احتفالات الميلاد.. تغيب للسنة الثانية عن أرض الميلاد
راسم عبيدات
نعم في أرض الميلاد، للسنة الثانية تغيب عنها قسراً احتفالات عيد الميلاد، فلا شجرة للميلاد تُزين، ولا احتفالات تجرى ولا مظاهر للعيد. لا في بيت لحم مهد المسيح عليه السلام، ولا في القدس درب آلامه. هذا الغياب واقتصار الاحتفالات على الطقوس والشعائر والصلوات الدينية، سببه ما يرتكب بحق شعبنا من مجازر وإبادة جماعية، ليس في القطاع الصامد، بل تمتد لكل جغرافيا الوطن، شعبنا ككل الشعوب يريد أن يشارك في احتفالات الميلاد، بل هو الساحة الرئيسية والمركز في العالم لهذه الاحتفالات، حيث تأتي إلى بيت لحم الوفود والزوار والحجاج من الخارج للمشاركة في تلك الاحتفالات، وإضاءة شجرة الميلاد، ولكن هناك من يصادر الفرحة من أبناء شعبنا، ولا يريد للأطفال أن ترتسم البهجة والبسمة على وجوههم في هذا العيد. كيف سيفرح ويبتهج أطفال فلسطين، وأكثر من 16 ألف طفل فلسطيني ارتقوا بفعل الغارات والقصف الإٍسرائيلي المستمر والمتواصل، ومنهم من ارتقى بسبب الجوع وسوء التغذية وعدم توفر الحليب .
نعم، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم خلال عيد الميلاد إلى بيت لحم مهد السيد المسيح، تبدو المدينة وشوارعها وأزقتها، شبه خالية من السياح للعام الثاني على التوالي، وتغيب شجرة عيد الميلاد المجيد، والزينة والأضواء عن ساحة المهد في بيت لحم، مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
في المؤتمر الصحفي الذي عقد في بلدية بيت لحم، السبت 21-12-2024 ، لأجل أعياد الميلاد المجيدة، قال رئيس بلدية بيت لحم أنطون سلمان "إن بيت لحم عاصمة الميلاد وفي هذا الزمن الميلادي المجيد، تضيء شمعة الأمل من جديد داعياً شعوب العالم إلى تبني قيم الميلاد؛ السلام والعدل والمحبة، فرسالتنا واضحة جلية: رغم الألم والظلم نبقى شعباً حياً محباً للسلام ويعشق الحياة ويتمسك بجذوره في هذه الأرض المقدسة، لنبقى شهوداً على الميلاد والخلاص، حاملين رسالة رجاء وسلام، إيماناً بعدالة السماء الآتية لا محالة، بالرغم مما يعتري زمننا من حقد وظلم واضطهاد.
أكثر مدينتين تأثرتا بشكل واضح وكبير بعد الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، خاصة في القطاع السياحي وما يرتبط به من حركة تجارية واقتصادية وفنادق ومطاعم، ومحلات التحف الشرقية، هما القدس وبيت لحم، حيث عانت المدينتان من العزلة، وتوقفت السياحة بشكل كلي، ولم يأت إليها الحجاج ولا الزوار ولا السياح، وعدا عن ذلك حوصرت هاتان المدينتان، وتحولت القدس إلى ثكنة عسكرية. حواجز عسكرية ثابتة ومتحركة، ووجود أمني وشرطي غير مسبوق، وبيت لحم وضعت الحواجز على مداخلها، وفصلت قراها عن بعضها البعض، كما فصلت عن مدينة بيت لحم بالمزيد من الحواجز والبوابات، وأصبح من يريد الوصول إلى بيت لحم يفكر مئة مرة قبل القدوم إليها، حيث حواجز الاحتلال وبواباته تخضع لمزاجية جنوده، فلا يعرف المواطن الفلسطيني، متى تفتح تلك الحواجز، ومتى تغلق، وكذلك تلك البوابات التي تتحكم فيها مزاجية الجنود.
قطاع السياحة في هاتين المدينتين تلقى ضربة قاصمة لم يتعاف منها، حيث جائحة "كورونا"، من آذار 2020، وحتى منتصف 2022، شلت الحركة السياحية خاصة والتجارية والاقتصادية بشكل كبير جداً، والآن جاءت معركة السابع من أكتوبر المستمرة والمتواصلة منذ 443 يوماً، والمدينتان في حالة شلل تجاري واقتصادي شبه شامل.
