كتاب التركيز كيف تكون حاضرا في الحاضر؟ قراءة وتعقيب في الكتاب الكاتب عيسى دياب

تأليف محمد قاروط أبو رحمه

يونيو 22, 2025 - 21:23
يونيو 22, 2025 - 21:26
كتاب التركيز كيف تكون حاضرا في الحاضر؟  قراءة وتعقيب في الكتاب   الكاتب عيسى دياب

كتاب التركيز كيف تكون حاضرا في الحاضر؟

قراءة وتعقيب في الكتاب 

الكاتب عيسى دياب

تأليف محمد قاروط أبو رحمه

اصدار دار البيرق العربي، رام الله فلسطين 2025

يعاني الكثير من الناس من الجنسين من الضياع والتشتت العائق أمام تطور حياتهم وتقدمهم في تحقيق أهدافهم وذلك لأسباب مختلفة مثل مكان العيش والبيئة المحيطة والتربية وأهدافهم الشخصية، هذه الظروف غالباً هي سبب التشويش على الصفاء الذهني الذي يقود الإنسان إلى معرفة ذاته وهدف وجوده في هذا الكون البهي المليء بالأسرار والمقدرات الهائلة ليبدأ بحثه في ما يجذبه فيصبح جُلَّ تركيزه في هدفه.

وصلني كتاب من تأليف الأخ الأستاذ محمد قاروط ابو رحمه كاتب متخصص بالقيادة والإدارة وباحث ومدرب ومحاضر وهو عضو مجلس إدارة أكاديمية فتح الفكرية التي أنتمي إليها بعنوان التركيز "كيف تكون حاضرا في الحاضر".

هذا العنوان جذاب جدا وهو دلالة على المشكلة الأساسية التي تسمرنا في أمكنتنا لنتخلف عن ركب التقدم والتطور وهي عدم الحضور الذهني في الوقت الحاضر فنحن بين عذابٍ في ألام الماضي او منشغلين بمستقبلِ لا نعرفه ومن الممكن أن لا نكون فيه وبكلتا الحالتين نحن نفقد حاضرنا والإنجاز به.

هذا العنوان المختصر لما تري كس معقدة دفعني إلى التهام صفحات الكتاب السلسة والتي لم أشعر بالانتقال بينها ولم أنظر حتى إلى ارقام الصفحات التي قرأتها فقرأت ٦٨ صفحة متواصلة وذلك لغناه المعرفي والتدرج الذكي في طرح المشكلة والأمثلة المعاشة وأليات تعلم فن التركيز وتغذيته والصفاء الذهني والتعرف على الذات وحب الذات.

في مقدمة الكتاب حاول الدكتور سعيد أبو علي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية واستـاذ القانـون العـام والعلـوم السياسـية بجامعة القدس ومعهد البحوث والدراسات العربية وضع القراء بصورة عامة عن الكتاب وكان موفقاً في تشجيعي على متابعة قراءة الكتاب بأكمله وتنظيم رؤية الكاتب لهدفه من الكتاب بمباشرة طرح المشكلة ووضع الحلول التي اكتسبها في مسيرته النضالية دون إنشاء وسرد ممل.

تبين من خلال قراءة الكتاب أن الكاتب له هدف واحد يحاول بلباقة تحميله أسباب ضعفنا وهزيمتنا وفشلنا وهو التركيز، في الحقيقة ان الكاتب يستدرج القارئ على موافقته تماماً مع قراءة أولى صفحات كتابه، وهو إن لم يكن السبب الحقيقي في تخلفنا وضعفنا فسيكون أحد أهم الأسباب وانا اوافق على أنه السبب الرئيس ولو لم يتطرق بالإشارة إليه بوصفٍ مباشر وهو أن التركيز هو صلب الإيمان بالله سبحانه وتعالى فلا يمكن لمؤمن أن يكتمل إيمانه ويثبت دون التركيز على هدفه وهو رضوان الله ومتطلبات هذا الرضى كفعل الصالحات وإقامة الصلاة والصيام والزكاة وضرورة اليقظة والحضور الدائم للنجاة من شرك الشيطان وهذا يتطلب تركيزاً قويا جدا مترافق مع مجهود كبت النفس عن الهوى.

الكاتب يشير في كتابه إلى أن التشتت هو أهم أسباب هزيمتنا ( افراد وجماعات ) لأننا لم نحدد الهدف وإن حددنا فنحن لم نركز في منهجية تحقيقه والأساليب التي توصلنا إلى الهدف، الكاتب كان ذكي للغاية ليبدأ في علاج المشكلة للأفراد رغم أن طموحه هو جمع الأمة للتركيز على حلم العودة إلى الأصالة وقيادة العالم "تغيير نمط تفكير الافراد يغير المجتمع بأكمله"

وفي معالجته للتركيز يبدأ الكاتب بخطوات من أهمها البحث عن مكان هادئ بعيد عن الضوضاء والملهيات وهو يطرح حل لمشكلتين ويعالج مشكلة أخرى تضاف على تحضير القدرة الذهنية للتركيز وهي التغافل، والتغافل أعتبره علاجاً لصحة وعقل الإنسان الذي يريد ان يركز في حياته ومستقبله وأن يكون مطمئنا فالتغافل فن يساعد الشخص على نقاء فكره وصحة فؤاده واستمرار علاقاته الاجتماعية وهو أداة مهمة جداً في عملية التركيز والحضور في الحاضر.

