سيمفونية الأمل في قلب الظلام

ديسمبر 28, 2024 - 10:35
سيمفونية الأمل في قلب الظلام

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

مضى عامٌ والنوازل تتساقط كالنيران من السماء، بينما الصواعدتنبثق لهيبًا من أعماق الأرض، حتى أصبح الوجع يتجول في الهواءوالماء. اختبأ الناس في أنفاسهم، وضمت الأمهات صغارهن إلىصدورهن، محتضناتٍ شهقاتهن، لكن دون أن توقف رعشاتها،والأرصفة تئن من الألم بعد أن سكن الليل في شقوق المبانيوالطرقات، تفوح من جنبات المدينة رائحة الشواء، لكنها ليست لحمطير مما تشتهي النفس، بل هي لحم طيور الجنة البريئة التيتصعد إلى درب السماء.

تعلمنا في المدرسة أن النار تحمينا من البرد، وتساعدنا في طهيالطعام، وتبدد ظلمة الليل، وغير ذلك من الإيجابيات؛ سامحهم الله،فلم يخبرونا أنها سبب فناء من نحب، وأنها تدمر الثروات والزينة فيهذه الحياة التي وجدنا أنفسنا فيها دون اختيار. لم نتعلم أنالشمس تتوهج بأنوار الشهداء، وأن النوازل والصواعد تتفاعل فيالقضاء على موارد قوتنا ورغيف خبزنا. كما أننا لم نعرف أن النار،رغم فوائدها، يمكن أن تكون رمزًا للدمار والخراب، وأنها قد تأكلالأخضر واليابس، وتترك خلفها ذكريات مؤلمة وقلوبًا محطمة. ربماكان ينبغي أن نتعلم كيف نتعامل مع هذه القوة المدمرة، وكيفنحمي أنفسنا ومجتمعاتنا من آثارها السلبية، لنعيش في عالميسوده الأمان والسلام.

تعلمنا من حكايات أمهاتنا أن أجدادنا كانوا أشداء، صارعواالوحوش بأيديهم العارية، وتغلبوا على صعوبات الحياة بطرقإبداعية. لكنهم لم يعلمونا أن الحياة كانت إما أن تكون فماً أوصياداً، أو أن تكون لقمةً أو فريسة. لم يكن هناك من يقدرإنسانيتنا، بل كنا نخشى كل شيء وربما من لا شيء، ونخاف منالليل فنشعل النار لنرهب به الظلام، وليس حبًا فيها، ونجتمع حولهالنحمي أنفسنا من أن نكون فريسة للصياد. كما لم يخبرونا أن القوةليست فقط في الشجاعة البدنية، بل في القدرة على مواجهةالتحديات الفكرية والعاطفية. فقد كان ينبغي أن نتعلم أن الحياةليست مجرد صراع للبقاء، بل هي رحلة تتطلب منا التعاطفوالتعاون، وأن النار التي كنا نعتبرها مصدر أمان يمكن أن تتحولإلى رمز للخوف والقلق، إذا لم نعرف كيف نستخدمها بحكمة.

ثم جاء من يفسر لنا أصل وجودنا، فقالوا إننا كنا قردةً هجرتهاالغابة، أو سمكًا لفظه البحر. لم ندرك أن النوازل والصواعد تتوجهإلينا لأن الكهوف لفظتنا، وأن الطريد قد يصبح مفترسًا، والرعديد قديكون مخيفًا ومهاب الجانب. حتى مجدنا الوحوش في أناشيدنا،وفي بعض الأحيان زُينت بها راياتنا. واكتشفنا كلمات "لي" و"ملكي"، "لك" و"ملكك"، حتى النساء والأبناء أصبحوا ملكًاللرجال! صارت الحياة أقل حرية، ونعمل ساعات أطول استجابةلعبودية رأس المال. ربما جاء سادة العالم من البيضة المذهبة،وجاءت النساء الجميلات من البيضة البيضاء، أما الفقراء والشغيلةفمن البيضة النحاسية. لم نكن نعلم أن هذه التصنيفات ستجعلنانعيش في عالم مقسوم، حيث تُقيد الأحلام وتُحرم الحقوق، وتصبحالحياة مجرد سباق للنجاة في ظل نظام يفضل القوة على العدالة.

مضى عامٌ فوضوي، تنبعث فيه الدماء، مُورِّثًا معاني تمقتها الحياةالإنسانية الحرة، ويعيد إنتاج نسخ من هرمية السلالات، مكرسًاحدودًا اجتماعية وثقافية وعرقية، وانقسام البشرية إلى من يُولَدونسادةً يأمرون ومن يُولَدون عبيدًا يطيعون. في هذا العام، تتصارعالمشيئات وسط الحشا، ويتكاثر الموَحد من شدة المرض حتى يبكيالقمر. تعبنا من المشي هائمين على وجوهنا في أزقة مدينة متخمةبالجراح، حيث يتوالى حشد من العوائق بلا مبالاة. ورغم كل مانواجهه من نوازل وألم وتهجير وإبادة بحجة استتباب الأمن، كماكان يُقال في كل الأزمنة، تظل قلوبنا معلقة في مدينتنا التي أضأنابنورها إيماننا، وفيها تاريخنا المتوهج عبر الأزمان. نتوق إلى غدٍأفضل، حيث نوقد شعلةً تنير دروبنا المظلمة، وتكون قوةً تدفعناللاستمرار.

يزول غضب الشمس علينا، ويطل صباح فجر جديد يحمل وعودًابالتغيير، حيث تنكشف أكذوبة التوراة (المزمور الثاني) التي تقول: "شعب اختاره الرب لوراثة الأمم، ليكون سيد أقاصي الأرض". إنالأمل ليس مجرد شعور، بل هو دعوة للعيش بكرامة ومواجهةالصعاب بشجاعة. فلنتذكر دائمًا أنه في أحلك اللحظات تنبت بذورالأمل، لتزهر في قلوبنا شجرة الحياة من جديد. وسيأتي يوم تصبحفيه المسوخ التي تحاصرنا اليوم أسرانا في الغد، حيث نتحرر منقيود الألم ونستقبل فجرًا جديدًا مليئًا بالفرص والأحلام. لذا، لاينبغي لأي بلد أن يخشى الدفاع عن حريته في مواجهة أي تدخل،وتطهير أرضه من تلك الزائدة البشرية، حتى وإن كان العالم بأسرهمعاديًا له.