وفي هذا الصدد، يقول وزير السياحة الفلسطيني السيد هاني الحايك "منذ عدوان السابع من أكتوبر 2023، يتكبّد قطاع السياحة خسائر فادحة تُقدر بأكثر من مليار دولار، منها حوالي 600 مليون دولار خسرتها بيت لحم وحدها، بالإضافة إلى الخسائر غير المباشرة. كما ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 36%، وزادت نسبة الفقر، حيث أن حوالي 30% من سكان بيت لحم بلا مصدر دخل.
وما ينطبق على بيت لحم ينطبق على مدينة القدس، فالحركة التجارية والاقتصادية فيها شبه مشلولة، والعديد من التجار يغلقون محالهم التجارية، حيث باتوا يشعرون، بأن إغلاق محلاتهم التجارية، يوفر عليهم مصاريف تترتب على فتحها، من كهرباء وماء وخدمات وضرائب وصيانة ومصاريف متعددة.
لا نعرف إن كانت الأعياد القادمة على شعبنا الفلسطيني إسلامية ومسيحية، يمكن أن ينعم فيها شعبنا بالأمن والسلام والحرية والاستقلال، في ظل مجتمع دولي ظالم ومتواطىء على شعبنا، حيث لم يحرك ساكناً، إزاء ما يرتكب بحق هذا الشعب من جرائم إبادة وتطهير عرقي، حتى قادة دولة الاحتلال وضباطه، وعلى رأسهم موشيه يعالون، وزير الحرب ورئيس الأركان السابق، قال إن هناك أعمال تطهير عرقي تمارس في شمال قطاع غزة، وإن الجيش الإسرائيلي، ليس الأكثر أخلاقية في جيوش العالم، في حين قال قائد الفرقة 252، أنه عند محور نتساريم، يوجد هناك ما يعرف بخط الجثث، تلقى فيه جثث الفلسطينيين وتترك حتى تنهشها الكلاب، وضابط احتياط قال إن الجنود والقادة يتصرفون كمليشيات مسلحة، ومن تلقاء أنفسهم في قتل المدنيين، دون الرجوع لأي قوانين أو تعليمات.
ونحن نسأل كل دول العالم، وفي المقدمة منها الدول التي دوماً تتحدث عن الحرية والديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان والطفل والمرأة وحق الشعوب في تقرير مصيرها: أين فلسطين وشعبها من كل هذه المقولات والقيم التي تسوقونها، ونكتشف بأنها ليست سوى مجموعة من الأكاذيب وعمليات الخداع والتضليل؟ فحرب الإبادة التي تجري بحق شعبنا في قطاع غزة، وتستهدف أطفال ونساء وبنى ومراكز ومؤسسات مدنية، وجثث الفلسطينيين التي تنهشها الكلاب، لم تقنعكم بالتحرك لوقف هذه الجرائم وعمليات التدمير والتجويع تلك. هل هذا مرده أنكم تعتبرون شعوبنا العربية والإٍسلامية، وفق نظرياتكم العنصرية والاستعلائية من ما يعرف بـ"نهاية التاريخ"، أو"صراع الحضارات" بأننا شعوب همجية غير متحضرة، ولذلك لا نستحق الحياة، بل يجب التخلص منا، حتى يسود ما تسمونه السلام والاستقرار في العالم ؟
وفي النهاية، أقول: كم عيد ميلاد وفصح وفطر وأضحى سيمر على شعبنا الفلسطيني، وهو في ظل أخر احتلال في العالم يسلبه أرضه وحقه في الحياة بأمن واستقرار في ظل وطن حر ينعم فيه أطفاله بحرية اللعب والحركة والاحتفال بالأعياد بفرح دون خوف؟!
لا شجرة عيد ميلاد تزين، ولا زينة شهر رمضان الفضيل تعلق، في مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شجرة عيد ميلاد تُزين وتضاء في مهد المسيح العربي عليه السلام، وأطفال غزة في حالة رعب وخوف دائمين، حيث رصاص وقصف طائرات الاحتلال تزرع الرعب والخوف والموت في صفوفهم.