البائع والمشتري لــ"ريفييرا غزة"!

فبراير 12, 2025 - 09:44
البائع والمشتري لــ"ريفييرا غزة"!

نبهان خريشة

ترمب أصبح في عجلة من أمره في موضوع إقامة "ريفييرا غزة"، وذلك بعد أقل من 36 ساعة على تصريحة بعكس ذلك .. ولكن الجديد في تصريحه هذا، أنه هو الذي ينوي "شراء قطاع غزة" دون أن يصرح من البائع !!

  وما يفسر مثل هذه التصريحات، أن ترمب شخصية نرجسية مفرطة، بحسب كتاب للبروفيسور في علم النفس (دان ماك) بعنوان "حالة دونالد ترمب الغريبة: دراسة نفسية"، والذي جاء فيه أن الرئيس الأمريكي لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به، ولا يعترف أبدا بالهزيمة أو الفشل، كما حدث ذلك عند إفلاسه في التسعينيات، وبإرتكابه الأخطاء في أعماله التجارية والاستثمارية، بالإضافة إلى اعتقاده بأنه هو المنتصر دائماً، ولا يكترث بأي حقائق تفيد بعكس ذلك!.

وكان دونالد ترمب قال للصحفيين على متن طائرته الرئاسية حرفياً: " إنه ملتزم بشراء غزة وامتلاكها"، وأضاف بأنه قد يمنح أجزاء من القطاع لدول أخرى في الشرق الأوسط لإعادة بنائها دون أن يسميها، مشيراً إلى أنه "سيحوّل غزة إلى موقع للتنمية المستقبلية لأنها موقع عقاري مميز لا يمكن أن نتركه.. سنقوم بإعادة بناء غزة عبر دول ثرية أخرى في الشرق الأوسط".. وطالما أن أي صفقة تجاريه فيها طرفان: بائع ومشتر.. والسؤال هنا هو من البائع؟ 

ورغم عدم تصريح ترمب عن هوية البائع، فلن نأتي بجديد إذا قلنا بإن البائع هو قطعاً إسرائيل، لأن الفلسطينيين والهيئات السياسية التي تمثلهم على تعددها لا يعقل أنهم البائعون، بل على العكس تماماً فإنهم يكافحون منذ عقود للتخلص من الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتله. وما يدلل على أن إسرائيل هي البائع في حسابات ترمب، أنه قبل تأسيس الحركة الصهيونية بسنوات، نشطت عائلة روتشيلد اليهودية صاحبة الثراء الفاحش والنفوذ القوي في أوروبا بشراء أراضي في فلسطين، متسترة على أهدافها الحقيقية من شراء الأراضي يهدف لاقامة وطن لليهود في فلسطين، كما أن مؤسس الحركة الصهيونيه ثيودور هيرتسل، كان قد عرض على السلطان العثماني عبد الحميد شراء أراض في فلسطين لتوطين اليهود، مقابل أموال تمكن الدوله العثمانية من الخروج من ازمتها المالية 

وللولايات المتحدة  تاريخ في السطو على أقاليم من جاراتها وشراء أخرى، حيث شنت حرباً على المكسيك بين عامي 1846 و 1848، وانتزعت منها أقاليم كاليفورنيا ونيفادا ويوتا، ومعظم إقليمي أريزونا ونيومكسيكو، بالإضافة لأجزاء من كولورادو وويومينج، كما أنها اشترت ولاية لويزيانا من فرنسا النابليونية بـ 15 مليون دولار في عام 1803، واشترت ألاسكا من روسيا في عام 1867 بسبعة ملايين ومائتي ألف دولار !!! ولكن ترمب لم يقل إن حكومة الولايات المتحدة هي من سيشتري قطاع غزة، أو سترسل قوات لاحتلاله، بل قال " أنا سأشتري" و"أنا سأمتلك" !!

