الضجيج المفتعل حول التسليح الأمريكي لحرب الإبادة!!
وسام رفيدي
الجدل المثار حول التسليح الأمريكي لآلة الإبادة في غزة يبدو جعجعة دون طحن، وضجيجاً لا أكثر. مرة يعلن مسؤول ما أن المسألة تتعلق بإجراءات بيروقراطية لا أكثر، ومرة إنها فقط قضية تأجيل تسليم (قنابل دقيقة) لمزيد من الفحص، ومرة الإعلان بأن المسألة تخضع لفحص بعض المعطيات حول (عمليات محددة أدت إلى مقتل مدنيين استخدم فيها سلاح أمريكي)، وأحياناً ينبري أحدهم ليعلن أن لا مشكلة أصلاً في تزويد إسرائيل بالأسلحة، فيما يتم تصوير زيارة غالانت وزير الجيش لأمريكا، واجتماعه بأوستن، وزير الدفاع الأمريكي، بأنها فقط لبحث مسألة التسليح، فيما الوضع في جنوب لبنان وأزمة الجيش الإسرائيلي هناك، وموقف حزب الله وجاهزيته وتهديداته هي الموجودة على طاولة البحث، أما تصريح نتنياهو حول مسألة التسليح فيجري إخراجه من حقيقته، كتصريح للابتزاز اعتادت الحركة الصهيونية على ممارسته، وتمهيداً لزيارته في اللعب على وتر الصراع الانتخابي المقبل بين الحزبين، دعماً لترامب دون مواربة.
وهكذا تستمر سلسلة التصريحات التي تُغرق الرأي العام، ومعه بعض المحللين، بتفاصيل مفتعلة حول المسألة، ليجري وفقها تضخيم تلك المسألة حد التحدث عن خلافات وتناقضات تتعمّق بين الإمبريالية الأمريكية وإدارتها الحالية، وبين المشروع الصهيوني الاستعماري وحكومته الحالية، قوامها ازدياد ممارسة الضغط الأمريكي على دولة إسرائيل. أما الحقيقة التي تؤكدها مجازر الميدان ووحشية الحرب، وبعض التصريحات (الصادقة) المنفلتة من الجوقة، فهي في مكان آخر، وهي أن التسليح الأمريكي على قدم وساق، ولم يتوقف أصلاً، ولا مشكلة حوله.
لسنا بحاجة لدلائل لتأكيد المؤكّد برسم الدم المسال في المجازر والإبادة لأكثر من 100 ألف شهيد وجريح، وتدمير أكثر من 75% من منشآت القطاع ومنازله وبنيته. المؤكد الأول أن الإمبريالية الأمريكية وإدارتها شريك رئيس في حرب الإبادة، ومعها حفنة من دول حلف الأطلسي، تسليحاً وتعاوناً استخبارياً وتقنياً، فالإبادة لشعبنا تلطّخ يد حلف الأطلسي، وفي المقدمة الامبرياليتان الأمريكية والبريطانية. أما المظهر الآخر للشراكة فهو التغطية السياسية الدولية لمجرمي الحرب الإسرائيليين: فقرار محكمة العدل الدولية بوقف الحرب على رفح غير ملزم، وقرار مجلس الأمن بتأييد صفقة بايدن، تتحمل حماس مسؤولية تعطيله، وحرب التجويع التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها من حيث همجيتها ووحشيتها ولاأخلاقيتها، يتم التعمية عليها ببعض التصريحات الفارغة دون أي إجراء حقيقي ضد القائمين بها.
أما المؤكد الثاني فهو أن الاختلافات في الرؤية حقيقة تطبع علاقات الإمبريالية الأمريكية بالقيادة الحالية للمشروع الصهيوني. اختلافات لم تصل حد الخلافات أو التناقضات التي تمس الموقف الإمبريالي الداعم بلا تردد لحرب الإبادة. بين رؤية أمريكية تريد إنقاذ إسرائيل من ورطته التي خلقهتا لنفسها، بأهداف تعجز عن تحقيقها، وبوضع (تصورات لليوم التالي) لا تخلو من الغباء، ورغبة في استغلال الحرب الحالية لتعميم دمج إسرائيل في المنطقة العربية عبر التطبيع وتصفية القضية الوطنية. بين هذا الموقف، وبين الموقف الإسرائيلي المحكوم بالرغبة المَرَضيّة بالتقتيل الانتقامي غير المحكوم بأية حسابات عسكرية، لإنقاذ مكانة الجيش والحكومة والمجتمع ككل، رغبة يحركها حالة من الرهاب الجماعي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، ويعززها يومياً تعمّق الشعور بالهزيمة وعدم الثقة بمستقبل المشروع الصهيوني ككل.
