لسنا كاملين!
فراس عبيد
لا تفترض أن الناس كاملون، ولا تفترض أنك كامل.
إن موقفاً صغيراً جداً يحدث معك في يوم ما، أو ربما في كل يوم، سيكشف لك كم أنت محدود الرؤية، وبعيد عن الكمال.
فقد تخوض حواراً مهما مع إنسان ما، ثم تكتشف أنه ما كان ينبغي لك أن تنطق في حوارك معه كلمة كذا، أو جملة كذا، أو فكرة كذا، وأنك قد جانبت الصواب واللباقة والكمال بنطقك لها، على الرغم من اتساع وعيك في البشر وخبرتك في الحياة.
وقد تظن في إنسانٍ ما أنه يضمر لك السوء والشر، فتعامله بجلافة وببرود، أو تعامله معاملة الغرباء، ثم تكتشف أنه لا يضمر لك إلا الحب العميق، والخير العميم، وأنه يستبسل في الوقوف إلى جانبك ساعة سقوطك وعثرتك وأزمتك، ويسعى إلى دعمك بكل ما أوتي من وعي وعزم.
وقد تحس بينما أنت تتمشى في شارع جميل هادىء ليلاً، أن سيرك في هذا الشارع يمنحك متعة وراحة لا مثيل لهما، وأن نفسك مطمئنة تماماً، وليس هناك ما يمكنه أن يعكر صفو هذه الطمأنينة المدهشة التي تعيش في تلك اللحظات الهانئات، وبالفعل فالأمر كذلك، ليفاجئك لطف الله المتين، وبعد مرور 25 دقيقة على سيرك بأنه يبعد عن عينك في اللحظة الأخيرة شوكة وردة حديقة متسلقة إلى أعلى الرصيف الذي تسير عليه، دون أن تلحظها نهائيا، وذلك بأن يلهم موجة وعي البقاء العاملة في كيانك حتى تصدر لك أمر ابتعاد سريعاً جداً ومفاجئاً ومدهشاً عن مصدر الخطر، لتجد أن القدرة العلية هي من حيدتك عن مأساة كادت تقع لعينك. فتدرك حينها أنك كائن غير محمي حماية كاملة إلا بلطف من الله الحفيظ.
وقد تأخذك الأحلام الوردية والأوهام معها بعيدا، وأنت مستلق على كرسيك المريح في بيتك تتابع مسلسلك المفضل، فتبدأ بالتخطيط لمستقبلك ولمشاريعك، معتقدا أن الصراعات الكونية الحالية بين القوى العالمية الرئيسية ستنتهي بسرعة وبسهولة، لتتفاجأ لاحقا بأن هذه الصراعات تتسع وتستطيل وتترك آثارها على جوانب الحياة كافة، وهو ما قد يعرقل طموحاتك ومشاريعك.
وقد تفترض أن العاملين معك في المؤسسة أو الشركة سيتعاونون معك على أكمل وجه لإنجاح العمل، فينشرح صدرك لهذه الفكرة وتمتلىء سروراً ورضى، ثم تتفاجأ بأن كثيرين منهم ليسوا حريصين مثلك على نجاح المؤسسة أو الشركة، فتراهم يتباطؤون في إعطاء الردود، ويماطلون في تسليم التقارير والمشاريع والخطط، وأن لهم حسابات أخرى مختلفة عما لديك، وقوامها في الغالب هو مصالحهم الفردية وأهواؤهم .
وقد تجهز نفسك لسفر خارج البلاد، فتبدأ بتحضير كل مستلزمات السفر المادية والقانونية، وقبل موعد السفر بيوم وأنت تراجع تحضيراتك جميعها مرة أخرى تحوطا، فتجد أن جميع تحضيراتك تامة وعلى أحسن ما يرام، لتتفاجأ بعد وصولك للبلد الجديد بأنك قد نسيت أشياء مهمة، أو متوسطة الأهمية، أو قليلة الأهمية، فتحزن للحظات قائلا: غير معقول أني نسيت إحضار هذا الشيء!
وقد تحتار في إيجاد حل لوضع ما يخصك، فتبدأ في دمج حساباتك العقلية والعاطفية معا، محاولا الخروج بحل، دون جدوى، وتستمر حيرتك أياماً، وتستنزف طاقتك المقدسة، وفجأة يظهر لك طفل صغير جدا يقول لك ببراءة جملة بسيطة - لا علاقة مباشرة لها بما حيرك - فتدهشك كلماته، وتلهمك، وتمنحك الحل على الفور، فتقول في نفسك: رحماك إلهي! إنه طفل صغير ويعرف الطريق، بينما أنا الكبير المجرب لا أعرفه!
التواضع والتسامح، يا أبناء الأرض!
فكلنا بحاجة إلى قانون الغفران، والتفهم، والتقبل، ليسود بيننا في تعاملاتنا اليومية والكبرى.
إن القدرة العلية هي من حيدتك عن مأساة كادت تقع لعينك. فتدرك حينها أنك كائن غير محمي حماية كاملة إلا بلطف من الله الحفيظ.