ترمب يعتقد أنه بإمكانه شراء أي منطقة في العالم لاستثمارها عقارياً، فهو يمتلك شركة دولية  تتخذ من برج ترمب وسط حي مانهاتن في نيويورك مقرا لها، ويمتلك العديد من المشاريع التجارية والاستثمارية في الولايات المتحدة وخارجها. ومن مشاريع شركاته خارج الولايات المتحدة مثلاً، تحالفه مع شركة "دار جلوبال" السعودية لبناء "فِلَلٍ" بإطلإلات على خليج عُمان في العاصمة مسقط، وبتكلفة تصل لنحو 200 مليون دولار. كما أن لترمب مشاريع عقارية وعلامه تجارية في روسيا، رغم نفىه لوجودها بعد أن أثيرت قضية ما عرفت بـ "ملف روسيا- ترمب"، عندما كان يشغل رئيس الولايات المتحدة في العام الأول من ولايته الأولى. 

ولكن هل لترمب أن "يشتري" قطاع غزة لإقامة مشاريع عقارية به كمن يشتري "السمك في البحر"؟

إن ترمب إعلن في آخر تصريح له حول مشروع "ريفييرا غزة" أنه هو شخصياً من سيشتري ومن سيطور هذه "الريفييرا" وبالتالي فإنه لا يفكر بل لا يتمكن، من إرسال قوات أمريكية لإحتلال قطاع غزة لخدمة مشاريعه التجارية الخاصة، ولهذا فإن السيناريو المحتمل لتنفيذ صفقة بيع وشراء "ريفييرا غزة" هو اعتماده على صديقه نتنياهو، بالاستحواذ على قطاع غزة لطرد الفلسطينيين في سياق صفقة "مقايضة" بينهما، تقضي باستئناف نتنياهو الحرب على غزة للقضاء على أي أمل للغزيين لإعادة إعمار مدنهم وبلداتهم ومخيماتهم، وتشديد القيود على إدخال المساعدات المنقذه للحياة لهم، مما قد يجبرهم على الهجرة إلى دول قد يتفق ترمب معها على توطيينهم. 

ومقابل خدمات إسرائيل لترمب، فإنه من جهته سيوفر الدعم العسكري والمالي والسياسي لإسرائيل، بالإضافة إلى اعتراف إدارته بسيادتها على الضفة الغربية أو أجزاء منها، وإطلاق يدها قتلاً وتدميراً في الضفة الغربية، بهدف دفع المواطنين للهجرة منها أيضاً. وإذا نجح هذا السيناريو، فإن ترمب لن يعدم الوسائل لعقد صفقات تجارية بين شركاته وشركات إسرائيلية، لتنفيذ مشروع "ريفييرا غزة"، بإقامة المنتجعات وكازينوهات القمار وبيوت الدعارة فيها، بالإضافة لإستخراج النفط والغاز من باطن أرضها ومن بحرها وشواطئه. 

إن الحديث عن "شراء" قطاع غزة او تطهيره من سكانه لإقامة مشاريع عقارية، ما هو الا هلوسات وأحلام يقظه، لأنه على ما يبدو أن ترمب لم يشاهد السيل البشري الذي تدفق من جنوب القطاع الى شماله المدمر بالكامل، بعد سريان اتفاق وقف اطلاق النار وتبادل الأسرى، وهذا السيل البشري يؤشر على أن الغزيين بعودتهم إلى مناطقهم التي يعلمون أنها مدمرة متمسكون بأرضهم، ولديهم العزم على إعادة إعمار ما يتمكنون من إعماره. وكذلك فإن على ترمب أن يقرأ تاريخ القضية الفلسطينية، ليفهم أن ما يصرح به عن توطين الفلسطينيين خارج غزة والضفة الغربية مجرد هراء، فمشروعه حول تهجير الغزيين لإقامة "ريفييراته" يضاف إلى أكثر من أربعين مشروعاً مشابهاً له بطريقة أو بأخرى، لتهجير اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية منذ 1948 إلى اليوم، وكان مصيرها جميعاً الفشل،  فلا هي نجحت في توطين اللاجئين، ولا هي أنستهم حق العودة إلى ديارهم. 

وعاجلاً أم آجلاً فإن ترمب سيدرك أن الفلسطينيين ليسوا هنوداً حمر، كما أنهم ليسو شعباً زائداً على البشرية وأن أرضهم ليست للبيع.