بين هذا وذاك يستمر الدعم الأمريكي خارج نطاق الاختلافات، فتلك تعالج بهدوء القاتل المحترف الذي لا تهتز يده عند إطلاق النار على ضحيته، ولا يضيع الاتجاه.
والتطور الجديد الذي نعتقده يعمّق من طبيعة العلاقة بين الطرفين، وهي بالمناسبة علاقة تتجاوز حدود المصالح لتصل حدود التلاقح بين مشروعين استعماريين تاريخيين عنصريين، هذا التطور نعني به الوضع على جبهة لبنان، والذي نعتقد أنه تجاوز حدود مجرد الإسناد، ليصل حدود المعركة الأخرى والتي نراها المعركة الأساس منذ بضعة اسابيع.
ما يعزز هذا التطور حقيقة الجاهزية القتالية المعلنة دون مواربة من قبل حزب الله، والمدعومة بقدرات عسكرية واستخبارية وبشرية لم تكن متوقعة من قبل دولة الاحتلال، و(الهدهد) رسالة واضحة لكل ذلك، الأمر الذي وضع إسرائيل وجيشها في أزمة جديدة، غير أزمة فشل تحقيق الأهداف المعلنة في القطاع، فهو من جهة لا يستطيع توسيع الحرب على لبنان لأنه يتوقع توسيعاً هائلاً في الرد، وهذا ما أعلنه نصر الله، ويصدّقه الإسرائيليون كالعادة، ولا هو بقادر على عدم الرد فتتعمق أزمة هزيمته ومكانته وثقة مستوطنيه به.
هنا بالذات يمكن وضع زيارة غالانت لواشنطن، وليس عند مسائل عابرة وتفصيلية، محسومة منذ عشرات السنين، من نوع التسليح. وهنا بالذات تتأكد حقيقة أن جبهة الجنوب ستكون في موقع الحسم عاجلاً أم آجلاً، يسندها بذلك استمرار المقاومة في إظهار قدراتها العسكرية في مختلف مواقع القطاع.
أما الضجيج الإسرائيلي حول توسيع الحرب على لبنان، أو الدخول البري فدلائل كثيرة تشير لعقم هذا التفكير من الناحية السياسية والعسكرية، وأقله أنه ليس أكثر من مغامرة خاسرة مع قوة كحزب الله، حذّر منها العديد من الجنرالات المتقاعدين في إسرائيل، وإلّا لماذا ينتظر الإسرائيليون قرابة 9 شهور دون أن (يفعلوها)، فيزيحون حزب الله حتى الليطاني، واليوم بات كل مطلب الأمريكان 8 كيلو مترات شمالاً، وبالتالي، يعيدون سكان المستوطنات الأكثر من 120 الفا إلى مستوطناتهم في الشمال.
العلاقة بين الإمبريالية الأمريكية وإدارتها، والمشروع الصهيوني ودولته، أعمق بكثير من مجرد اختلاف حول قضية تسليح مفتعلة كثيراً، وأكثر من اختلافات حول الرؤية حول مآل حرب الإبادة. إنها علاقة مشروعي رجلين أبيضين ينحدران من ذات المشروع الاستعماري الأوروبي العنصري: واحد في الغرب، في أمريكا، والثاني في الشرق، في فلسطين، تلك علاقة لا يفسدها اختلافات بين أبناء نفس المشروع في الرؤى.
الجاهزية القتالية المعلنة دون مواربة من قبل حزب الله، والمدعومة بقدرات عسكرية واستخبارية وبشرية لم تكن متوقعة من قبل دولة الاحتلال، و(الهدهد) رسالة واضحة لكل ذلك