ماذا تفعل إسرائيل في الأمم المتحدة ومؤسساتها؟

يوليو 28, 2024 - 13:40
ماذا تفعل إسرائيل في الأمم المتحدة ومؤسساتها؟

وسام رفيدي

اعتبار الأونروا، وهي مؤسسة دولية تتبع الأمم المتحدة، منظمة إرهابية. أما اللجنة الأولومبية الدولية فلم تجد سبباً يدفعها لمنع مشاركة دولة الإبادة في الأولومبياد المقام في فرنسا، علماً أن قائد فريق تلك الدولة رياضي وقّع على صاروخ موجه للقتل في قطاع غزة، ليمثل، ليس فريقاً رياضياً في الواقع، بل دولة الإبادة وإجرامها. سجل تلك العلاقة ومنذ العام 1948 بات معروفاً، أما سجلها الأسود الذي تراكمت تفاصيله منذ الثامن من أكتوبر فهو يفرض حضوره الاستفزازي على أي متابع.


ليست المسألة في رفض تنفيذ القرارات فقط، فدولة الإبادة ومنذ نشأتها لم تنفذ سوى قرار واحد، وهو قرار قيام تلك الدولة تحديداً، ولم تنفذه إلا لأنه قرار ظالم بحق شعبنا، أعطاهم ما ليس لهم، تماماً كما نص وعد بلفور. ليست المسألة هنا فقط على أهميتها بالقصوى، بل أيضاً في إظهار التحقير والعنجهية والفوقية في التعامل مع مؤسسات الأمم المتحدة التي تتمتع دولة الإبادة بعضويتها.


منذ شباط الماضي، وقرار محكمة العدل الدولية القاضي بالتحقيق في جرائم الإبادة وتأكيدها وجود مؤشرات على وقوع تلك الإبادة واستمرارها، حتى القرار الأخير الاستشاري للمحكمة، لم تخفٍ دولة الإبادة هذا التحقير وتلكم العنجهية والفوقية.


أولى مظاهر ذلك تكمن في استخدام المخزون الجاهز من التهم الذي ميّز كل تاريخ الحركة الصهيونية، اللاسامية، وكراهية اليهود، مع سلسلة باتت مفضوحة من الأكاذيب التي تميز الخطاب الصهيوني تاريخياً، وقد شملت تلك التهم أخيراً محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، والأمريكيين المحتجين على حفنه الأكاذيب التي ساقها نتنياهو أمام الكونغريس.


باستثناء فريق نتنياهو من مجرمي الحرب، ومجموعة نواب الكونغرس المحتفلين بإبادة شعبنا تصفيقاً لنتنياهو، لا يكاد تقرير صحفي أو قراءة محلل أو متابع مدقق، إلا ووصف خطاب نتنياهو بالضبط كما يعبّر عما في الرجل: خطاب مليء بالعنجهية والفوقية والتحقير للعالم، في تذكير بخطاب النازيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وفي قفزة للأمام تميز فقط المأزومين سياسياً فيخفون هزيمتهم فقط بالقفز للأمام.


ومع ذلك، لا زالت تلك الدولة، تحتل مقعدها في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية التابعة. إننا أمام ظاهرة لا أعتقدها وقعت في تاريخ المؤسسات الدولية قبل اليوم؛ دولة تعلن صراحة، وبوقاحة، رفضها للقرارات الدولية، وتهدد بإغلاق مراكزها في القدس، كما فعل الأزعر أردان مندوب الدولة في الأمم المتحدة، وتعلن عبر برلمانها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، منظمة إرهابية، لا بل وتمزق ميثاق أهم مؤسسة دولية، ومع ذلك تظل تحظى بعضويتها في تلك المؤسسات، وكأن شيئاً لم يكن.


هذا فقط يؤشر إلى التناقض بين مظهرين عالميين، الأول تعهّر المؤسسات الدولية التي توفر غطاء سياسياً لدولة مجرمة ولسياسييها الفاشيين، والثاني ذلك التنامي الهائل في الوعي الشعبي العالمي المؤيد لقضيتنا الوطنية والمعادي لدولة الإبادة، وبالتالي الوقوف على الجبهة المقابلة للمؤسسات الدولية. ذلك التناقض بات يطبع بطابعه الخاص الساحة الدولية. فإلى أي مدى وصل تأثير الشعب الفلسطيني بصموده ومقاومته؟ وصل إلى الحد الذي يكشف زيف النظام الدولي بمؤسساته الدولية، كما لم يحصل سابقاً.


وإذا كان من الصحيح أن هذا الصمود وتلك المقاومة، ومعهما حجم التضحيات وانفضاح فاشية وهمجية دولة الإبادة، نجحت في انتزاع مواقف قانونية دولية جيدة وتاريخية منذ شباط الماضي، بما يمثله هذا من اختراق في النظام الدولي لصالح شعبنا ونضاله، يكون من الطبيعي أن يتركز الجهد الفلسطيني السياسي والإعلامي والدبلوماسي هنا بالذات في قادم المرحلة: المطالبة دون مواربة، وبلا تردد، بطرد دولة الإبادة من الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، دون مراعاة أية حسابات سياسية والتزامات تعاقدية لا قيمة لها، داست عليها دولة الإبادة وتستمر.


بمعني آخر، لا معنى للمطالبة بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وهو مطلب مشروع، دون المطالبة بالمقابل بطرد دولة الإبادة من المؤسسات الدولية، إذ لا يستوي وجود شعب يقاتل من أجل حريته في مؤسسة دولية، مع وجود مستعمِر يمارس الإبادة ضد هذا الشعب، وفي ذات المؤسسة.

إننا أمام ظاهرة لا أعتقدها وقعت في تاريخ المؤسسات الدولية قبل اليوم؛ دولة تعلن صراحة، وبوقاحة، رفضها للقرارات الدولية، وتعلن عبر برلمانها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، منظمة إرهابية، لا بل وتمزق ميثاق أهم مؤسسة دولية.