واشنطن والخطة العربية لغزة ، بين إعادة الإعمار وإعادة الترتيب السياسي .

فبراير 21, 2025 - 16:57
فبراير 21, 2025 - 16:58
واشنطن والخطة العربية لغزة ، بين إعادة الإعمار وإعادة الترتيب السياسي .

 مروان أميل طوباسي 

 شهدت الرياض جولات من المفاوضات الروسية الأمريكية ، حيث تناولت قضايا عدة في المنطقة، بما في ذلك الوضع في غزة والقضية الفلسطينية وفق مصادر صحفية ، اضافة بالطبع لموضوع أوكرانيا ومسائل اخرى متعلقة باوروبا التي هاجمها نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر ميونخ قبل أيام . هذه المفاوضات جاءت في وقت حساس، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وتوجيه رسائل محددة للولايات المتحدة حول إعادة ترتيب منطقتي الشرق الاوسط بما في ذلك الأدوار الايرانية والتركية ووسط أوروبا. ورغم تباين مواقف القوى الكبرى ، فإن هذه اللقاءات قد يكون لها تأثير مباشر على كيفية تعامل واشنطن مع المقترحات العربية بشأن غزة، وتفتح المجال لفرص تفاوضية جديدة قد تضع في الاعتبار مصالح الأطراف المختلفة في المنطقة ، في حال إصرار الطرف العربي على موقف موحد في مواجهة اسرائيل والموقف الامريكي نفسه .

ورغم مشاركة منظمة التحرير بالقمة العربية بالقاهرة الإسبوع المقبل ، الا انها مغيبة عن الحضور في لقاء عربي مصغر تشارك به ثماني دول تُعقد اليوم الجمعة بالرياض ، في خطوة تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي في غزة . حيث تأتي هذه المبادرة ضمن محاولات إعادة الإعمار كبديل لتوجهات ترامب . هذه المبادرة يجب ان تحمل أبعادا استراتيجية لا تتفق مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية بل ضرورة مواجهتها ان اراد العرب اليوم ذلك ، مما قد سيطرح تساؤلات جوهرية حول مدى تقبل واشنطن لهذا المخطط في حال التوافق العربي عليه وهو ما يتطلب جرأة تحدي الأملاءات الأمريكية ، ومدى تاثير ذلك باستعداد الأمريكان للتخلي عن رؤيتهم المعلنة لغزة والقضية الفلسطينية بشكل عام والتي تشمل سيناريوهات لن تخدم قضايا شعبنا الفلسطيني .

ورغم انه من غير المعتاد أن يتم استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية من مثل هذه اللقاءات ، خاصة عندما يتعلق الأمر بمناقشة قضايا مصيرية مثل خطة ترامب . الا ان الغياب بالرياض قد يكون نتيجة لتباين المواقف مع بعض الدول العربية المشاركة ، أو ربما بسبب غياب توافق داخلي حول كيفية التعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية ، مما ينعكس على قدرة الجانب الفلسطيني على التأثير في مثل هذه المحافل بهذه الظروف .

الا انه وفي ظل الواقع الدولي الحالي ، يمكن استقراء الموقف الأمريكي عبر مقارنته بطريقة تعامل واشنطن مع ملفات أخرى ، مثل أوكرانيا وزيلينسكي ، حيث لعبت الولايات المتحدة دورا مزدوجا يتمثل في دعم عسكري وسياسي مكثف مترافق مع فرض رؤية خاصة لكيفية إدارة الأزمة بما يخدم مصالحها ، وهو مبدأ يعتمد الأستنزاف حتى الأستنفاذ لمن تعاونوا مع واشنطن عبر تاريخ علاقاتها معهم . والسؤال المطروح هنا ، هل ستتبنى واشنطن نهجا مشابها في غزة ، بحيث تدعم الخطة العربية بشرط أن تبقى تحت إشرافها المباشر وتخدم مصالحها، أم أنها ستعمل على إفراغها من مضمونها، كما فعلت مع العديد من المبادرات السياسية السابقة واستمرار استنزاف العرب ؟

فمنذ أن طرحت إدارة ترامب خطتها للشرق الأوسط، كان التهجير القسري لسكان غزة ضمن السيناريوهات التي جرى الترويج لها في إطار تنفيذ رؤية الشرق الأوسط الجديد رغم نطنطة ترامب بمواقفه المعلنة . وبالرغم من تغير الإدارات في واشنطن ، لم يتغير كثيرا نهج الولايات المتحدة في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث ما زالت تسعى لفرض واقع يخدم إسرائيل، سواء عبر دعم تل أبيب عسكريا وسياسيا واقتصاديا، أو عبر عرقلة أي جهود تعتمد على توحيد غزة والضفة وإنهاء الأحتلال وتؤدي إلى تجسيد الدولة الفلسطينية المتواصلة وذات السيادة . لذلك ، حتى وإن لم ترفض واشنطن صراحة المقترح العربي ، فمن المرجح أن تعمل على تعديله ليصبح أداة لتمرير السياسات الإسرائيلية .

