الحل السياسي

يناير 24, 2024 - 13:59
الحل السياسي

الحرب بالحل السياسي الذي تهدف إليه. وهذا يتوقف على نتيجة الحرب وماهيتها. وترتبط الحرب بدول القوة التي تجعل من قوتها العسكرية الوسيلة لفرض أهدافها على الطرف الآخر وهنا السؤال: ماذا تريد دول القوة من الحرب؟ وبصيغة أكثر وضوحا ماذا تريد إسرائيل من حربها الأن على غزة؟ وقبل ذلك هل حققت حروبها العديدة على غزة وعربيا ما تريد؟ بإستقراء تاريخ الحروب السابقة النتيجة الحتمية فشل خيار الحرب في الوصول لتسوية سياسية تحقق الأمن والإستقرار والبقاء والعدل . 

وفي حالة إسرائيل السؤال ثانية هل حققت أمنها وبقائها رغم تفوقها العسكري ؟ والإجابة بلا، وهذا ما أثبتته الحرب الأن على غزة الصغيرة وألأقل قوة رغم ما الحقته من دمار شامل . 

فلا إسرائيل قادرة على محو الشعب الفلسطيني ، وما زال يملك القدرة على المقاومة ورفض الاحتلال. الحل السياسي تفرضه وقائع كثيرة على الأرض .. الحقائق الجغرافية ووحدانية الأرض وصعوبة فصلها بحدود واهية ضعيفة وثانيا العوامل السكانية والتداخل غير المسبوق بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، فلا يمكن لفظ أحداهما للأخر. وحقيقة ان الفلسطينيين ليسوا مجرد جماعات سكانية بل هم شعب له هويته الوطنية والقومية وتاريخه الطويل على هذه الأرض الذي يسبق الوجود اليهودي .

 وحقيقة تاريخية غائبة أن اليهود وحتى الهجرة ألأولى كانوا يعيشون كشعب واحد مع الفلسطينين ولم تظهر بوادر الصراع إلا مع الهجرة الثانية في عشرينيات القرن الماضي عندما بدأت تظهر سياسات الإقتلاع والقوة والسيطرة على الأرض ومحاولة نفي صاحب الأرض والحيلولة دون قيام الدولة الواحدة، فكان يفترض ان نظام الإنتداب البريطاني الذي فرض على فلسطين كما بقية الدول العربية الأخرى أن يكون هدفه العمل على قيام الدولة الواحده لكل ساكني فلسطين لكن الهدف كان تنفيذ وعد بلفور وتحقيق هدف التحالف الصهيوني الإستعمارى بقيام الوطن القومي اليهودي والمقصود من وقتها قيام الدولة اليهودية او دولة الكل اليهودي.

 والسؤال هنا كيف يمكن أن تقوم إلا على حساب عدم قيام الدولة الفلسطينية وعلى حساب السيطرة على الأرض وتهجير سكانها. هذا ملخص تاريخ ماحدث، وهذا ما يفسر لنا إستمرار الصراع والعنف والحروب بين من له حق في أرضه وبين من يريد ان يفرض دولته بترديد أساطير وسرديات ثبت فشلها كأرض الميعاد وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض والأرض الموعودة .

 هذا الفشل تجسده الحرب الأن على غزة. فلا بديل للحرب إلا بالحل السياسي الذي يعترف بالفلسطينيين كشعب له حقوقه الثابتة تاريخيا والمدعومة دوليا، وبقيام دولتهم المعترف بها من قبل 139 دولة ولها صفة المراقب في الأمم المتحدة وحقهم في تقرير مصيرهم . وكما يقول جورج كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي أن صناعة السلام أصعب من صناعة الحرب، فالحرب تقوم بقرار نخبة من العسكر والساسة أما السلام فهو قررا شعب.

 وكما يقول الفيلسوف أفيشاي مارغليت: يجب الحكم بتسوياتنا أكثر من أفكارنا ومعاييرنا، ألأفكار تخبر عما يجب أن نكون والتسويات تخبرنا من نحن. ولعل ما قاله اللورد البريطاني بيتر هيني وهو وزير سابق للشرق الأوسط: إن المفاوضات الصعبة ستحقق ما لاتستطيع القنابل تحقيقه. فإسرائيل لن تستطيع تدمير "حماس" وإقتلاع جذورها فهي حركة أيدولوجية ، ومنغرسة في شعبها.

 ويضيف أن الدروس المستفادة من جميع الصراعات الحديثة يجب أن يكون هو أن فشل الأقوياء في إنهاء الظلم والتفاوض على حل ، يولد التطرف ، وعندما لا تنجح السياسة فإن العنف يملأ الفراغ. وعليه لا يوجد حل غير الحل السياسي وأساسه إنهاء الاحتلال وقيادم الدولة الفلسطينية السلمية المدنية والبحث عن صيغ للتعايش تفرضها الأرض الواحدة والتداخل السكاني والإعتماد المتبادل إقتصاديا. لا يمكن تدمير إسرائيل عسكريا، ولا يمكن دفن القضية عسكريا. ولا يمكن لإسرائيل تحقيق الأمن إلا بالأمن الفلسطيني. هذا ما أثبته تاريخ الصراع والحروب، وما أثبتته الحرب الأن على غزة. فالبديل للحل السلمي العنف وإنتشار الكراهية والحقد والعنصرية والإستعلاء القومي.

 ولعل ما كتبه الفيلسوف الصيني آمارتا صن ينطبق على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، حيث يفسر لنا لماذا الحرب والصراع في كتابه الهوية والعنف، بقوله: أن العنف هو نتائج للآثارالمروعة لتصغير الناس. هذا الكلام ينطبق على العقلية الصهيونية اليوم من حيث النظر بعدم الإعتراف بالفلسطينيين على انهم شعب وهذا ما يردده نتنياهو نفسه الذي يستخدم بدلا من كلمة شعب كلمة السكان. هذه العقلية تقف وراء أي حل سياسي ونتيجتها الحرب والقتل والتدمير . ويبقى ان الفلسطينيين كما هم في حاجة للحل السياسي إسرائيل أيضا في حاجة لهذا الحل والإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال ، ونبذ العنف وإحلال قيم التسامح والتعايش المتبادل. ومسؤولية الحل السياسي مسؤولية دول السلام ومسوؤولية الأمم المتحدة .
drnagishurrab@gmail.com