قرار تجنيد اليهود "الحرديم" هل يطيح حكومة نتنياهو؟؟
راسم عبيدات
واضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يعرف من أين تأتيه المصائب تباعاً، فخلافاته مع المؤسسة العسكرية والأمنية تتسع وتتصاعد، والاتهامات بين الطرفين وصلت حد تدخل عائلته في ذلك، فزوجته ساره في لقاء جمعها مع عدد من عائلات الأسرى، اتهمت قيادة الجيش بأنها "تريد تنفيذ انقلاب ضد زوجها"، وسبقها في ذلك ابنها يائير الذي يستجم على الشواطىء الأمريكية، عندما تساءل في تغريدة له على موقع "تويتر"، "أين كان الجيش وقائد سلاح الجو في السابع من أكتوبر ؟". والاتهامات له من كل حدب وصوب بأنه يقود دولته نحو الكارثة، وبأنه أدخل الدولة في أزمات استراتيجية، وبأنه سيجد نفسه بلا نصر مطلق في قطاع غزة، والحرب مع حزب الله، وانتفاضة شاملة في الضفة الغربية، وحرب مع المقاومة العراقية من جبهة الجولان، وأخرى مع حركة "أنصار الله" اليمنية، ومع إيران نفسها.
المعارضة تتهم نتنياهو، بأنه أفشل رئيس وزراء، وأسوأ حاكم مر على دولة الاحتلال، وزعيم المعارضة لبيد قال له في جلسة "المكاذبة " في الكنيست مؤخراً، أن التاريخ لن يخلد اسمك، لا في جسر، ولا شارع، ولا ساحة، ولا حديقة، بل سيتذكرك الشعب في 7 أكتوبر، كمن فرط بالأسرى، وخان الجيش. ويصل الأمر بالجنرال المتقاعد اسحق بريك والذي التقي نتنياهو ست مرات خلال حرب 7 أكتوبر، بأن نتنياهو وغالانت وهليفي، هم مسامير صدئة مقطوعة الرؤوس في الجسد الإسرائيلي ويصعب الخلاص منها، وبوجودهم سيحل خراب الهيكل الثالث، وستنتحر إسرائيل بشكل جماعي. وعادت لتنفجر في وجه نتنياهو قضية تجنيد اليهود "الحريديم" مجدداً، بعد الفشل الذي واجهه في طرح "قانون تعيين الحاخامات"، والذي اضطر لسحبه قبل عرضه على الكنيست، لعدم وجود أغلبية له في الكنيست، وهذا القانون المقدم بناء على طلب من حركة "شاس"، كان يقضي بنقل سلطة تعيين الحاخامات من صلاحية السلطات المحلية إلى وزارة الأديان، التي يرأسها وزير عن حركة "شاس"، بحيث تستفيد من قضية الأموال المخصصة في تعيين أتباعها، وخدمة مدارسها ومؤسساتها الدينية، وسحب هذا القانون من جدول أعمال الكنيست، دفع بزعيم حركة "شاس" أرييه درعي لتوجيه اتهامات قاسية لنتنياهو، بأنه منذ قيام هذا الائتلاف لا يسيطر على شيء.
بعد أن نجح نتنياهو في أيار الماضي في تمرير قرار عدم تجنيد اليهود "الحريديم" بأغلبية 63 صوتاً، هدأت مخاوف نتنياهو من انهيار ائتلاف حكومته الهش، فسقوط مثل هذا القرار قد يدفع بالقوى الدينية "الحريدية"، "شاس" و"يهوديت هتوراه" للانسحاب من الحكومة وإسقاطها. هذه الحكومة التي باتت أسيرة قوى الصهيونية القومية والدينية اليهودية بزعامة ايتمار بن غفير وبتسليئل سموترتش، واللذين باتا يمسكان بعنق القرار السياسي لنتنياهو ويهددانه باستمرار، بأن عدم استكمال الحرب العدوانية على قطاع غزة، سيقود إلى إسقاط الحكومة من داخلها.
كأن نتنياهو لا تكفيه أزماته الداخلية العميقة، حيث احتجاجات ومظاهرات أهالي الأٍسرى تتصاعد يوماً بعد يوم، وتكتسب زخماً جديداً مع خروج غانتس وإيزنكوت من مجلس الحرب المصغر، وتشكيل تحالف ثلاثي بين أقطاب المعارضة، ليبرمان زعيم "إسرائيل بيتنا"، ولبيد زعيم "يش عتيد"، وساعر زعيم "هتكفاه حدشاه"، وكل تلك القوى باتت تطالب ليس فقط باستعادة الأسرى أولاً، وأن تكون لها الأولوية في استمرار عملية عسكرية على قطاع غزة، تحركها وتغلب عليها المصالح الشخصية والسياسية لنتنياهو على حساب حياة الأسرى والمصالح "القومية" لدولة الإحتلال.
بل باتت تلك القوى تطالب بإجراء انتخابات تبكيرية سادسة في زمن الحرب، من أجل التخلص من نتنياهو وحكومته. وأيضاً خلافات نتنياهو مع الإدارة الأمريكية الحالية تتصاعد، حول الأزمة التي افتعلها نتنياهو باتهام تلك الإدارة بتأخير تزويدها لـ "إسرائيل" بشحنات أسلحة تمكنها من تحقيق الانتصار على حزب الله اللبناني، وأن الإدارة الأمريكية عليها أن لا تضع شروطا على تزويد إسرائيل بالأسلحة، لأن ذلك جزء من الأمن القومي الأمريكي، ونتنياهو يريد مشاغلة الإدارة الأمريكية الحالية، واستمرار عمليته العسكرية على قطاع غزة، حتى يأتي صديقه ترامب وينخرط معه في حملته الإنتخابية.
