دبلوماسية اميركا .. سذاجة العرض وبشاعة التطبيق

فبراير 8, 2024 - 16:48
دبلوماسية اميركا .. سذاجة العرض وبشاعة التطبيق

يدهشك وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية انتوني بلينكن وهو يربط الاحداث ببعضها ليخرج بإستنتاج عجيب غريب، يدهشك هذا العقل الاميركي المسطح و الساذج ، الراغب دوما بالاختزال والاختصار والقفز عن التفاصيل والخلفيات و الصورة المركبة ، ليبرر مصالحه وسياساته واهدافه ، سهولة العرض هنا تخفي بشاعة المضمون ، يدهشك هذا العقل العملي والقريب والقافز ابدا الى مصالحه واهدافه بغض النظر عن احترام الاخرين او النظر الى مصالحهم او طموحاتهم او ما قد يسبب ذلك من اشعال للحرائق ، فالدبلوماسية التي يقودها بلينكين تتميز بسطحيتها الشديدة واختزالتها المضحكة واستنتاجاتها الغبية ، معتمدا في ذلك طبعا على القوة والبلطجة والقدرة على فرض هذه السطحية على الجميع ، تماما كالعملاق القوي القادر على تدمير كل شيء غافلا عن وجود نقطة ضعف فيه يمكن ان تقوده الى الفناء ، ويبدو ان القصص القديمة اكتشفت هذا التناقض المذهل او السر الكامن في ان العمالقة الاقوياء هم من السطحية والسذاجة بمكان الى درجة انهم يتهالكون بسبب غفلتهم عن نقاط ضعفهم ونقصهم ، العملاق الاميركي وبسبب عنجهيته و غطرسته وعدم انتباهه يقود ديبلوماسية في منطقتنا تخدم مصالحه الاستعمارية بالدرجة الاولى ، وهي دبلوماسية انانية غرائزية ، وسهلة ايضا وتقوم على الاتي :


اولا : دعم اسرائيل والانحياز لها وتوفير كل ما يلزم من اجل ترسيخ احتلالها و عدوانها وتفوقها ودمجها في المنطقة دون تقديم استحقاقات لكل ذلك ، وما تقوم به اميركا لادامة هذا الاحتلال يتمثل في اضعاف العالم العربي والاسلامي من جهة و التلويح كل مرة بتسوية سياسية لا تتحقق من جهة ثانية .


ثانيا : الاعلان عن عدم رغبة الولايات المتحدة بتوسع الصراع ليس من خلال تقديم حلول سياسية حقيقية او فتح مسارات قادرة على اقناع الاطراف جميعا ، ولكن من خلال القوة وسياسة الاستعراض والاستقواء، اميركا ليست صادقة عندما تعلن عدم رغبتها في توسيع الصراع لانها لا تعمل من اجل ذلك فهي تجعل الحرب على الشعب الفلسطيني وترفض الاعتراف بدولتهم او حقوقهم ، وكل ما تفعله هو ان تسهل لاسرائيل افعالها وتعطيها الوقت والتبرير لانهاء اغراضها التي لا تخفى على احد ضد الشعب الفلسطيني .


ثالثا : سياسة اميركا المتمثلة في تخفيض حدة الحرب على غزة وزيادة المساعدات اليها هي سياسة بالغة النفاق وقمة الاستهتار بشعوب المنطقة والقانون الدولي و الانساني ايضا ، وتعارض الصورة التي تحب اميركا ان تبدو بها امام العالم ، ان هذه السياسة تقول عمليا ان من الممكن قتل الناس ومن ثم اطعامهم ، والمشكلة العظمى هنا ان هذا المفهوم المغلوط والمناقض للقيم الانسانية تم تبنيه من قبل كثير من الدول الغربية وغيرها من الدول الضعيفة التي لا تستطيع ان تعارض اميركا .


رابعا : سياسة اميركا القائلة بضرورة تحديد من يمثل الشعب الفلسطيني هو تدخل فظ وعلني في شؤون الشعب الفلسطيني ، وهو تدخل لا يفيد على المديين القصير و الطويل ، بالعكس من ذلك ، ان تحديد مصير الشعب الفلسطيني ودولته وممثليه و التدخل في وعيهم وتمويلهم واتجاهاتهم انما هي وصفة حقيقية لاستمرار العنف و التطرف والكراهية ، وبالمقارنة مع طريقة اميركا في التعامل مع الجمهور الاسرائيلي واختياراته (الديمقراطية) سنرى الفرق الشاسع في كيفية تعامل الادارة الاميركية الناعم والرخو .


خامسا: سياسة اميركا بمحاربة "الاونروا" انما هو انحياز للموقف الاسرائيلي الذي يحتاج الى كثير من الجهد لاثباته، ان هذا الموقف الاميركي المتعجل انما هو تجويع لستة ملايين فلسطيني وانهاء لاحدى اهم مؤسسات الامم المتحدة التي اقيمت بقرار اممي ، مما يعني ان اميركا تعمل على انهيار النظام الدولي العالمي الحالي في مقدمة (ربما) لتوزيع جديد للقوة والنفوذ بالعالم .


سادسا : رؤية اميركا ان الحرب في المنطقة مع ايران واذرعها ، وهي جملة صارت شائعة ، انما هي رؤية ساذجة جدا ، فالامر اعقد من ذلك بكثير ، ان اهم صراع في المنطقة هو الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهو السبب الاهم في كل ما تشهده المنطقة من توتر ، وبلغت السذاجة او التغابي بالادارة الاميركية للقول ، ان ما يجري في باب المندب لا علاقة له بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي .


سابعا : ان رؤية اميركا القائلة بأن التطبيع سيحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي انما هي رؤية ساذجة ايضا ، فلا يمكن للتطبيع ان يكون بديلا عن الحقوق او عن زوال الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية ، ولا يمكن لاميركا ان تخدع العالم العربي في كل مرة بالقول انها تدعم الدولة الفلسطينية (دون تفاصيل ودون تحديد) مقابل هذا التطبيع الذي اثبت انه علاقة تفيد الجانب الاسرائيلي بشكل اكيد .


ثامنا : سياسة اميركا التي تقوم على ادارة الاحتلال الاسرائيلي وادامته دون اعتبار لطموحات الشعب الفلسطيني ونضالاته لا يمكن لها ان تظل ناجحة على مدى عقود ، وقد دفعت اميركا بالذات ثمن تجاهل الشعوب وطموحاتها في فيتنام وافغانستان و اميركا اللاتينية .


لا يمكن لاميركا ان تستغل اسرائيل ايضا وتجعلها في خندق متقدم في منطقة مشتعلة من اجل مصالحها الاستعمارية او اللاهوتية ، ان هذه السياسة تستنزف الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة وكذلك الاسرائيليين الذين بدأوا يدركون انهم مجرد (نجمة اخرى في علم الولايات المتحدة الاميركية) .