رد المقاومة على اتفاق الإطار .. أكثر من تبادل وابعد من هدنة مؤقتة

فبراير 8, 2024 - 16:49
رد المقاومة على اتفاق الإطار .. أكثر من تبادل وابعد من هدنة مؤقتة

مَنْ تابع موقف المقاومة المعلن في الأيام الأخيرة توقّع تماماً ردّها على اتفاق الإطار الناتج عن اجتماع باريس. ومَنْ يتلمس عوامل القوة لدى المقاومة وشعبنا أيضاً كان يمكنه توقّع هذا الرد. رد هو أكثر من صفقة تبادل وابعد من هدنة مؤقتة.

 رد هو بمثابة إعلان انتصار مبكّر لشعبنا وهزيمة للصهاينة، فمن يتقدم بهكذا رد كأنه يعلن: هذه شروطنا لأننا أقوياء وانتم مهزومون، لذلك على قادة الكيان بلع تصريحاتهم العنترية التي لا تتوقف، وتساق لاعتبارات داخلية لا أكثر، فيما هي في واد وواقع الميدان في واد آخر.


ماذا يقول الميدان؟ يقول ان عوامل قوة المقاومة ظاهرة ما يبرر لها هكذا رد، ويدفع على التوقع ان الكيان سيرضخ مهما راوغ وغالى في جعجعات تصريحاته. من جهة فالمقاومة بخير، تقاتل وتوقع الخسائر في جيش الكيان، وحتى في المناطق التي أعلن الاحتلال من باب الفشخرة انه قضى على المقاومة فيها. من ناحية ثانية، فالورقة الأهم في يد المقاومة، اسرى الكيان، لا زالت قادرة على الاحتفاظ بهم، رغم عشرات آلاف الجنود ومئات الآليات وتقنيات التجسس والرصد والتنصت، البرية والجوية، البشرية والتقنية، التي تجوس رمال القطاع متراً متراً للوصول إليهم. من ناحية ثالثة فالحاضنة الشعبية للمقاومة، وبالرغم من تضحياتها غير المسبوقة في التاريخ، وبسبب تلك التضحيات بالاساس، فهي لن تقبل بأقل من انتصار تاريخي يعادل هذا الحجم من التضحيات، فحجم التضحيات التاريخي، والكارثي، تحول ليغدو حافزاً للتمسك بالحد الأقصى من المطالب والشروط لتحقيق الانتصار. واخيراً، فالرأي العام العالمي الشعبي ما زال في الشارع يهتف لحرية فلسطين، ويعزل الصهاينة وحلفاؤهم الامبرياليين، ويطالب بوقف حرب الإبادة، وهذا مكسب هائل وتاريخي لشعبنا. 

وأخيراً فإن قرار محكمة العدل الدولية وضع الكيان في خانة الاتهام بالإبادة وجرائم الحرب لأول مرة في التاريخ، وذلك له مفاعيل تاريخية بمستوى موقف المحكمة التاريخي، وهذا أيضاً عامل قوة للمقاومة.


وماذا عن الكيان؟ الضغط يتصاعد لتوقيع اتفاق تبادل يحرر اسراهم لدى المقاومة، ضغط يريد الأسرى ولا يريد وقف الحرب، فالشارع لديهم فاشي عنصري بامتياز ولا يرضى بأقل من تدمير غزة بالكامل وإبادة شعبها، فهو يريد الأسرى ويريد مسح القطاع. وخلافاتهم التاريخية باتت تصل حدا لم تصله يوماً، لا بل وتكتسب طابعاً نزقاً يميز الزعران لا رجال السياسة، سواء داخل مجلس الحرب او الكابينيت المصغر، وأميركا التي تدعم الكيان للنهاية ولم، ولن، تمارس عليه أية ضغوط، باتت صراحة تضيق ذرعاً من حرب لم يحقق فيها الكيان إلا التقتيل والتدمير، ومع ذلك يمضي فيها نتنياهو إلى حتف كيانه، فالخلاف الأميركي الإسرائيلي ليس على الحرب، بل على عدم قدرة الكيان على تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وعلى حجم الضحايا لا على الإبادة بحد ذاتها، فهي تريد إنقاذ الكيان من مجموعة من الفاشيين المهوسون بالانتقام والدم والذين يعرّضون الكيان لخطر الزوال الفعلي في قادم السنين، وبالتالي فسعيها للصفقة إنقاذ للكيان، كما هي بالضبط بنود اتفاق الإطار الأصلية، وليس وقفاً للعدوان. كل ذلك يجري بالتزامن مع تصعيد غير مسبوق لقوى محور المقاومة فجّر المنطقة في وجه الأميركان، في لبنان والعراق واليمن، الأمر الذي يُعتقد أن الاميركان في غنىً عنه دولياً، خاصة مع اشتعال الجبهة الأوروبية مع روسيا، والجبهة الشرق آسيوية مع الصين.