نتنياهو الذي كان هاجسه بن غفير وسموترتش، وجد نفسه في مأزق كبير، قد يفقده الشرعية الحكومية، بعد فقدانه للشرعيتين السياسية والشعبية، فقرار محكمة "العدل" العليا الإسرائيلية بإجماع قضاتها التسعة بإبطال قرار الكنيست بمنع تجنيد اليهود "الحرديم"، وعدم وجود نص قانوني يحول دون ذلك، وبأن هذا يأتي في سياق المساواة في تحمل الأعباء، وبأنه لا يوجد أي مبرر لإعفاء اليهود "الحرديم" من الخدمة العسكرية، ومحكمة "العدل" العليا ألغت عام 2015 قرار الكنيست بعدم تجنيد اليهود "الحريديم"، ومنذ عام 2017 لم تتوافق الحكومات المتعاقبة على قرار حول قضية تجنيد "الحرديم"، وكان يجري تمديد عدم التجنيد لهم عام بعد عام، حتى شباط من العام الحالي، حيث طلبت محكمة "العدل" العليا من الحكومة أن توضح الأسباب التي تدعوها لعدم تجنيد اليهود "الحريديم"، وتتخذ قراراً في آذار الماضي بوقف تمويل المؤسسات الدينية التي لا يتجند أعضاؤها في الجيش، دون الحصول على إعفاء من الخدمة أو تمديد عدم التجنيد لهم.
نتنياهو اطمأن للقرار الذي اتخذه الكنيست في أيار الماضي برفض تجنيد اليهود "الحرديم" بأغلبية 63 صوتاً، بما يمكنه من استمرار اكتساب الشرعية البرلمانية، لكي يتفرغ لتهديدات بن غفير وسموترتش المستمرة له، ولكن قرار قضاة محكمة "العدل" العليا، برفض قرار الحكومة عدم تجنيد اليهود "الحرديم" جاء بمثابة المطرقة الثقيلة التي هوت على رأس نتنياهو، بما يذكر بما حصل في السابع من أكتوبر/2023، حيث كان في ذروة نشوته، بتحقيق انتصاراته على المعارضة الإسرائيلية في السيطرة على المنظومة القضائية، حيث نجح في تعديل ما عرف بـ تقليص "حجة المعقولية"، والذي تحول إلى قرار في الكنيست في تموز 2023، وكان يستعد لتغير تركيبة تعيين القضاة، وبما يمكن من سيطرة الجانب السياسي عليها، ولكن جاءت معركة الـ 7 من أكتوبر، لكي تطيح طموحاته.
قرار محكمة "العدل" العليا الذي صدر يوم الثلاثاء 25-6-2024، بالإجماع، برفض قرار الحكومة بعدم تجنيد اليهود "الحرديم"، سيضع حكومة نتنياهو في مهب الريح، فحركة "شاس" و"يهوديت هتوراة"، قد تفكران بالانسحاب من الحكومة، وإن نفت حركة "شاس" ذلك، ولكن هذا يقرب من فقدان نتنياهو لشرعيته الحكومية، فانسحاب هاتين الكتلتين اللتين تشكلان 13% من مجموع سكان إسرائيل، والقول بدعمها للحكومة من الخارج، ستعملان على استمرار ابتزاز نتنياهو وحكومته مالياً، وهذا لا يشكل ضمانة لنتنياهو والذي يجد نفسه أمام خيارات محدودة، خاصة أن زعيم "شاس" درعي قال "لا توجد قوة تمنع اليهود من تعلم التوراة، فهي أساس وجود اليهود"، في حين قال الوزير مئير بروش من "يهوديت هتوراة"، بأنه لا يوجد أية قوة تجبر طلاب المدارس الدينية على التجند في الجيش"، وهذا سيؤدي إلى وجود دولتين في نفس الدولة، دولة دينية ودولة علمانية.
في حين رحبت المعارضة بهذا القرار الذي وصفه ليبرمان زعيم "إسرائيل بيتنا" بالخطوة التاريخية، أما لبيد زعيم المعارضة، فقال "إن زمن نموت ولا نتجند قد انتهى"، وكذلك انتهى"زمن التفرقة بين دم ودم".
نتيناهو لكي ينقذ نفسه وحكومته من هذا المأزق، قد يلجأ لخيار الهروب إلى الأمام، وخلط الأوراق وشن حرب واسعة على الجبهة الشمالية، وهنا سيلجأ إلى عدم تسليم السلطة بحجة أن الدولة في حالة حرب، وأيضاً تحت نفس الحجة سيرفض إجراء انتخابات عامة تبكيرية سادسة، وربما يقول للإسرائيلين :"إما بقائي في السلطة أو الحرب الأهلية، كما لوح بها من قبله صديقه ترامب ويلوح بها حالياً صديقه الرئيس الفرنسي ماكرون.
.....
نتنياهو الذي كان هاجسه بن غفير وسموترتش، وجد نفسه في مأزق كبير، قد يفقده الشرعية الحكومية، بعد فقدانه للشرعيتين السياسية والشعبية.