مستقبل السلام في المشرق العربي أرض السلام والأنبياء

نوفمبر 17, 2024 - 10:00
مستقبل السلام في المشرق العربي أرض السلام والأنبياء

منطقة الشرق العربي لها خصائصها التي تميزها عن باقي مناطق ودول العالم، حيث تمثل هذه البقعة أرض الأنبياء والرسل للأديان الثلاث السماوية؛ اليهودية والمسيحية والإسلامية، أرض الأنبياء والتي من المتوقع والمفترض أن تكون مهد وأرض السلام الدائم، أرض الحضارات، فمنها عرفت البشرية الأبجدية المكتشفة في بلاد الشام  ونشأة الموسيقى في بلاد ما بين النهرين، أرض الحضارات المتجذرة والمنتشرة فيها منذ عهد المسيح وموسى ومحمد عليهم السلام، والفراعنة وعجائبهم المعمارية الهندسية مثل الأهرامات، حضارة القدس المقدسة ورحلة الإسراء والمعراج ودرب الألام، وفيها كانت مخاطبة الله عز وجل وتعاليمه للأنبياء، وفي كل ركن من حضارتنا نجد تاريخاً عريقاً ينطق به الشرق العربي.

ولكن للأسف وبالرغم من هذه الحضارة والتاريخ تمر علينا الأيام والسنوات في مرحلة ينفد فيها السلام، اضطرابات واحتلالات على مدى عقود وقرون، منها عهود الاحتلال والحكم والإدارة مثل اليونان والرومان والصليبيين والدولة الأموية والعباسية والعثمانيين، ومرحلة اتفاقيات التقسيم مثل سايكس بيكو، التي قسمت بلاد الشام إلى دول وبلدان وكيانات جديدة ومنها إسرائيل. وبالرغم من تقسيم بلاد الشام إلا أن مكوناتها الإنسانية والثقافية واحدة، تقسيم ترك آثاراً سلبية، وأحداث ظلمت على إثرها المنطقة وشعوبها على مدار عقود من الزمن لتشهد نزاعات وحروباً بسبب هذا التقسيم، تعددت أسبابها العرقية والدينية والطائفية، إلى جانب التطرف الجديد المتمثل بالجماعات الإرهابية التي ساد معها الرعب والقتل والنحر للسكان القدماء الأصيلين في المنطقة، فعلى سبيل المثال مجازر سيفو وتكفير وقتل داعش للأقليات الاجتماعية في الموصل، والتهجير والطرد بحجة تكفير المكون المسيحي بكل طوائفه، وتدمير كنائسه إلى جانب تكفير المسلمين أيضاً، على مبدأ قتل كل من لا يسير على قوانين خلافتهم المزعومة من قبلهم، حيث توجه لمعارضيهم تهم التكفير، من أجل تصفيتهم وتهجيرهم، وتتسع الدائرة لتشهد المنطقة وجود دول وحضارات تأكل وتسرق ثروات وخيرات غيرهم للإنفاق على حروبهم وجيوشهم، وتحتل المناطق بهدف إحداث التغيير الديمغرافي فيها.

أين السلام في أرض السلام المسلوب؟ وأين التنمية المستدامة واستمرارية الحضارة والتقدم في خضم الصراعات والحروب التي تشهدها المنطقة مثل الصراع في غزة الذي دفع ثمنه الشعب الفلسطيني؟ وأين التطور الاقتصادي والتنمية جراء الحروب والقصف المتبادل بالصواريخ والقنابل، نفوس وأرواح الناس ودمهم يسفك، وكل شيء يهدم ويدمر. واقع لا يمكن أن يشهد سلاماً وتنمية، في عالم يحتفل اليوم  للاسف بأسبوع العلم من أجل السلام، واليوم الدولي للعلم من أجل السلام والتنمية!

السلام المفقود في الشرق العربي، والأهم أيضاً انعدام الرحمة والتسامح في قلوب أبناء المنطقة، الذين تحولت نفوسهم إلى نفوس متحجرة وأرواحهم يملؤها الظلام، نتيجة انعدام الرحمة والسلام والطمأنينة، ليخيم سواد الظلام الدامس على سماء منطقتنا للأسف، فهذه الحروب أوجدت انعدام المواطنة الحقيقية بين فئات المجتمع من المواطنين، كما انتشر الفساد والكراهية والتطرف والتعصب والحقد مؤخراً، في وقت تحتاج فيه اليوم نفوس الناس خاصة الأجيال إلى إعادة ترميم حقيقية لأرواحهم بغرسها بالسلام والأمن، بسبب ما عاشوه من أهوال الحروب والصراعات الدائرة وتبعاتها حتى اليوم.

وفيما يخص التطور والنهضة فهي غائبة أيضاً في المنطقة، حيث لا مؤشرات على وجود تقدم اقتصادي أو قيام أية مشاريع تنموية تنهض بالمنطقة، وتجعلها على بداية طريق حقيقية للتنمية المستدامة، فبعض الشعوب في المنطقة لا تجد الأساسيات من قوت يومها، وتنتشر فيها البطالة والفقر والتضخم، ومع كل هذا يبقى الأمل بمستقبل المشرق المنتظر بعيد المنال للأسف، فهل سنحتاج لسنوات وعقود طويلة من أجل لملمة الجراح، وإعادة الفرصة والمجال لبلدان منطقتنا المنكوبة من أجل النهوض؟ شخصياً لا أتوقع أي سلام أو تنمية مستدامة، بدون خطوة أولى مهمة وهي وقف الصراعات والحروب الدموية، والعمل على معالجة النفوس المتطرفة وكل من لديه خلل في عقيدته وفكره، ليعود مرة أخرى كجزء أصيل منتج في مجتمعه، ونصبح أمام مجتمع ووطن ودولة متساوية فيها حقوق الأفراد، وعلى مبدأ الحقوق والواجبات لتصبح العدالة الاجتماعية حاضرة، بما في ذلك قيم مهمة مثل احترام الآخر المختلف، لنكون عملياً أمام المواطنة الحقيقية، في وطن واحد بعيداً عن العنصرية والطائفية، وهنا تصبح الشعوب في مرحلة أفضل تسودها المساواة والديمقراطية والتعددية، وحتى نصل هذه المرحلة المرجوة أعتقد أن السلام المنشود وبكافة معانيه ومضامينه مفقود بل معدوم.

نحتاج اليوم من أجل شعار السلام والتنمية، وقف الحروب واستبدالها بحالة سلام شاملة، يتبعها البناء الشامل، للإنسان والموارد والثقافة وكل المناحي، لنصبح في وطن متطور علمياً وحضارياً ، لتستطيع بلداننا في الشرق العربي منافسة الدول المتقدمة على مستوى العالم، يجب أن نسعى لمجتمع الرحمة والتآخي والبركة التي تسود النفوس حتى يمن الله عليها بالسلام الحقيقي الذي سيكون مناخاً للنهضة والتطور الاقتصادي، وبالتالي تصبح شعوب وبلدان أرض السلام فعلاً قبلة السلام والتطور.