تريند جيبلي وكنز المعلومات الصورية

أبريل 7, 2025 - 11:36
تريند جيبلي وكنز المعلومات الصورية

عبد الرحمن الخطيب

خلال الفترة الأخيرة اجتاح الإنترنت تريند جديد تحت مسمى "جيبلي"، وهي تقنية قائمة على تحويل الصور العادية إلى أسلوب الرسوم المتحركة المستوحى من استوديو جيبلي الياباني والذي يعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعيد رسم الصور بأسلوب معين ما يفتح الباب لتساؤلات أعمق حول أهمية الصور الرقمية في الذكاء الاصطناعي ودورها في تشكيل تقنيات المستقبل.  

الصور لم تعد مجرد ذكريات رقمية أو وسيلة للتواصل البصري بل أصبحت من أهم مصادر البيانات التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي لتطوير قدراته، خصوصا في مجال معالجة الصور والتعرف على الوجوه النماذج الحديثة تحتاج إلى كميات هائلة من الصور بجودة ودقة عالية مع تنوع في الإضاءة والزوايا والتعبيرات حتى تتمكن من تحقيق أداء مقارب للإدراك البشري فكلما كانت البيانات أكثر تنوعا ودقة زادت قدرة الأنظمة الذكية على فهم وتحليل الصور بشكل أكثر تطورا .  

تطبيقات مثل "جيبلي" تعتمد على تقنيات متقدمة مثل التعلم العميق والشبكات العصبية التوليدية التي تحتاج إلى مجموعات بيانات ضخمة من الصور لتتعلم منها أنماط الألوان والخطوط والتفاصيل الأسلوبية ولكن هذا التوجه يفتح أسئلة أخرى حول الخصوصية واستخدام البيانات الصورية دون إذن، خاصة مع صعود تقنية التزييف العميق وإمكانياتها المتزايدة في التلاعب بالوجوه والمعلومات المرئية هذه التقنيات قادرة على إنشاء صور مزيفة لكنها تبدو حقيقية تماما مما يثير مخاوف تتعلق بالأمان الرقمي وإمكانية استخدام الصور في عمليات احتيال أو تضليل.

  

"وجوهنا تحت مجهر الذكاء الاصطناعي"

صور الوجوه تحديدا أصبحت الذهب الجديد في عالم الذكاء الاصطناعي إذ يتم استخدامها في العديد من المجالات مثل التعرف على الهوية وتحليل المشاعر وتوليد شخصيات رقمية واقعية ولكن ليس أي صورة تصلح لهذا الغرض، إذ تحتاج الأنظمة الذكية إلى صور عالية الجودة بزوايا واضحة وإضاءة متوازنة حتى تتمكن من استخلاص السمات الدقيقة للوجه وبالتالي فإن هذه التطبيقات أحيانا تطلب منا ارفاق صورنا بمواصفات معينة كلون خلفية الصورة أو أبعادها او المسافة بين جهاز التصوير ( الهاتف المتنقل غالبا) ووجوهنا.

في العديد من الدول تُنظَّم هذه البيانات بشكل صارم لحماية الخصوصية حيث توجد قوانين تمنع استخدام الصور دون إذن أصحابها حتى في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي ولكن في بلداننا لا تزال هناك فجوة كبيرة في الوعي حول أهمية الصور كمصدر للبيانات وكيف يمكن أن تُستخدم بطرق قد لا يتوقعها البعض فهم يرفعون صورهم على منصات الإنترنت دون إدراك أن هذه الصور قد تدخل في تدريب أنظمة ذكاء اصطناعي دون علمهم وقد يتم استخدامها في مجالات أخرى مثل الإعلانات أو الأبحاث أو حتى لأغراض أمنيةدون أي تحكم منهم.  

الذكاء الاصطناعي اليوم لم يعد مجرد أداة بل أصبح عاملا رئيسا في تشكيل المستقبل وهو يعتمد بشكل أساسي على البيانات التي ننتجها يوميا دون أن نشعر ومع ذلك فإن جزءً كبيرا من النقاش في مجتمعاتنا العربية والإسلامية حول الذكاء الاصطناعي يدور حول الفتاوى المتعلقة بحكم استخدامه مثل "هل التعديل على الصور حلال أم حرام؟"وهذا يعكس مدى الفجوة بيننا وبين العالم في التعامل مع التكنولوجيا فبدلا من التركيز على تطوير هذه التقنيات وفهم أبعادها وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية أصبحنا نناقش مشروعيتها وكأننا مجرد مستهلكين لهذه التكنولوجيا ولسنا جزءً من صناعتها أو توجيهها.  

في الوقت الذي تتسابق فيه الدول على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة نجد أنفسنا في موقع المتفرج نستهلك التقنيات دون أن نكون جزءً من صناعتها بينما تتعامل شركات التكنولوجيا الكبرى مع الصور باعتبارها الذهب الرقمي للمستقبل لا تزال ثقافتنا حول البيانات الرقمية ضعيفة وغير منظمة ومن دون وعي حقيقي بقيمة الصور كمصدر للمعرفة والتطوير العلمي سنظل بعيدين عن السباق.  

تريند "جيبلي" وغيره من الاتجاهات القائمة على الذكاء الاصطناعي ليست مجرد موجات ترفيهية عابرة بل هي إشارات إلى تحولات أعمق في كيفية تفاعلنا مع التكنولوجيا ومع البيانات الرقمية السؤال الحقيقي الذي علينا طرحه ليس ما إذا كانت هذه التقنيات حلالا أم حراما بل كيف يمكننا أن نكون جزء من تطويرها والتحكم في مستقبلها وكيف يمكن أن نستخدمها لصالحنا بدلا من أن نكون مجرد مستهلكين سلبيين لها.

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي