التقى نصر الله عشر ساعات.. ظنها ساعة واحدة
حمدي فراج
لا تنتهي حياة العظماء، بانتهاء أعمارهم أو آجالهم في الدنيا، بغض النظر أين ستذهب أجسامهم من حيث يعتقدون ويؤمنون. بعض هؤلاء العظماء لا يقتصر بقاؤهم على ما خلّفوه من إرث فلسفي أو علمي أو أدبي أو ديني، دام لآلاف السنين، ولكن على سيرة حياة ومنهج سلوك قارب على اجتراح المعجزات. ومن بين هؤلاء حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل يوم 27 أيلول الماضي، وجعلت في هذا الاغتيال إنجازاً عظيماً لا يضاهيه أي إنجاز آخر، ليس فقط خلال هذه "الحرب" التي تدخل سنتها الثانية، دون أن تبدو نهاية أفق لها، بل عبر تاريخها المفعم المرصع بمثل هذه الاغتيالات.
كيف أصبح هذا الإنسان عظيماً، وهو ليس سقراط ينزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، ولا نبياً يشيع رحمة الله وعدالته بين الناس، ولا أبوقراط في الطب، تجعل كل طبيب متخرج حديثاً في العالم يقسم قسماً يحمل اسمه، ولا المتنبي أو شكسبير، لديه من ثروة الكلمات أغنى وأكثر مما يملكه "ماسك" من مليارات جعلته اليوم وزيراً، وغدا ربما رئيساً.
لم تتجسد عظمة نصر الله في أنه كشف حقيقة دولة إسرائيل التي أشيع أنها دولة اليهود، داحضاً ذلك، بأنها في الحقيقة دولة احتلال وعنصرية وأسلحة وسجون واعتداءات ثم إبادات وتطهير عرقي. شخّصها بدقة، بدون رتوش وبدون خوف وأطلق عليها وصف دولة العنكبوت. عظمته تجسدت في أنه حاربها، حين شكل محوراً للمقاومة يمتد من إيران غير العربية، إلى اليمن حيث البحر الأحمر، العربي من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، والمضيق الذي مات جمال عبد الناصر وهو يحلم ببسط سيطرته العربية عليه، وماتت الجماهير التي عاصرته وهي تهتف "عبد الناصر يا حبيب اضرب اضرب تل ابيب". عظمة نصر الله أنه لبى دعوة الجماهير ورغبة ناصر في ضرب تل أبيب بعد نحو ستين سنة، بل لقد حول تل أبيب وحيفا واللد وصفد وقيساريا وطبريا والسبع وإيلات إلى محط قصف وهروب يومي بالملايين إلى الملاجئ. ولكي تعرف أهمية ما بين يديك، انظر إلى ما بين يدي خصمك، انظر إلى ما هو عليه أي زعيم عربي، تعرف عظمة نصر الله، وتزداد درجة هذه العظمة، عندما تحصل في جزء منها على صك من أعدائه، صك الاستهداف والاغتيال "الاستشهاد"، ومن هذه المسلمات الإيثارية الثلاثة (التشخيص والمعالجة/ المحاربة والاستشهاد" يخلد نصر الله، من بين عشرات بل مئات القيادات العربية.
نقل عن الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل قوله إنه التقى بملك عربي لمدة ساعة، ظن أنها عشر ساعات، وأنه التقى حسن نصر الله عشر ساعات، وظن أنها ساعة واحدة.