المسؤولية الفردية والقيادة المسئولة (الناضجة)

دروس  من سورة ياسين الجزء الاول

مارس 22, 2025 - 14:17
مارس 22, 2025 - 14:18
المسؤولية الفردية والقيادة المسئولة (الناضجة)

المسؤولية الفردية والقيادة المسئولة (الناضجة)

دروس  من سورة ياسين الجزء الاول

محمد قاروط ابو رحمه

في الآيات التالية من سورة ياسين دروس عديدة

بسم الله الرحمن الرحيم 

) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ (23إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ .(27)صدق الله العظيم

في الآية ) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) في هذه الآية يطلب الخالق سبحانه وتعالى من النبي محمد صل الله عليه وسلم أن يضرب لقومه مثلا ليسهل عليهم فهم ما يريد لهم من خير.

والأمثال مصدرها تجارب من  حياة الأمم تستخدم لتلخيص تجربة الماضي وتقديم خلاصة التجربة والعبرة بأقل الكلمات، والمثل فيه الحقيقة الناتجة عن تجربة او أكثر.

وهذا هو الدرس الأول تعلم الحكمة من المثل والعلم بالفهم

(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت:43)

والمثل كما ذكر أبو حفص عماد الدين فضلون في مقال منشور على صفحة طريق الإسلام على الشابكة بعنوان (الأمثال في القران):

الأمثال: جمع مثل، والمَثل والمِثل والمثيل: كالشَّبه والشِّبه والشبيه لفظًا ومعنى. والتمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير. ويرى العلماء: أنَّه لا بد أن "تجتمعَ في المثلِ أربعة لا تجتمعُ في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة". ولا شكَّ عند كثير من الباحثين أنَّ الكلام:  إذا جعل مثلاً كان أوضحَ للمنطقِ وأنق للسمع، وأوسع لشعوبِ الحديث.

 فلت فإن كان المثل كذلك فلا عجب من قول الله سبحانه (وَمَا يَعْقِلُهَا) أي لا يفهم الأمثال (إِلَّا الْعَالِمُونَ).

وهنا جوهر الأمر

(الْعَالِمُونَ) وهذه أول خصائص القيادة الناضجة امتلاك المنهج العملي المبني على التجربة وتراكم الخبرة.

(الْعَالِمُونَ) يفهمون العلم ويوظفونه لخدمة أهدافهم.

(الْعَالِمُونَ) يستخدمون العلم ولا يستخدمهم.

(الْعَالِمُونَ) هم الذين يقرؤون التاريخ ليتعلموا منه.

(الْعَالِمُونَ) تعددت تجاربهم فتعدد علمهم.

(الْعَالِمُونَ) من يمتلكون الحكمة.
يقول ابن القيم رحمه الله في تعريف الحكمة (الحِكْمَة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي).

 وأزيد من عندي وفي المكان الذي ينبغي فعله

والهدف من المثل الاحتجاج ومن الحكمة التنبيه والإعلام والوعظ.

ولان المثل فيه الحقيقة الناتجة عن تجربة، تلك التي نعتبرها أما لجميع أنواع المعرفة، فانه يستخدم للاحتجاج.

 أما الحكمة فهي تحديد شرط سلوكي وقيمة أخلاقية، وقد تصدر عن رؤية حدسية دون تجريب واقعي.

 وتستخدم (الحكمة) في سبر غور الواقع (فهمه) والتنبيه بمشكلاته وطرق حلها.  

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269() سورة البقرة

المثل يعبر عن تجربة الماضي، والحكمة توجيه للمستقبل.

((الْعَالِمُونَ)  حكماء تعلموا من الماضي وفهموا الحاضر وقرروا بناء المستقبل.

  والدرس الثاني استمرار التعلم:

الاطلاع على تجارب الذين سبقونا والتي تعني استمرار التعلم.

هذا درس مستقل لان استمرا التعلم بجعلك اكثر قدرة على الفهم والحكمة، ويبقيك استمرار التعلم على دراية بالتطورات العلمية والاكتشافات التي تساعدك على القيام بواجبك.

والدرس الثالث القدرة على استخلاص العبر من تجارب الآخرين:

وهذا الأمر يلزمه تعلم التفكير وأنواعه والتحليل والتركيب.

والدرس الرابع القدرة على الخطابة (التكلم مع جمهور):

وهذا يتطلب معرفة بالإصغاء والاتصال الفعال ولغة الجسد والإيجاز والتلخيص وفنون الكلام ومداخله، وكيفية عمل المقدمات للمواضيع، إن هذا الآية هي مدخل سلسل لإبلاغنا عن تجربة أهل القرية والمرسلين إليها.

الدرس الخامس العمل الجماعي والقيادة الجماعية:

تزداد أهمية وقيمة العمل الجماعي في الأوقات الصعبة او المهمات الخاصة (ِإذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ ثْنَيْنِ).

الدرس السادس الاحتياط بالموارد البشرية:

يعتبر المورد البشري والكفاءات البشرية ذات أهمية خاصة، لذلك من المفيد الانتباه إلى استثمار هذه الموارد بحكمة والاحتفاظ دائما باحتياط من هذا المورد. (عَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ).

الدرس السابع المثابرة حتى انجاز المهمة:

القائد المثابر يستمر بالعمل حتى انجاز المهمة، ويستخدم ويستثمر كل مورد وفرصة لتحقيق أهدافه.

الدرس الثامن، وحدة الرسالة ووضوح المهمة:

على القيادة دائما توضيح وتحديد المهمة  والرسالة بشكل لا يقبل التأويل

(فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ).

الدرس التاسع حدود المهمة:

يجب ان تكون حدود المهمة واضحة ومعلنة ومفهومة:

وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17

الدرس العاشر معرفة خصائص الفئة المستهدفة:

على القيادة معرفة خصائص الفئة المستهدفة من جهودها، وتزويد المكلفين بالمهمة بالتوجيهات المناسبة بكيفية مخاطبتهم.

أهل القرية المرسل لها المرسلون يعرفون ويقرون بوجود الرحمن. (وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ) وهذا يفسر أن الله لم يزود المرسلين الثلاثة بآيات ومعجزات كما ورد في إرسال سيدنا موسى عليه السلام  إلى فرعون إذ قال الله سبحانه وتعالى (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42( طه).

لذلك كان رد المرسلين على عدم تصديقهم،قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ).

الدرس الحادي عشر القدرة على تحمل الأذى:

(فَكَذَّبُوهُمَا)، (إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ)، (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)

الدرس الثاني عشر تقبل فشل المهمة:

جوهر تقبل فشل المهمة في أمرين الأول: عدم تحويل الفشل في أداء المهمة  إلى خلاف شخصي بين المكلفين بالمهمة والجهة التي سينفذ عليها المهمة، وهذا يعني الحفاظ على الهدف حتى لو فشل المكلفون به.  والامر الثاني عدم ارتكاب أخطاء نتيجة فشل المهمة.

 وقد عالج القران ذلك بنص لطيف (قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)، أعاد لهم ما قالوه عن التطير وذكرهم بأنهم مسئولين عن التطير لأنهم لم يقبلوا التذكير من المرسلين، ووصفهم بأنهم أسرفوا في الغي والكبر ورفضهم التذكير.

هذا ما اجتهدت به فان أصبت فذلك توفيق من الله وان أخطأت علي خطئي