شمال غزة.. جوع ومجازر وحصار

أكتوبر 12, 2024 - 09:53
شمال غزة.. جوع ومجازر وحصار

بهاء رحال

لا شيء أكثر قسوة من الجوع والعطش إلا الموت جوعًا وعطشًا، وهذه السياسة المتبعة منذ بدأت حرب الإبادة الجماعية في غزة، ولا تزال مستمرة على وقع المذابح التي ترتكب بحق الناس الجوعى بأمعائهم الخاوية، والجفاف الجسدي الكبير والخطير. فبعد عام وأكثر يواصل الاحتلال حصار شمال غزة على نحو محكم من كل الجهات، حيث يمنع الناس من التحرك والخروج من بيوتهم، بلا ماء ولا طعام، وبلا حليب للأطفال ولا أدوية للكبار. يكتب الناس في غزة ما يحدث لإخوانهم في الشمال، وفي كل حرف وكلمة وجع وألم وألف حسرة، حيث الناس يتعرضون لمجازر دامية تحت وطأة الحصار الشديد، والهدف منه تهجير كل من رفض النزوح حتى اليوم، من أجل إفراغ الشمال للسيطرة عليه وفق رؤيا الاحتلال، والتي أعلن عنها ضمن خطط قسرية وقهرية يسعى لفرضها، على أرض غزة المتعبة والمنهكة، لكنها صابرة وقادرة على البقاء ورفض مشاريع التهجير والنزوح والطرد.

الاحتلال الذي يواصل حربه وحصاره، ويواصل سياسات القتل والتجويع من أجل تنفيذ خططه لتضييق مساحة القطاع وقضم أجزاء منه وفرض جغرافيا جديدة على نحو يخدم مصالحه الكولونيالية التوسعية، وأمام هذا فإن الناس في شمال القطاع بلا عون، وكل المنظمات الدولية وغير الدولية عاجزة عن إدخال شربة ماء وطعام وغذاء.

المخطط الذي أعلن عنه الاحتلال في خريطته لقضم مساحة شمال غزة، والتي تمثل ما يقرب ثلث مساحة قطاع غزة الصغيرة أصلًا، والأكثر اكتظاظًا من حيث السكان نسبة إلى مساحته الصغيرة، وذلك المخطط ليس وحده بل إن خطط القضم مستمرة طولًا وعرضًا، برًا وبحرًا وجوًا، وهذا ما يصرح به قادة الاحتلال، نتنياهو وغالانت وبن غفير وغيرهم، ممن أطماعهم في غزة تمتد من الشمال وحتى محور فيلادلفيا، وهي تعبر عن رغبتها في تهجير سكان القطاع إلى خارج غزة، وتسعى لذلك ولم توقف تلك الخطط وإن هدأت في تصريحاتها، فإن عملياتها على الأرض وحربها المستمرة دليل واضح على أنها ماضية في محاولاتها، بكل عربدة ودموية وتطرف عنصري.

مناشدات سكان الشمال، ونداءات الاستغاثة التي نسمعها، حتى الآن لم تلقَ أي تحرك دولي أو عربي، لإدخال المواد الغذائية والطبية، ووقف المذابح والمجازر التي ترتكب بحقهم، وحق سكان غزة كلها.

شمال غزة يتعرض لموت جماعي، وسط حصار مستمر، وغياب تام للضمير العالمي والصوت الدولي، ومنع الحضور الإعلامي بهدف تغييب الصورة وتنفيذ ما خطط له، بعيدًا عن مرأى ومسمع أحد، وما يكتبه ويقوله سكان شمال غزة، لا يصف تمام الواقع، من رعب حقيقي يدهَمُ وقتهم، ومن موت يطاردهم في كل الجهات.

سياسة التجويع والقتل لتهجير الناس ودفعهم للنزوح والخروج من بقايا بيوتهم، مستمرة منذ اليوم الأول للمقتلة، لكن الناس يرفضون النزوح، ويواصلون البقاء في انتظار وقف العدوان، وهم يعيشون ظروفًا لا يحتملها بشر، ولا يقوى على الصبر عليها إنسان، ولسان حالهم يقول، أما آن لهذه المقتلة أن تتوقف؛ أما آن للعالم أن يتدخل جديًا لوضع حد لجنون الاحتلال؛ وإلى متى سيبقى الصوت العالمي غائبًا، مصابًا بالعمى والانحياز، هاربًا من واجباته الإنسانية لرفع هذا الظلم ووقف هذه المقتلة.