تحديات الاقتصاد الأردني

أبريل 19, 2025 - 10:34
تحديات الاقتصاد الأردني

جواد العناني

بسبب ظروف طارئة مررت بها خلال الشهر المنصرم، لم أتمكن من الاستجابة مع طلبات الإخوة والأخوات في محطات التلفزة العربية أو من مراسلي الصحف، للإجابة عن أسئلة متعلقة بالأوضاع في المنطقة، أو بصفتي مخضرماً في التجربة الاقتصادية الأردنية والخليجية أن أجيب على التساؤلات من قبل كثير من أشقائي الأردنيين القلقين من سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وآثارها العميقة على اقتصادات المنطقة والاقتصاد الأردني بشكل خاص.

ونحن نعلم أن الشعب الأردني بكامل مكوناته قلق على اقتصاده الذي تبلغ قيمة ناتجه المحلي الإجمالي السنوية الاسمية 54 مليار دولار أميركي، أو ما يعادل حسب معادلة القوة الشرائية 141.2 مليار دولار. ويأتي ترتيب الأردن عالمياً من حيث الرقمين الحادي والتسعين من بين دول العالم حسب أرقام العام 2024.

أما معدل دخل الفرد السنوي الاسمي Nominal per capital income فهو في حدود 4705 دولارات، وبالقوة الشرائية حوالي 12.4 ألف دولار في السنة. وهذه الأرقام تظهر أن الأردن دولة متوسطة الدخل، وأن هذا يتناسب مع إمكاناتها ومواردها الطبيعية.

وخلال فترة الأزمات المتتالية منذ العام 2008 حتى الآن بدءاً من انهيار أسواق العقار والمال العالمية في ذلك العام، ثم الربيع العربي الفاتك بأحلام الأمة العربية وبلدانها والذي امتد حتى كتابة هذه السطور (السودان وليبيا وسورية والعراق) ومروراً بجائحة كوفيد-19، وانتهاء بالحرب في غزة والضفة الغربية وجنوب سورية وجنوب لبنان. خلال كل هذه الأزمات كان الأردن مع الدول الشقيقة الست في الخليج ومصر الأكثر ثباتاً. ولو قيست التبعات التي تحملها الأردن بالمقارنة مع موارده المحدودة وإمكاناته المتاحة لرأينا أنه أقدر الدول العربية على التجاوب بمرونة عالية وفاعلية مع الطوارئ التي واجهها.

ومنذ حكومة هاني الملقي التي شاركتُ فيها نائباً لرئيس الوزراء ورئيساً للفريق الاقتصادي الوزاري ولمدة قصيرة تجاوزت ستة أشهر بقليل، ومن بعدها حكومات عمر الرزاز وبشر الخصاونة وجعفر حسان، فإن الاقتصاد الأردني يحقق معدلات نمو تتراوح بين 2.2% إلى 2.5% في العام، ضمن معدلات تضخم تبلغ حوالي 4% سنوياً. وأما نسب البطالة فتتراوح موسمياً بين 18% إلى 22%، ونسب الفقر لا تقل عن 14%، وهناك حالات مستجدة من الفقر المدقع.

ولكن هناك مؤشرات إيجابية ساندت الأردن، ومنها زيادة التبادل الاقتصادي الأردني مع دول كبرى خارج الوطن العربي مثل الولايات المتحدة والصين والهند. وأكبر شركائها التجاريين من العرب هم المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر. ولكن الواضح أن الأردن الذي يصدر سنوياً حوالي 16 مليار دولار يرسل منها ثلاثة مليارات دولار للولايات المتحدة معظمها ملابس بموجب الاتفاقية الحرة بين البلدين. وكذلك فإن 1.5 مليار أو أكثر تأتي للأردن حتى نهاية العام 2024 من الولايات المتحدة على شكل مساعدات، منها حوالي 850 مليون دولار تخصص لدعم الموازنة.

