بين من يمثِّل العمال ومن يُمثِّل عليهم الحركة النقابية الفلسطينية في مفترق طرق

يونيو 21, 2025 - 10:11
بين من يمثِّل العمال ومن يُمثِّل عليهم الحركة النقابية الفلسطينية في مفترق طرق

محمد علوش

في الزوايا الصامتة من الورش، وفي العيون المتعبة في الحقول والمصانع، ينبض قلب العامل الفلسطيني بنبض الوطن والكرامة والعيش الكريم، ومن رحم المعاناة خرجت الحركة النقابية الفلسطينية، صوتاً حرّاً يحاول أن يكون صدى الآلام والأحلام، وجسراً بين لقمة العيش والعدالة الاجتماعية، لكن، ما بين الأصالة والتزييف، وبين النضال والانتهازية، بات السؤال مشروعاً وموجعاً: من يُمثّل العمال حقاً، ومن يُمثِّل عليهم؟

لقد نشأت الحركة النقابية الفلسطينية منذ بدايات القرن العشرين، متشابكة مع نضالات التحرر الوطني، حاملة همّ الطبقة العاملة وشريكة في الكفاح ضد الاحتلال، وقدّمت النقابات الشهداء والأسرى، وشكّلت واجهة اجتماعية وسياسية لا يستهان بها.

لكن ما لبثت تلك الحركة أن دخلت في مرحلة من التشرذم، بفعل الانقسام السياسي، والتدخلات الحزبية، وتعدد المرجعيات النقابية، حتى تحوّلت بعض النقابات إلى جزر معزولة عن قواعدها، وأدوات في أيدي بعض القوى المتنفذة، تساوم على حقوق العمال وتبرم الصفقات باسمهم، دون تفويض حقيقي أو مساءلة نزيهة.

وليس كل من رفع شعار العمال يُمثّلهم، وليس كل من جلس على طاولة المفاوضات نيابة عنهم يجيد النطق بوجعهم، فهناك من يُمثّل العمال بالنية والعمل، ويتحرّك بين صفوفهم، ويخوض معهم معارك الأجور وظروف العمل، ويعود إليهم في كل موقف ومفترق قرار.

وهناك، في المقابل، من يُمثّل على العمال، يتحدّث بلغة الحقوق وهو يسرقها، ينظّر للكرامة وهو يساوم عليها، ويجلس في مكاتب مكيّفة لا يسمع فيها إلا صدى صوته، ويوقّع اتفاقات شكلية مع أرباب العمل ويصوغ بيانات للاستهلاك الإعلامي، بينما العامل ما يزال يئن تحت وطأة الظلم والتهميش.

وفي ظل هذا الواقع المأزوم، يعيش العامل الفلسطيني حالة من الاغتراب عن منظماته النقابية، فلا يجد فيها ملاذاً حقيقياً، ولا يشعر بأن صوته مسموع أو أن تمثيله نابع من إرادته، وكثير من العمال لا يعرفون من يمثّلهم في الاتحادات الكبرى، ولا كيف ينتخب من يفاوض باسمهم، وبعض القيادات النقابية باتت تجدد لنفسها الشرعية في غرف مغلقة، لا يطرق بابها إلا لتمرير اتفاق أو دفن حق.

والخروج من هذا النفق يبدأ أولاً بالاعتراف بالخلل، ومصارحة القواعد العمالية بالحقيقة، فلا يمكن الحديث عن تمثيل نقابي دون ديمقراطية داخلية، ولا عن نقابات فاعلة دون استقلال مالي وإداري عن السلطة والأحزاب وأصحاب العمل.

يجب إعادة بناء الحركة النقابية على أسس قاعدية، تعيد للعامل دوره المركزي، وترسخ مبدأ "لا تمثيل دون انتخاب"، ولا تفاوض دون تفويض، فالحقوق تنتزع بالنضال، لا تهدى بالتصريحات.

فيا من تدّعون تمثيل العمال، انزلوا إليهم.. لا فوقهم. عودوا إلى ساحات المصانع، لا قاعات الفنادق، واجعلوا النقابة بيت العامل، لا وسيلة لتكريس الامتيازات، فإن لم تكونوا معه في معاناته، فلا تكونوا عليه باسم تمثيله.

الحركة النقابية الفلسطينية تستحق أن تكون وفية لتاريخها، صادقة في حاضرها، ومؤمنة بمستقبلها، ولا مجال فيها للممثلين المسرحيين، بل للمناضلين الحقيقيين