نواب حزب العمال البريطاني يضغطون على حكومتهم  للاعتراف بالدولة الفلسطينية

أبريل 19, 2025 - 19:09
نواب حزب العمال البريطاني يضغطون على حكومتهم   للاعتراف بالدولة الفلسطينية

نواب حزب العمال البريطاني يضغطون على حكومتهم

 للاعتراف بالدولة الفلسطينية

 

الدكتور عوض سليمية

باحث في العلاقات الدولية

مدير وحدة الابحاث والدراسات الدولية- معهد فلسطين لابحاث الامن القومي

 

إعلان الرئيس ايمانويل ماكرون عن تنظيم المبادرة الفرنسية-السعودية المشتركة جوهرها عقد مؤتمر دولي للسلام في الامم المتحدة في شهر يونيو/حزيران القادم تترأسه الدولتان، سعياً لايجاد ديناميكية عالمية للتحرك نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، ووعوداته بأن تكون بلاده من بين الدول الجديدة التي ستعترف بالدولة الفلسطينية، الى جانب تأكيداته السابقة بأن هذه الخطوة ليست من المحرمات في السياسة الخارجية الفرنسية. اضافت زخماً دولياً بوجوب تحرك المجتمع الدولي وتحمله لمسؤولياته القانونية والاخلاقية. ويمثل هذا الاعلان نقطة تحول جادة في المواقف العالمية لوقف المذبحة التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، كمقدمة سريعة لانهاء هذا الصراع واحلال السلام في المنطقة على اساس حل الدولتين.

تصريحات ماكرون ترددت صداها على مقاعد البرلمان البريطاني، حيث تلقف نواب حزب العمال الحاكم في البرلمان البريطاني هذه الدعوات، وبدؤوا بتشكيل لوبي ضاغط على وزارة الخارجية للانخراط في المبادرة الفرنسية. وفقا لتقرير صحيفة The Guardian  بتاريخ 13 ابريل/نيسان، فإن وزارة الخارجية البريطانية تتعرض لضغوط كبيرة من نواب حزب العمال البريطاني للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في حال مضى ماكرون قدمًا في خططه للاعتراف بفلسطين. تقول إيميلي ثورنبيري، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، "إن الوقت قد حان لكي تعترف المملكة المتحدة بالدولة الفلسطينية"، مضيفةً: "علينا أن نفعل ذلك مع الفرنسيين. هناك الكثير من الدول الأخرى التي تقف مكتوفة الأيدي وتنتظر." وحذرت من مخاطر ممارسات اسرائيل قائلةً، "إذا لم يتحرك الغرب قريباً، فلن يبقى هناك فلسطين للاعتراف بها".

منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917 والذي كان العِلّة الاساسية لمآسي ونكبات الشعب العربي الفلسطيني على ارضه التاريخية، وصولا الى عهد رئيس الوزراء البريطاني العمالي كير ستارمز 2025، لم تحاول الحكومات البريطانية المتعاقبة ان تُكفِر عن جريمتها المُرتكبة او على الاقل ان تعتذر خجلاً من ارثها الاستعماري المشؤوم. وعلى الرغم من إعلاناتها المتكررة بوجوب انهاء الصراع على اساس حل الدولتين واصلت هذه الحكومات تقديم كل اشكال الدعم لاسرائيل على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. هذا الموقف المائل يمكن رصده بسهولة في تصريحات كريس دويل، رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني (CAABU)، "كان ينبغي أن يتم إتخاذ هذا الاجراء منذ فترة طويلة،... مُحذراً في الوقت نفسه من أنه "إذا لم تتخذ المملكة المتحدة هذه الخطوة قريبًا فقد يكون الأوان قد فات لأن إسرائيل عازمة بوضوح على المضي قدمًا في الضم الفعلي للضفة الغربية".

في هذا المشهد، فإن الموقف المتقدم لنواب حزب العمال ليس جديداً في عالم السياسة البريطانية، فقد تبنى مجلس العموم البريطاني بتاريخ 13 أكتوبر 2014، مقترحاً غير ملزم يوصي الحكومة البريطانية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورد فيه "أن هذا المجلس يعتقد أن الحكومة يجب أن تعترف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل، كمساهمة في تأمين حل الدولتين عن طريق التفاوض". بالمثل، طور رئيس الوزراء البريطاني السابق المُحافظ ديفيد كاميرون (2010-2016)، ووزير الخارجية البريطاني في حكومة ريشي تسوناك خلال الفترة (2023-2024)، موقفاً مسانداً لموقف مجلس العموم، يقول كاميرون أن "المملكة المتحدة يمكن أن تعترف رسميًا بالدولة الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار في غزة دون انتظار نتائج ما يمكن أن يكون سنوات من المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين حول حل الدولتين".

في الواقع، يتمتع حزب العمال البريطاني بقيادة ستارمر باغلبية ساحقة في البرلمان البريطاني، ويجلس نوابه على مقاعد مريحة وصلت الى 412 مقعدا، حصلوا عليها خلال الانتخابات التي جرت في يوليو/حزيران من العام الماضي، على حساب حزب المحافظين الذي تراجع بشكل كبير وحصل على 121 مقعداً فقط، بسبب سياساته الخارجية والداخلية المُتعثرة والتي اسفرت عن استبدال اكثر من ثلاثة رؤساء وزراء في وقت قياسي. وبالتالي، هناك فرصة كبيرة متاحة لتشكيل حالة من التمايز عن مواقف حزب المحافظين اليمينيين الداعم لاسرائيل، ومناسبة للعمل على سد الفجوة الداخلية القائمة بين اعضاء الحزب التي تتراوح بين -الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية دون انتظار نتائج المفاوضات بين م.ت.ف واسرائيل وبين الموقف الداعي الى إنتظار نتائج مفاوضات تفضي الى دولة فلسطينية. وان لا يكون الحزبين الكبيرين في المملكة المتحدة (العمال والمحافظون) عبارة عن نسخة مكررة لنظرائهم الامريكيين (الديموقراطيون والجمهوريون)، عندما يتعلق الوضع بفلسطين.

 بين إعلان التحالف الدولي لتحقيق حل الدولتين، ورفض التطبيع دون إعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، الى جانب الكشف عن المبادرة الفرنسية المنظورة لحشد التأييد الاممي للاعتراف بدولة فلسطين، تبذل المملكة العربية السعودية بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية جهوداً دبلوماسية كبيرة لتحقيق مزيداً من الانجازات الدبلوماسية لصالح فلسطين. وبعد ان اعلنت كل من إسبانيا والنرويج وأيرلندا "3 دول أوروبية" إعترافها بالدولة الفلسطينية العام الماضي، فإن الاعلانات الفرنسية والنقاشات البريطانية داخل البرلمان في حال إنفاذها فإنها تشكل خطوة كبيرة من قبل عضوين دائمين يمتلكان حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي، من شأنها أن تبعث برسالة قوية للولايات المتحدة واسرائيل جوهرها انه، آن الاوان لتعديل ميزان العدالة المائل وتصحيح الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب العربي الفلسطيني.