ويشكل هذان الرقمان (وهما الصادرات للولايات المتحدة والمساعدات منها) في غياب الدعم العربي حوالي 4.5 مليارات دولار سنوياً. ولكن أي خلاف جاد مع الولايات المتحدة سوف يؤثر على الأردن بأكثر من ذلك بكثير. فهناك قانون "سيزر" (قيصر) الذي يحدد حجم التبادل التجاري والخدمي مع الجارة سورية، ويحول دون تزويد لبنان بالكهرباء. والمنفذ الوحيد الذي بدأ الأردن يصدر منه الكهرباء الفائضة لديه هو المؤدي إلى غرب العراق في محافظة الأنبار على الحدود الأردنية - العراقية. ولذلك، فإن استمرار الحرب على غزة بتأييد أميركي صارخ وتجاوز الدولة العبرية لكل الأعراف والنظم والقواعد الدولية في الضفة الغربية المحتلة وتهديدها بضم أراضي الضفة وقيامها بتفريغ غزة من السكان باتفاق مع ترامب، سيفرض على الأردن تحديات جديدة.

أمام هذا الواقع، وهذه التحديات فإن قلوب الأردنيين -وإن خلقت من حديد- لا تستطيع أن تبقى ساكنة ثابتة أمام هذه التقلبات. والملاحظ أن هذه المخاوف من الماضي والحاضر والمستقبل جعلت كثيراً من الأردنيين في حالة ذهول، وترى بعضهم سكارى وما هم بسكارى، ويسيرون فوق صفيح ساخن كما ورد في مسرحية الكاتب الأميركي تينيسي ويليامز "قطة فوق سطح من صفيح ساخن".

ولقد لاحظنا في الآونة الأخيرة ارتفاعاً في استخدام المخدرات وتهريبها، وإخواننا في المملكة العربية السعودية يطلعون علينا كل فترة بإعدام أردنيين تعزيراً بسبب تهمة تهريب المخدرات القادم معظمها عبر سورية. وصرنا نرى لغة ظننا أنها اندثرت تتحدث عن خلافات بين المكونات الأردنية المختلفة حيث عادت لغة المراجل والعنترية تعلو إلى السطح.

والسبب هو ليس تقاعس الحكومة في دعم برامج الحماية الاجتماعية وتوسيعها بدءاً من الملك عبدالله الثاني وولي العهد الحسين بن عبدالله الثاني والملكة رانيا العبدالله والهيئة الخيرية الهاشمية ووزارة التنمية الاجتماعية والديوان الملكي الهاشمي، ولكن أيضاً بفعل الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني من نقابات مهنية وعمالية وحركات نسائية فعالة نشطة مما يعتز به المرء. كل هذا موجود، ولكن "كومة" الهموم تزداد وتربو كل يوم، وقد ارتفع عدد الشيكات المرتجعة في الأردن خلال العام 2024 بنسبة 10% عن العام الذي سبقه. وكذلك يلجأ كثير من الأردنيين إلى الاقتراض أو تصفية الموجودات الثابتة كالعقار لكي يسدوا نقص السيولة الناتج عن أن الأردنيين ينفقون أكثر من دخولهم.

وهذه الأمور كلها هي محاولات الأسر الأردنية لكي تستطيع توفيق أوضاعها في ظل ارتفاع الأسعار، وتحول كثير مما كان يعتقد أنه سلع رفاه إلى سلع ضرورية. فنظام النقل غير المنتظم رغم المساعي لتنظيمه يفرض على العائلات شراء سيارة أو أكثر. وكذلك، فإن عدد الهواتف النقالة في الأردن حسب آخر إحصائية متاحة يفوق عدد سكانها. وترتيب الأردن في هذا المؤشر هو 62 بين دول العالم.

والحقيقة التي تضع الضغوط على الأردن أكثر، هي تراجع التجارة مع الجيران، خاصة سورية والعراق والضفة الغربية المحتلة التي تتحكم في مداخلها دولة الاحتلال.

ولكنْ هناك أمور أخرى. فالأردنيون من أكثر سكان العالم استهلاكاً للسجائر حيث تبلغ نسبتهم 43% من السكان. وقانون منع التدخين هو من أكثر القوانين مخالفة في الأردن، حتى من قبل أعضاء مجلس الأمة تحت قبة البرلمان (الآن بدأ التشدد أكثر).

