الصبر بين النظرية والتطبيق
دروس من تجربة موسى عليه السلام مع العبد الصالح (سورة الكهف)
الصبر بين النظرية والتطبيق
دروس من تجربة موسى عليه السلام مع العبد الصالح (سورة الكهف)
محمد قاروط أبو رحمه
(الملخص: دروس من تجربة موسى عليه السلام والعبد الصالح، جرب قبل ان تحكم، لا تفوت فرصة لتجربة شيء جديد)
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. الزمر الآية ١٠، هذا النص هو قانون إلهي نظري.
إنما النصر مع الصبر جزء من حديث للترمذي. وهذا قانون نظري عام وليس خاص للمسلمين.
بذلك يكون الصبر قانون إلهي وقانون بشري نظري. لذلك هو قانون يسري على أي فرد أو جماعة.
وبما أنه قانون نظري، فإن تطبيقه أثناء الممارسة العملية هو كشاف لقدرة الأفراد والجماعة على الصبر في المواقف التي تتطلب الصبر. لذلك وفي الممارسة التطبيقية لا تتعهد لأحد أنك ستصبر، ما لم تكن قد مررت بموقف وصبرت.
في تجربة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح، (فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا (65) قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرٗا (67) الكهف، هذا التنبيه من العبد إلى سيدنا موسى كان واضحا، لأن موسى عليه السلام كان مرفها في معيشته في كنف فرعون وزوجته.
رد سيدنا موسى عليه السلام على العبد الصالح: (قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. الكهف ٦٩). هذا تعهد مزدوج من موسى عليه السلام بالصبر وعدم معصية امر العبد الصالح. (لاحظ هنا ان موسى عليه السلام كان مندفع للتعلم، وقاده شغفه للتعلم بان أطلق تعهدات والزم نفسه بأمر لم يطلب منه، وهذا درس نتعلم منه اهمية العقلية الوقائية)
فأجابه العبد الصالح، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68). الكهف. هنا ميز العبد الصالح بين قانون او نظرية الصبر وبين امتلاك خبرة الصبر.
لذلك لم يقل له ما لم تحط به علما.
ثم وضع العبد الصالح شرطا إضافيا حيث قال:
قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعۡتَنِي فَلَا تَسۡـَٔلۡنِي عَن شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرٗا (70) الكهف
وهنا درس بليغ للمتدربين والمتعلمين، ان يسألوا عند السماح لهم بالسؤال، او في الفقرة المخصصة للأسئلة.
وفيه أيضا درس لقيمة الاستماع النشط (الاصغاء الفعال)، السماع المنفتح على الاستكشاف وليس الاستماع المقارن والاستماع بعقلية القاضي او المحامي. ونتعلم هنا أيضا ان تتبع أفكار المعلم حتى النهاية قد تجيب على أسئلة المتعلم.
أخفق موسى عليه السلام ثلاث مرات بتطبيق قانون أو نظرية الصبر، ولم يتمكن من تنفيذ وعده بأن يكون صابرا ومطيعا لأوامر العبد الصالح ولا يوجه له الأسئلة كما تعهد بنفسه.
أخفق اول مرة حين:
فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرٗا (71).
فأعاد العبد الصالح تنبيه موسى عليه السلام بما قاله له سابقا:
قَالَ أَلَمۡ أَقُلۡ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرٗا (72).
حاول موسى اصلاح الامر قال:
قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِي مِنۡ أَمۡرِي عُسۡرٗا (73).
الدرس هنا، قدم حجج مقبولة لعدم التزامك بالتعهدات، تعذر موسى بالنسيان، وطلب التخفيف عنه.
وأخفق مرة ثانية عندما:
فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا (74).
هنا تحول موسى عليه السلام من متعلم الى قاضي يصدر الاحكام، وهذا تحول نوعي اخرج موسى عليه السلام من سبب اتباعه العبد الصالح وهو التعلم.
الدرس هنا ان المتعلم مهما بلغ علمه، عندما يجلس على مقاعد التعلم عليه التصرف كمتعلم، وليس كقاضي يحكم على معلمه، ويجب على المتعلم كائن من كان، ان يلتزم بآداب التعلم واحترام المعلم.
ثم أعاد العبد الصالح تذكير موسى عليه السلام:
قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرٗا (75)
ثم موسى عليه السلام تذكر وعوده والتزاماته التي الزم نفسه بها، وتحسس اخطائه وتجد ذلك في قوله:
قَالَ إِن سَأَلۡتُكَ عَن شَيۡءِۭ بَعۡدَهَا فَلَا تُصَٰحِبۡنِيۖ قَدۡ بَلَغۡتَ مِن لَّدُنِّي عُذۡرٗا (76)
الدرس هنا ان موسى عليه السلام عاد وتعهد بالصبر وعدم عصيان الأوامر وعدم توجيه الأسئلة، وأضاف شرط رابع جديد، حيث تعهد إذا أخل بالشروط الثلاثة الأولى للمرة الثالثة يكون موسى عليه السلام قد اوجب على نفسه فراق العبد الصالح.
الدرس هنا ان موسى عليه السلام طور مجموعة من الالتزامات على نفسه لغايات نبيلة وهي التعلم من تجربة العبد الصالح.
وأخفق مرة ثالثة عندما:
فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا (77).
فكانت النتيجة الفراق كما اوجبها على نفسه موسى عليه السلام.
كان العبد الصالح كريما على سيدنا موسى عليه السلام، فعلى الرغم من تعثر وفشل موسى عليه السلام بالإيفاء بالتزاماته الا ان العبد الصالح أخبره وعلمه المعنى لكل التجربة.
موسى عليه السلام خاض تجربة وفشل في الالتزام بتعهداته، وقد أخفق بها جميعها.
لكنه تعلم من تجربته وتعلم من العبد الصالح.
هنا الدرس الأهم: التضحية من اجل التعلم، وكيف نتعلم من الأخطاء، وان كل خطئ يجب ان نتعلم منه، وان التجربة اهم معلم للإنسان.
الدروس الحياتية الأخرى عن الصبر:
أولا: الصبر قانون نظري.
ثانيا: وبما أنه نظري لا تتعهد لأحد بأنك ستصبر.
وثالثا: ولا تقبل تعهد أحد بأن يكون صابرا.
ورابعا: وأنه ليس كل الناس على قدر واحد من الصبر.
وخامسا: ودرب نفسك على الصبر لاكتساب الخبرة.
وسادسا: ولا تطلب من غيرك أن يصبر لأنه طلب غير عادل.
وسابعا: لا تطلب من غيرك أن يصبر قبل أن تقدم نموذجا وقدوة للصبر.
وثامنا: درب أبناءك ومن أنت مسؤول عنهم على الصبر في وقت الفرج ليكتسبوا الخبرة عند مواجهة الشدائد.
وتاسعا: افحص صلاحية قدرتك على الصبر بشكل دوري.
وعاشرا: تخير كلما أمكنك ذلك من الصحبة الذين يساعدونك على الصبر عند الشدة.
والله الموفق





