محو غزة عن الخريطة

بهاء رحال
من يشهد عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، يتأكد من أن تصريحات قادة الاحتلال ليست مجرد كلام قيل وانتهى، ولا هي غوغائية بلهاء أو فقاعة هواء، بل مخطط مُعد يسعون إلى تحقيقه وفرضه على أرض الواقع، وتجسيده بكل الطرق والسُبل، وهو يتمثل في قتل أكبر عدد من الناس، وتهجير البقية للسيطرة على القطاع والتحكم بثرواته، خاصة الغاز على ساحل البحر، حيث أطماع الاحتلال تظهر بصورة واضحة، فيواصل عملياته الإجرامية دون هوادة، ويواصل سياسة القتل والحصار وتدمير كل أشكال الحياة، ويرفض وقف الحرب، كما يرفض كل مقترح يدور حول إتمام صفقة تؤدي إلى وقف الإبادة، وذلك تماشيًا مع تحقيق أهدافه التي يسعى إليها.
السيطرة على غزة وتهجير الناس وسرقة خيرات الأرض وما عليها، ما تحتها وما فوقها، وتغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي، ورسم خارطة جديدة تحد من مساحة غزة الضيقة والصغيرة أصلًا، وإحلال المستوطنين في بعض المناطق، خاصة في شمال القطاع هدف تسعى لتحقيقه حكومة نتنياهو وهو من الأهداف المعلنة، أما ما خفي من أهداف فهو بالتأكيد أفدح وأخطر، وما شهدناه ونشهده من وقائع يحاول فرضها، سواء بشق الطرق ورسم الخرائط وإقامة الأبراج العسكرية وعزل المناطق عن بعضها، وطرد السكان بالقوة والبطش والترهيب والتجويع، من أجل الوصول أهدافه المعلنة وغير المعلنة.
أمنيات قديمة جديدة سكنت قادة الاحتلال على مر العقود وطيلة سنوات الاحتلال، كان بعضها يدور حول أن يبتلع البحر غزة، بين ليلة وضحاها حتى تصبح بلا أثر، وهم اليوم يعملون على شطبها ومحوها من خلال حرب الإبادة المستمرة، ويواصلون ارتكاب كل جرائمهم بحق البشر والشجر والحجر، رغبة في محوها وطرد وتهجير وقتل سكانها، وهدم معالمها ليتسنى لهم سرقة ما في باطن أرضها، من غاز ونفط وموارد وتاريخ وأمجاد، بيد أن غزة عصية على ذلك، فهي قبل البحر كانت وحضارتها راسخة وحضورها منذ الفلسطيني الأول، وهذا ما يفسر صمود الناس وتشبثهم في أرضهم، ورفضهم المطلق لكل أشكال التهجير، برغم حرب الإبادة المتواصلة منذ أربعة عشر شهرًا.
لم يسلم من حرب الإبادة الجماعية شيء في غزة، المدارس والجامعات ودور العبادة والمستشفيات وشبكات الكهرباء والمياه والأماكن التاريخية والآثار العريقة، وهذا جزء من عمليات التطهير العرقي التي يمارسها الاحتلال، حيث جعل قطاع غزة غير صالح للحياة، فاقدًا لكل سبل العيش، طاردًا سكانه وهو يعمل على تهجيرهم بكل الطرق والوسائل من أجل تحقيق أهدافه غير المعلنة من وراء الحرب.
مع استمرار حرب الإبادة واقتراب استلام دونالد ترامب لمهامه في يناير القادم، تزداد المخاطر التي تحدق بقطاع غزة وسكانه، وليس غزة وحدها بل الضفة الفلسطينية والقدس حيث يتهددها غول القضم والضم وسرطان الاستيطان، في ظل التلاقي العنصري الذي يجمع الرجلين نتنياهو وترامب، على قاعدة المصالح المشتركة والانحياز الأعمى.