لكل ذلك يُتوقع خضوع الكيان، ولكن ليس دون محاولات دموية للتخفيف من شروط المقاومة وفرض التراجع عليها، محاولات بدأت منذ ثلاثة ايام على مسارين مختلفين، الأول التصعيد في قصف جنوب رفح، أي على الحدود المصرية الفلسطينية، وفي موقع يزدحم فيه أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني نازح في ظل شروط حياة معدومة تماماً، وفي تهديد واضح بارتكاب إبادة منظّمة تدفع بالنازحين لاقتحام الحدود، في رسالة واضحة ليس للمقاومة فحسب، بل وللمصريين الذين حتى اللحظة يرفضون تغيير اتفاق محور فيلادلفيا. من المتوقع ان (يحاور) الصهاينة المقاومة بالإبادة والمجازر، ليفرضوا على المقاومة، وللمرة العاشرة يأملون ويفشلون، التراجع عن شروطها.


أما المسار الثاني الذي بدأ يصعّد منه الكيان فهو الضغط على الحاضنة الشعبية بالتجويع، لتضغط على المقاومة، على أمل، وايضاً للمرة العاشرة يأملون وسيفشلون، لذلك يمنعون وصول المساعدات لشمال القطاع، الذي يؤرقهم صموده ومقاومته حتى بعد إعلانهم الانتهاء منه، وكذلك قصف شاحنة المساعدات في خطوة تجعل من الطبيعي تصنيف جيش الكيان بأنه خارج كل قواعد وأخلاقيات الحرب وقوانينها واعرافها. إن شمال القطاع يتعرض للإبادة عبر التجويع واستمرار القصف، في خطوة لدفع السكان المتبقين للرحيل، وللضغط على المقاومة.


الضغط على الحاضنة لتضغط بدورها على المقاومة هذا رهانهم الأساس، فماذا يملكون منذ أربعة شهور غير التقتيل والتدمير والتجويع ؟ ولكن كل التقارير الصحفية التي تتناول موقف السكان المكلومين في القطاع، تؤكد حقيقة أن حجم التضحيات التاريخية يطلب شعبنا مقابله حجم انتصار تاريخي.


لم تكن اتفاقية الإطار الصادرة عن اجتماع باريس وساهم بصياغتها رئيسي الموساد والشاباك، سوى محاولة لإنقاذ رأس الكيان: إطلاق سراح أسراه مقابل هدنة مؤقتة توفر للكيان فرصة التقاط أنفاسه وتخفيف الضغط الداخلي على جيشه وحكومته، للعودة للعدوان، ما يسهل أيضاً إعادة عجلة التطبيع السعودي الإسرائيلي لسكتها التي أخرجتها المقاومة عنها. وبايدن وإدارته يتعطشون (لإنجاز ما) في سنة الانتخابات التي لا تبشر بخير على صعيد حزبه بعدج افتضاح مشاركته وإدارته في حرب الإبادة، لذلك (فصفقة ما)، وإعادة التطبيع لسكته، ستكون بمثابة خشبة انقاذ لبايدن وحزبه أمام التراجع الكبير في مكانة الاثنين.


كل ذلك، اي ظروف التفاوض، أدركتها المقاومة، فكان ردها دحر لاتفاق الإطار، وبذات الوقت وضع شروط ومطالب تحوله بذات الوقت، إن تحقق كما هو، لانتصارٍ تاريخي، والأهم تحوله لأداة لإنهاء العدوان والتخفيف من معاناة شعبنا.
لذلك كان الرد أكثر من صفقة تبادل، وابعد من هدنة. فالقضية لم تعد، ولم تكن أصلاً منذ انطلقت "حماس" في هجومها في 7 أكتوبر فقط تبادل، بل إنهاء الحصار واقتحامات الأقصى بالاساس، وفتح الطريق أمام أفق سياسي للتحرير والعودة. 

لذلك لم تنجح أميركا ومعها الكيان وبعض العرب في تقزيم الصفقة لصفقة تبادل، كما صفقات عديدة في تاريخ الصراع. 

وتحقيق مطالب المقاومة بوقف العدوان والإبادة لا يمكن اصلاً دون الانسحاب الكامل من القطاع، وفتح المعبر لإدخال المساعدات دون قيود، ورفع الحصار، والبدء سريعا بتنظيم الإيواء على طريق إعادة الإعمار وعودة النازحين لبيوتهم. دون وقف إطلاق النار، اي وقف العدوان والانسحاب، لا يمكن تحقيق كل ذلك، وأصابت المقاومة حين وضعت كل ذلك مقدمة لصفقة تبادل يجب السعي لتنفيذها وفق مقولة "الكل مقابل الكل".


إننا أمام مفترق تاريخي صنعته المقاومة وصمود شعبنا بتضحيات مهولة، ويجب المضي قدماً فيه لتحقيق انتصار تاريخي لشعبنا يعادل تضحياته، انتصار نتلمس ممكناته يومياً على أرض الميدان.