الثورة والمقاومة بين الخيال والخطوات المحسوبة (2/2)

بكر أبوبكر
إن ما حصل في يوم المباغتة والطوفان (او بالأحرى ما بعد اليوم الأول) سواء ضد الإسرائيلي، أو ضد فلسطين والفلسطيني في غزة، والضفة (وبالنتيجة الملتهبة) هو كارثة عظمى ونكبة ولربما نقول (بائقة) حيث الشدة والمصيبة الصعب الخروج منها.
بين نكبة 1948 ونكبة وبائقة 2023م
إن ما حصل في غزة (2023-2025م) نكبة وبائقة لا مثيل لها منذ النكبة الأولى عام 1948 وبالأرقام إذ أنه في غزة حتى بداية شهر نيسان 2025 كان عدد الشهداء 50 ألفًا، و11 ألف مفقود، وأكثر من 100 ألف جريح ومصاب، والكل تم تهجيره تقريبًا.
وللعلم فإن كل الجيوش العربية والمتطوعين المجاهدين عام 1948م كانوا بتقدير 30 ألف مقاتل! وبأدنى درجات التجهيزوالتسليح والتنسيق والتدريب والقيادة الاجنبية لغالبهم، مقابل ما فوق 107 ألف صهيوني كامل التدريب والعدة والتجهيز والتسليح ووحدة القيادة والأسلحة المتفوقة والدعم الغربي المطلق...الخ، وبالأثناء (1947-1948) قامت العصابات الصهيونية المدعومة غربيًا وخاصة من أمريكا وبريطانيا بتهجير ما يقرب المليون فلسطيني من أرضه القاطن فيها منذ ما قبل التاريخ، واستشهاد ما يقارب 20 ألفًا، و70 مذبحة، وتواصل شلال الدم والشهداء الى 100 ألف ما قبل المباغتة (أي من 1948-2023م) .
وفاجعة تفوق تدمير الطائرات البريطانية والأمريكية لمدينة "درسدن" الالمانية بالقنابل الحارقة أثناء الحرب الأوربية (المسماة العالمية) الثانية (كانت الضحايا بحدود 25 الى 35 ألفًا) وهي مقتَلة ضاهت ما حصل بضحايا القنبلة النووية الأمريكية التي أُسقِطت على ناغازاكي باليابان (قتل 40 ألف فورًا، ووصلت الى 80 ألف نتيجة الآثار اللاحقة).
الحركة والفدائي والديمومة
" أخي يا رفيق النضال، من أجل فلسطيننا الغالية، من أجل الثورة لتحرير أرضنا السليبة، وحتى يشرق فجر الكرامة الذي تاه في ليل النكبة الطويل انطلقت حركتك. تدرك طريقها وتسلك منهجًا ثوريًا بناء يرسي دعائم العمل الثوري على أسس علمية واعية بروح إيجابية خلاقة فاعلة واستراتيجية موحدة، وبعيدًا عن العاطفة الساذجة...وبعيدًا عن السلبية والارتجال والتخبط والفوضى تضع الحركة بين يديك هيكل البناء الثوري".
هذه كانت مقدمة هيكل البناء الثوري أول الوثائق في الخمسينيات والستينيات لحركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح والتي أكملت حديثها لتعتمد كليًا على "أن قوة الحركة وامتداها يعتمد على فاعليتك أنت وعلى مدى تقديرك للمسؤولية التاريخية التي تحملها الطليعة الثورية من أبناء شعبك" مضيفة تحت عنوان: لابد أن نتحرك، القول "كان لا بد للطليعة الثورية (والفدائيون) التي تدرك مسؤوليتها أن ترسم طريقها، وتحدد خطوط سيرها في إطار الواقع المحيط وبعيدًا عن الارتجال والعفوية على أسس منفتحة واعية لسائر الظروف والاعتبارات.... وسائر المجالات المحلية والعربية والدولية".
الوعي مقابل الوهم!
هكذا كانت البداية النظرية فهمًا واقعيًا بعيدًا عن الارتجال أو الخيال أو الوهم بالآخرين بل بالبدء من الذات الفدائية وقوى الذات، لذا كان تنظيم الطليعة وبالجماهير هو الأصل بالحركة، ومع اختلاف الظروف بالبدايات من نشأة الثورة والمراحل اللاحقة ومن شابها من اخفاقات، الا أن الأساس النظري باعتماد التفكير العلمي والواقعي والاستناد لقوى الشعب ظل المحرك حتى اليوم، وفيما حصل من متغيرات داهمة لم تأخذ بالوهم أو الخيال أوالارتجال، وإنما مصلحة الشعب والأمة وتحرير الأرض لأن "معركة فلسطين هي معركة الأمة العربية، وقيادة الشعب الفلسطيني للنضال العربي" .
بالطبع فإن الظروف اختلفت والقياس بشكل كامل لا يصح ولا يجوز، ولكن المباديء على ما ظهر تظل كما هي رغم أنه عبر المسيرة الطويلة تغيرت أهداف ومباديء كما تغيرت وتعددت الكثير من الأساليب والوسائل النضالية على اعتبار التغيير والتطور جزء لا يتجزا من الفهم السياسي وفي ظل عمق الفكرة العلمية او الصلبة المرتبطة بالغاية والإيمان بالله والحق والعدالة لذلك ذكرت الحركة في ما تسميه "بيان حركتنا" وتحت عنوان انسانية الطليعة "إن على الطليعة من أبناء عرب فلسطين عبئًا انسانيًا كبيرًا هو تخليص المجتمع الفلسطيني من آثار النكبة كلها....وستذوب الطليعة مع شعبنا ليبزغ بهذا الاندماج فجر الثأر والحرية والعودة الكريمة الى الأرض".
إن الثورة أو المقاومة أو إن شئت تسميتها بالجهاد أو النضال هي جهد متراكم يقوده الطلائعيون يذبون به عن الجماهير، فيقدمون حياتهم فداء للناس والوطن، ويعون حالة التشابك بين الامكانيات والقدرات والمحاور والمعسكرات والاقدام والاحجام، والتقدم والتراجع، ولا يلقون شعبهم بالتهلكة بل يقيمون لهم كل الوزن الكبير. فالمسيرة طويلة والدرب شاق. والديمومة تعنى أصالة الفكرة وحراكية أدوات النضال.