التحدي الأساسي الذي تواجهه الدول العربية يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين رغبتها في إعادة الإعمار لمنع التهجير إلى أراضيها وضمان أمنها الوطني وان لا تتحول غزة إلى ساحة صراع جديدة من جهة ، وبين الضغوط الأمريكية والإسرائيلية الساعية لإبقاء القطاع في حالة ضعف مزمنة من جهة اخرى او اعادة الحرب عليها وفق رغبات نتنياهو لضمان البقاء في موقعه ، الا اذا دفعت الولايات المتحدة باتجاه تغير شكل حكومة الأحتلال ليخدم مصالحها بالمنطقة بشكل اكبر .

 وبالنظر إلى تجارب سابقة، فإن أي مبادرة عربية لا تحظى بغطاء أمريكي ستكون عرضة للإجهاض أو التشويه لان العرب ارتضوا على انفسهم بالسابق السير في مسار عدم المواجهة مع الولايات المتحدة والارتكان الى سراب وعودها . كما أن نجاح الخطة يعتمد على قبول منظمة التحرير الفلسطينية بها ، وهو أمر قد لا يكون مضمونا، خاصة إذا تم فرض لجنة فلسطينية مستقلة عن حكومة السلطة الوطنية ، بما يعكس رغبة بعض الدول العربية في تقليص نفوذ القيادة الحالية للسلطة بما يخدم محاولة فرض رؤيتهم حول "السلطة المتجددة" بما سيكون مقبولا أمريكيا .

أما إسرائيل، فمن غير المرجح أن تدعم أي صيغة تعيد الاعتبار للوحدة الفلسطينية السياسية والجغرافية. وإذا كانت الولايات المتحدة قد تعاملت مع زيلينسكي باعتباره ورقة وظيفية في أوكرانيا، فقد تفعل الشيء ذاته مع بعض الأطراف الفلسطينية التي ستُستخدم لإدارة غزة ، دون منحها أي هامش حقيقي للقرار المستقل . وهذا يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية اللجنة الفلسطينية المقترحة ، وإن كانت ستتحول إلى كيان وظيفي آخر يخدم أجندات خارجية بدلاً من أن يكون تعبيرا عن الإرادة الفلسطينية بمرجعية منظمة التحرير والتي في هذه الحالة يجب ان تُمثل الكل الوطني الواسع واستقلالية قرارها الوطني .

في هذا السياق، قد تلعب المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار ، بوساطة مصرية وقطرية، دورا محوريا في تحديد مستقبل غزة . فإذا تم التوصل إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار وإدارة ما بعد الحرب ، فقد يؤثر ذلك على مدى تقبل الأطراف المختلفة للخطة العربية او قد تتأثر الخطة العربية بذلك . ولكن ، إذا استمرت المفاوضات في التعثر ، فإن أي مبادرة سياسية ستظل رهينة الواقع الميداني وإمكانية اعادة العدوان وتشكيل الأحتلال في غزة .

ومع استمرار سياسات الضم والتوسع الاستيطاني التي تتبناها إسرائيل في الضفة الغربية بما فيها القدس بدعم أمريكي ضمن مشروعها الصهيوني التوراتي ، فإن هذا التوسع لا يتوقف عند حدود تهجير الفلسطينيين من غزة ، بل يشمل مخططاتها لاستهداف ليس فقط المخيمات الفلسطينية بل الحغرافيا في مختلف المناطق المحتلة ، مما يشكل تحديا كبيرا أمام شعبنا الفلسطيني في الحفاظ على هويتهم ووجودهم على أرضهم في وجه ما يهدد وبشكل جدي وحدة الأرض والشعب الفلسطيني من خلال محاولات تجسيد مشروع إسرائيل الكبرى الأستيطانية .

إن استمرار هذه السياسات يجعل من الوحدة الوطنية الفلسطينية الواسعة أكثر أهمية من أي وقت مضى ، حيث لا بد من تكثيف الجهود بين مختلف الفصائل الفلسطينية والمستقلين والمجتمع المدني لضمان التصدي لهذه المخططات . فمن خلال تعزيز وحدة الصف الوطني الفلسطيني ووضوح الرؤية والبرامج والأدوات التي يجب ان تتسم بالتطور والتغيير وعدم الجمود ، وفهم طبيعة ضروريات التموضع السياسي الصحيح في ظل التحولات الجارية بالعلاقات الدولية وتمكين شعبنا من الصمود والمواجهة وفقا لرؤية واضحة ، يمكننا الوقوف في وجه التحديات الكبرى التي تحيط بالقضية الفلسطينية ، والشروع في تحقيق استقلالنا الوطني والعدالة والحرية لشعبنا اذا أحسنا نحن أدارة شأننا .