وهنا تبدو المعضلة التي تبين أن الأردن من ناحية، يحقق من الضرائب والرسوم المختلفة على السيارات والمحروقات والسجائر والمشروبات عامة وبخاصة الغازية منها، مبالغ قد تداني أربعة مليارات دينار، أو ما يساوي تقريباً 40% من جميع الضرائب (خاصة المبيعات)، وهذا يجعل الحكومة متضامنة مع المدخنين ومستهلكي الوقود الأحفوري ومشتقاته والسيارات والمشروبات الغازية.

ولكن من جهة أخرى، فإن الدراسات عن مدى ما تتكبده الخزينة العامة سنوياً بسبب الإنفاق على علاج المرضى (السرطان والسكري وأمراض القلب والفشل الكلوي) بسبب هذا الاستهلاك، تشير إلى أنها غير كافية.

إن معظم الأسئلة الاقتصادية في الأردن لا تنصب حالياً على هذه القضايا الاجتماعية الأسرية الإنسانية التي يجب أن تواجه، بل على أسئلة أصحاب الدخول العليا أو العاملين في الخارج الذين يريدون الحفاظ على مدخراتهم التي كوّنوها بشق الأنفس: ماذا سيحصل للدينار؟ وهل نشتري دولاراً؟ أم هل نشتري ذهباً؟ أم عملات أخرى؟ أم هل نستثمر في ملاذ آمن آخر كالعقار؟

أرى أن يقوم البنك المركزي الأردني والفريق الاقتصادي في الحكومة بالشرح للناس مباشرة وبأسلوب شفاف عن السؤال: لماذا باع البنك المركزي كما ورد في نشرات مالية دولية موثوقة ثلاثة أطنان من الذهب؟

وفي رأيي أن الأمر ليس ذا أهمية كبرى على وضع الدينار، لأن العملية كانت استبدال رصيد برصيد آخر. أما الحقيقة الأساسية فهي أن البنك المركزي عنده أكثر من 20 مليار دولار أرصدة بالعملات الأجنبية كافية بكل المعايير لحماية سعر صرف الدينار وتثبيت استقراره.

وهناك آخرون يخافون على الدينار المربوط بالدولار من هبوط سعر العملة الأميركية التي تراجعت بشكل واضح منذ أعلن ترامب حربه التجارية عبر الرسوم الجمركية على العالم بتاريخ الرابع من شهر مارس/ آذار هذا العام، وكيف أدت خلال الأسبوع الماضي إلى تراجع سعر صرف الدولار مقابل اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني والفرنك السويسري، وتساءل كثير من الأردنيين: ماذا نفعل؟ والجواب عندي واحد لا غير، أن الغالبية العظمى من دخلنا هي بالدولار، ومعظم فواتيرنا الخارجية تسدد بالدولار. والعملات ستبقى مرشحة للتذبذب حول سعر الصرف الأصلي. وليس لنا مصلحة في المخاطرة باستخدام سعر صرف الدولار وسيلةً سياسة نقدية. إن أسهل الطرق هو السعي لزيادة موجوداتنا من الدولار، لأنه رغم كل الحديث عن بدء تراجع نظام الدفع "سويفت" ولاستخدام الدولار عملةَ تبادل دولية، فإن هذا لن يحصل الآن بشكل مؤثر، بل في المستقبل غير القريب.

على المسؤولين الاقتصاديين في الأردن أن يسعوا بكل جهد لزيادة الإنتاج الوطني وتأهيل القوى البشرية والبحث عن أماكن كثيرة من خلالها يمكن تقليل استيراد الأردن من السلع والخدمات وتعظيم القابل منها للتصدير. وهناك خطوات إيجابية في ذلك الاتجاه في وزارات مثل الزراعة والاقتصاد الرقمي وتمكين الشباب والمرأة، وكذلك السعي بخطى مستنيرة لتوسيع فرص العمل أمام العمال الأردنيين من قبل وزارة العمل خاصة، والحكومة عامة.