً أمام التحديات المتزايدة في عالم العمل المعاصر، وعندما يكون العمال موحدين تحت مظلة نقابية أو حركة عمالية مشتركة، فإنهم يمتلكون صوتاً أقوى وقدرة تفاوضية أعلى في مواجهة أصحاب العمل أو الحكومات، فالوحدة تفرض الاحترام وتكسب المفاوضات بعداً جدياً يصعب تجاهله، سواء كان الأمر متعلقاً بالأجور، أو ظروف العمل، أو الحقوق التأمينية، أو الضمان الاجتماعي وتعديلات قانون العمل أو غيرها من العناوين ذات الأهمية على جدول أعمال الحركة النقابية.

ومن هنا يأتي موقفنا المطالب بالوقوف ضد التفرقة والاستغلال، فكثيراً ما يحاول أصحاب العمل استغلال الانقسامات بين العمال لكسر شوكتهم وإضعاف مطالبهم، لكن الوحدة تمثل درعاً واقياً ضد هذه السياسات التفرقية، وتؤسس لبيئة عمل قائمة على التضامن والمساواة والعدالة، ويجب أن نناضل معاً من أجل تحقيق مكاسب تشريعية واجتماعية، فالحركات العمالية الموحدة لها تأثير مباشر في سنّ التشريعات العمالية وحماية الحقوق النقابية، والعديد من المكتسبات التي يتمتع بها العمال اليوم – مثل تحديد ساعات العمل، والحد الأدنى للأجور، والتأمين الصحي – كانت نتيجة لتحركات موحدة ومنظمة، ومن الأهمية تعزيز الوعي الطبقي والتضامن الاجتماعي، وبناء أسس واضحة للوحدة العمالية لتكون قادرة على تغذية وتطوير الوعي الطبقي بين العمال وتساعدهم على إدراك مصالحهم المشتركة في مواجهة رأس المال وكل أشكال الاستغلال، وتعزز من قيم التضامن الاجتماعي وتدفع نحو تشكيل مجتمع أكثر عدالة وإنصافاً.

إن وحدة الحركة العمالية ليست مجرد طموح مثالي، بل هي شرط أساسي لبقاء وفاعلية النضال العمالي، ففي عالم تتزايد فيه الضغوط على الطبقة العاملة وتتغير فيه طبيعة العمل بشكل متسارع، تصبح الوحدة أكثر من أي وقت مضى ضرورة وجودية لضمان حقوق العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية.

إذن هي دعوة مجددة لكافة القوى الحيّة والفاعلة في أوساط الحركة العمالية الفلسطينية لضرورة وضع المصلحة الوطنية العليا ومصلحة الطبقة العاملة على رأس سلم الأولويات وتعزيز البناء الوحدوي والجبهوي العريض، باعتبار أن قوة الطبقة العاملة الفلسطينية في وحدتها وتنظيمها.