أعراس غزة
العرس بين خيمتين وشهر العسل في رفح والبيت خيمة، والشهود نازحين والحضور جيران الخيمة واللجوء، هكذا تواصل غزة إعلان جدارتها بالحياة رغم حرب الإبادة، وهكذا تواجه دموية المشهد بإتمام الأعراس على نحو خاص يشبه أيامها وأوقاتها وظروفها القاهرة.
العرس بين خيمتين نشيدٌ للحياة وصوت الأمل الذي ينبعث في وجه الحصار والخراب.
غزة الجريحة والذبيحة، وقد دمرت بالكامل، مرافقها وبيوتها ومستشفياتها ومدارسها وجامعاتها ومساجدها، وهي تعيش تحت القصف، تقيم أعراسها لشباب وشابات من دون جاهة وحفلة حناء وسهرة للعروسين، ومن دون فستان أبيض ولا طرحة وتسريحة شعر أنيقة، ومن دون قاعة أفراح وحفل زفاف، وبلا بيت للعروسين وغرفة نوم وصالة طعام ومعيشة، وعلى نحو خاص يسعى البعض لمواصلة حياتهم بعد أن يئسوا انتظار توقف الحرب، فكان العرس في الشارع، وكان بيتهم خيمة على حافة الحدود في رفح، والخيمة بلا طعام ولا شراب في زمن الحرب والحصار.
صحيح أنها ليست تقاليد الأفراح ولا عاداتنا، لكنها في زمن حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال، قد تبدلت العادات وباتت على هذا النحو الذي نراه بين الحين والآخر، وهذه المشاهد باعثة للأمل برغم كل ما يحدث، الحب في زمن الحرب والعرس في زمن الحرب والولادة في زمن الحرب وهذه ديمومة حياة غزة التواقة للحياة ولغدها الحرّ من دون حرب ومن دون احتلال وحصار، وهي بذلك ترسم مصيرها نحو الحياة لا نحو الموت الذي يريده لها أعدائها.
غزة التي تواصل صمودها وثباتها رغم كل ما تعيشه من ظروف قاسية ومستحيلة، ورغم الموت الذي يصيبها إلا أنها تصرّ على الحياة، وتصرّ على الحب والوفاء، وهي تتعالى فوق الركام، وتخرج من بين الرماد لتعلن أعراسها وهي بذلك تقول للعالم أنها ترفض أن تموت، وأنها ذاهبة إلى الحياة، رغم آلة القتل والإرهاب، ورغم تطرف وفاشية الاحتلال، ورغم كل ما يحدث.
أرادوه زمن الموت والإبادة لغزة، فقتلوا وهدموا وقصفوا وحاصروا ومنعوا الغذاء والدواء، واجتاحوا شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ولم يعلموا أن غزة لا تموت، بل تحيا رغمًا عنهم وعن إرادتهم، ورغمًا عن حربهم وحصارهم، وهذه غزة التي عقدت العزم على الصمود والحياة، وأن تحافظ على رسم الحياة في زمن الحرب، فكان الحب شاهدًا والبيت خيمة والعرس في الطريق.