سلاسة هذا الكتاب تجعلك تعرف محتواه من اولى صفحاته ولكن في كل صفحة ستجد معلومة جديدة قيمة والتكرار المتعمد لبعض الفقرات مقصود رغبة من الكاتب في ترسيخ الأفكار ولصقها لتصبح جزءاً من عقل القارئ لضمان الاستفادة وكأن الكاتب يطل عليك من صفحات كتابه ويقول لك فهمتها حفظتها هيا نفذها، وهذا لحرصه على أن لا تعود نفس الشخص الذي كان قبل قراءة الكتاب.

هذا الكتاب الذي يعتمد مخاطبة القارئ بأساليب ومعطيات تناسب نوعية تفكير الاشخاص باختلافها ليكون أقرب إلى فهم الغالبية ويفسر عند كل شخص حسب مصالحه واهدافه، إنما أعود إلى أن غاية الكاتب أسمى وأعظم من تغيير سلوك شخص ما بقدر تغيير سلوكيات المجتمعات والشعوب لفهم واقعها والتركيز على أحلامها وأليات تحقيقها.

نحن أمة نعيش في توتر دائما وخوف وتردد دون هدف واضح تحيطنا الكثير من الملهيات التي تجعل الكثير منا في شبه ضياع دائم فنستيقظ كما نمنا وهذه مشكلة عظيمة تتستر بحجاب تخلفنا وهواننا واستطاع الأستاذ محمد بذكاء طرحها مع التدرج في كيفية علاجها بالذات الإنسانية وحضورها ومغذياتها.

أعتبر نفسي ناقداً سياسياً واجتماعياً لأنني أحب أن أرى أننا أو أبناءنا في مقدمة الشعوب، وهذا ما أعتبر أنه بحاجة للكثير من العمل على تغيير عقلية أمتنا، فمثال إنني أرى أن الأنظمة العربية كانت مسيرة حتى سقوطها هي لم تتصارح مع نفسها بمقدراتها وقوتها ولم تركز في أليات تحقيق اهدافها وأخرها النظام الإيراني الذي وضع هدفه بالخط العريض إزالة إسرائيل فبدأ في مصارعة إيديولوجية مع دول الجوار ولم يركز في هدفه الأساسي فشتت نفسه حتى انكشف رأسه، وهو ما قرئته في صميمي في اواخر كلمات الكاتب مخاطباً الفرد ان من حقه وضع أهداف كبيرة شريطة التدرج في التركيز في الأهداف القابلة للوصول قبل وضع أهداف خيالية لا يمكن تحقيقها او وضع الهدف الكبير الممكن تحقيقه ولكن التلهي في ثانويات يسحب تركيز الفرد من الهدف حتى ييأس من وصوله فيعود إلى المربع الذي يقبع به بوضع الملامة على الدنيا والقدر وبأن علينا أن نرضى به، يجب على الأفراد والمجموعات والشعوب أن تحدد هدف قابل للقياس مع قدرة التحقيق مع مدة زمنية محددة من ثم الانطلاق إلى أهداف أكبر وأبعد.

قراءة الكتاب وفهمه يعطي صورة واضحة عن نبل الكاتب وسموه عن التبجيل بقدر قصد المنفعة العامة وأعتبر أن هذا الكتاب قيمة فلسفية كبيرة ولا مبالغة في أنه علاج نفسي متدحرج لمشكلة يعاني منها الكثير الكثير من الناس وهي سبب فقرهم وتعاستهم وضعفهم وتخلفهم عن اخرين أخرجوا كنوز ذواتهم ليصبحوا في المقدمة.

ولكن هناك سبب رئيسي لهذه المعضلة ولن اكون سوطاً أخر على ظهر التركيز وحده، فالكتاب يذكر اسباب عدم التركيز ويقدم خطة متكاملة توفر صفاء الذهن للقيام بعملية التركيز ومن أهمها اختيار مكان هادئ! وهنا نبدأ بأن أهم سبب تشتتنا هو نظامنا المعيشي الصاخب مثل كثرة الولادات والسكن المتقارب فتضيع أعمارنا في ضجيج المجتمع لنمر في الحياة كأنما لم نخطو فيها، مثال أذا ما قمت بجمع معلومات عن أهم الفلاسفة والعباقرة والمخترعين ستجد أن نمط حياتهم مختلف كلياً عن واقعنا، فستجد أنهم أبناء قرى هادئة جداً وحياة بسيطة جداً تستدعي منهم التفكر والبحث والتركيز، ليس بالكلية فحتى في ضجيج العواصم يمكن ان يعمل الفرد القاصد على تأمين جو مريح للتفكر ولكن كثرة الإنجاب وحياتنا الاجتماعية الصاخبة هي أهم سبب في عدم قدرتنا على اكتشاف ذاتنا ومحيطنا والتفكير فيه.

أتمنى أن ينتشر هذا الكتاب في الوطن العربي لكنز مكنوناته في عقول تعبت من المحاولة للتغيير و

لن ابالغ اذا ما مدحت هذه الشخصية عظيمة القلب والمحيا، هذا الرجل الذي ما زال يرغب بالتعلم، فهو يطلب في كتابه تلميحاً ان ينقد كتابه ليتعلم أكثر وينتفع أكثر ليحول المنفعة للعامة.