جون كيربي .. ملك الدراما

ديسمبر 23, 2023 - 10:19
جون كيربي .. ملك الدراما
نحن بصدد شخصية رفيعة وتكاد تكون صورة ونموذجاً حقيقياً ولامعاً للنجاح بمعناه الامريكي والعالمي ايضاً، نحن نتحدث عن جون كيربي منسق مجلس الامن القومي الامريكي للاتصالات الاستراتيجية، اذ ان سيرته الذاتية والعملية تعكس هذا الجهد و الدأب والنجاح بل واللمعان ايضاً.
فمن متحدث بإسم وزارة الحرب الى متحدث بإسم الخارجية الامريكية وهو منصب رفيع وهام في الحياة الدبلوماسية الامريكية والعالمية واخيراً الى متحدث بإسم اهم و أرفع مجلس أمني قومي للولايات المتحدة.
جون كيربي مثير للانتباه، فهو كاثوليكي مثلا، وكانت اولى درجاته الجامعية في الفنون، ولكنه انتقل سريعاً الى الخدمة العسكرية في البحرية الامريكية حصل بعدها على درجتي ماجستير في العلاقات الدولية والامن القومي والدراسات العسكرية برتبة لواء، بكلمات اخرى، نحن امام رجل كامل الاوصاف ، سيرته الذاتية والعملية سيرة مشرفة ومصقولة تخلو من العيوب والشوائب ، وتتميز بالمرونة والتقدم والنجاح وتسنم المناصب الاكثر اهمية في الحياة السياسية الامريكية، وربما يشكل هذا النموذج حلم كثير من الشبان الامريكيين الراغبين في الانخراط في الحياة العملية الامريكية التي تتميز بالتنافس الشديد والمعايير الدقيقة والشديدة ايضاً.
هذه الشخصية الرفيعة، التي تمثل الشخصية الامريكية والسياسية الامريكية و الثقافة الامريكية، تتميز بكل ما سبق من صفات و مزايا، فهي مرنة بما يكفي لأن تتبرأ من اي موقف سابق، وان تبرر كل جريمة او تجملها او تسوقها او او تنقلها من مفهوم الى مفهوم.
جون كيربي بعضلات وجهه المرنة وسهلة الحركة والقادرة على تمثيل اي موقف مهما بلغ تعقيده ونظرة عينيه الثاقبتين وحركة شفاهه الرفيعة التي يضيف بها على كلماته معنى آخر، كل ذلك جعل منه نموذجاً حقيقياً و ملموساً للموقف الامريكي على اطلاقه، فهي تستطيع ان تتخذ الموقف و نقيضه بنفس اللحظة، وهو يستطيع ان يكون نصيراً للانسانية وحقوق الانسان هنا وان يكون عكس ذلك هناك، لديه قدرة بلاغة و قاموس كبير من المفردات يستطيع من خلاله ان يصوغ موقف بلاده السياسي و العسكري اوحتى الاخلاقي بطريقة خليطة ما بين السذاجة والخبث والذكاء وتصنع الغباء وانكار الواقع او تخيله او خلقه.
لغة هذا الرجل لغة تشبه سياسة بلاده وتاريخها ايضاً، فهي لغة الاطماع والعدوانية و الشهوانية والاستعلاء في غلاف من ادعاء الاخلاقية والتنويرية والحداثة، لغة مضحكة عندما تدعي الرفعة والاخلاقية والقانونية فيما هو تسويغ للاحتلال والاستحواذ و الدفاع عن المصالح.
المشكلة هنا، كما تتجلى لدى جون كيربي ان الرجل ـ ورغم ذكائه بالتاكيد ـ يجهد نفسه في البحث عن صياغات لغوية بالغة الدقة للتعبير عن الموقف الامريكي المتناقض، ولان الرجل ـ لخلفيته الفنية ربما او خلفيته الكاثوليكية ربما ـ يشعر بهذا التناقض، فتتحرك عضلات وجهه وشفاهه بطريقة يتضح فيها التناقض بين الموقف الاخلاقي والموقف السياسي بطريقة يبدو فيها الرجل غير واثق على الاطلاق من كلامه، فيرتبك ويرمي بصره الى الارض، ويهز قبضته في الهواء، ويزم شفتيه ثم يفردهما، وتبدو المسافة واضحة بين مواقف امريكا وما تدعيه من مبادئ وقيم.
يبدو الرجل في لقاءاته الصحفية ملكاً للدراما حقاً، ذلك ان الممثل الحق يعرف ان الكلام له جسد وان الجسد له كلام وانه لا يمكن الفصل بينهما، وكيربي، الذي تعودنا على تصريحاته وكلامه وعضلات وجهه يعرف تماماً انه يعبر عن سياسات بلاده لا عن قيمها، وما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية اكبر دليل على ان الحقوق لا يمكن ان تغطى بغربال او تمحى لمجرد بلاغة فائقة او قدرة مميزة على التخلص من الحرج او الاحراج.