الانضباط: الجسر الذي يعبر بالأحلام المؤجلة إلى الواقع الملموس
الانضباط: الجسر الذي يعبر بالأحلام المؤجلة إلى الواقع الملموس
محمد قاروط أبو رحمه
فكرة الرائد ركن تركي أبو جرار
رئيس ركن التدريب، معهد التدريب المركزي اريحا. هيئة التدريب العسكري.
بين حلم يراود الخيال وواقعٍ نعيشه، تمتد مسافات شاسعة مليئة بالتحديات والفوضى. الأحلام في جوهرها هي بذور الأمل، لكنها غالباً ما تبقى حبيسة "الانتظار" و"التأجيل"، تتحول مع مرور الوقت إلى مجرد أمنيات عابرة.
ما الذي يصنع الفارق بين الحالم الذي يمضي وحياته كما هي، وبين الذي يقطف ثمار رؤيته؟
الإجابة في كلمة واحدة:
الانضباط.
والانضباط ليس قيداً، بل هو "معراج" الروح من الكسل إلى الفعل، ومن التبعية للأمنيات العابرة إلى المرجعية في تحقيق الأهداف.
الأحلام المؤجلة:
فخ التواكل والأحلام المؤجلة هي تلك البجعات البيضاء التي تتبع المسار المتوقع والسهل؛ تتبع تيار الراحة والتسويف. هذا التواكل هو "الليل" الذي يغيب فيه حضورنا الفاعل. في غياب الانضباط، تتحول الحياة الكريمة إلى مجرد روتين آمن، يفتقد "الحكمة" والشغف. نغرق في بحر الأعذار، وننتظر "الفجر" أن يأتي دون أن نتصرف على أننا الفجر نفسه. هذا الانتظار هو المرجعية الوحيدة التي نتبعها: مرجعية الفشل المريح.
الانضباط: قوة "البجعة السوداء"
الانضباط هو الفعل غير المتوقع الذي يكسر رتابة الحياة اليومية. إنه "البجعة السوداء" التي تظهر على بياض الورق لتغير القواعد. عندما تتبنى الانضباط كمرجعية ذاتية، فإنك:
تتوقف عن الانتظار: لا تنتظر المزاج المناسب، ولا الظروف المثالية، بل تبدأ الآن.
تحوّل الرؤية إلى خطوة: تجزء الحلم الكبير إلى مهام صغيرة ومحددة يمكن السيطرة عليها يومياً.
تصبح "مرجعاً" لذاتك: لا تعود تابعاً للتأجيل أو للكسل، بل تصبح أنت المصدر الذي يغذي الفعل المستمر.
الانضباط هو "الدرع" الذي يحمي المحارب من سهام التشتت، وهو "الشمعة" التي تضيء المسار خطوة بخطوة في ليل العتمة الحالك.
من التبعية للمرجعية: هندسة الواقع
التحول من حالم تابع إلى مرجع منضبط هو تحول في الوعي. أنت تستخدم الانضباط كأداة هندسية لتحويل مادة الحلم الغائمة إلى واقع ملموس وصلب.
في بحر الكرامة (الأحلام): الكرامة هي حقك في الحلم بحياة أفضل.
في سماء الحكمة (الانضباط): الحكمة هي امتلاك الأدوات (الانضباط) لتحقيق هذا الحلم.
عندما تنضبط، فإنك تقول للكون: "أنا هنا، حاضر بكامل وعيي، ولن أسمح لليله أن يطول". أنت تمنح أحلامك المؤجلة حضوراً فيزيائياً.
كن أنت الشروق المنجز:
الأحلام المؤجلة هي طاقة كامنة تنتظر شرارة الانضباط لتتحول إلى واقع. لا يكفي أن تحلم، بل يجب أن تنضبط في السعي.
العالم لا يغيره الحالمون الكسالى، بل يغيره المنضبطون الذين يدركون أن "ما الليل إلا غياب حضورك انت او انا او هي او هو". تصرف بيقين الشروق، وامشِ بخطى الواثق من بزوغه، وحوّل كل حلم مؤجل إلى فجرٍ يسطع على بياض حياتك.
عندما نقرر أن تأخذ أحلامنا بالانضباط إلى الإنجاز، تكون قد امتلكت السيادة على أنفسنا.
وكل حلم يتحقق يقربنا من حقنا في ممارسة السيادة على أنفسنا.





