متناقضات غزة

أحمد رفيق عوض

أكتوبر 27, 2025 - 08:58
متناقضات غزة

أحمد رفيق عوض

فجأة، وفي انقلاب سافر على خطة ترامب الأصلية، يتكاثر الكلام عن غزة داخل الخط الأصفر غرباً وغزة خارج الخط الأصفر شرقاً، حيث سلطات الاحتلال تسيطر على أكثر من نصف مساحة القطاع، الخطورة هنا أن عمليات الإعمار ستتركز في المنطقة التي يحتلها الإسرائيلي، فيما تُحرم غزة الغربية التي تسيطر عليها حركة حماس حتى يتم نزع سلاحها.

إن تجزئة خطة ترامب بهذا الشكل ينبئ بأن وراء هذا التخطيط حكومة الاحتلال، فهي خير من يضع الشروط والعراقيل ويبتز الأطراف جميعاً، الحكومة الإسرائيلية هي مخترعة الخطوط الخضراء في 1948، والخطوط الثلاثة في سيناء في 1979، والزرقاء في لبنان سنة 1982، والآن تضع الخط الأصفر في غزة سنة 2025، وإذا تم تنفيذ الإعمار بطريقة مختلفة على جانبي الخط الأصفر فإن إسرائيل ستقتطع فعلياً أكثر من نصف قطاع غزة تحت أعين العالم كله، وإذا لم تكن هناك استجابات رادعة وكابحة من قبل الدول الضامنة، فإن ذلك ما تصبو إليه إسرائيل برضى ضمني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، تجزئة القطاع هو احتلال له.

القوات الدولية

في الوقت الذي تريد إسرائيل فيه أن تكون هذه القوات خاضعة للرؤية الإسرائيلية بنزع سلاح حماس، بما في ذلك تدمير الأنفاق وما فيها، فإن الفصائل الفلسطينية تريدها قوات فصل وحماية من الاعتداءات الإسرائيلية، في الوقت الذي تريد إسرائيل أن تكون هذه القوات من أطراف مقبولة لديها، فإن دولاً إقليمية أخرى ترغب بالمشاركة والحضور، وتتحول قضية القوات الدولية إلى نقطة تناقض أخرى، ذلك أن تركيبة وأهداف وطريقة عمل تلك القوات، وحتى مرجعياتها، تتضارب مع رؤية إسرائيل أصلاً، ذلك أن إسرائيل ترفض منذ 76 عاماً تدويل الصراع مع الشعب الفلسطيني، فالتدويل يحد من قدرة إسرائيل على السيطرة وحرية الحركة.

السلطة الوطنية الفلسطينية

دور السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة دور غامض حتى الآن، هناك ضغوط عربية وأوروبية كبيرة لضمان هذا الدور، حسب اشتراطات تتعلق بالحوكمة والشفافية، أو ما يسمى بعمليات الإصلاح والتطوير، ولكن تلك الجهود تصطدم برفض إسرائيلي وأمريكي، هناك محاولة لإيجاد مخارج وتسويات، وهناك حلول مبدعة كما يقال، ولكن كل تلك الحلول لم تر النور حتى الآن، وفي هذه المسالة بالذات، فإن موقف إسرائيل الرافض يخفي وراءه تنازلات فيما يخص تواجد عناصر من السلطة على المعبر دون شارات، وكذلك في تعيين لجنة الخبراء المقترحة، بالإضافة إلى انتشار شرطة فلسطينية تدربها كل من مصر والأردن، عملياً هذا تراجع كبير للمواقف الإسرائيلية الأولية، وانهيار لرؤية إسرائيل القائلة بفصل القطاع عن غزة، إذ لا يمكن إشراك السلطة في إدارة غزة بالسر أو بالعتمة أو بدون اسم، كما لا يمكن حذف حماس من الصورة، فهي ستعمل من وراء تشكيلات مجتمعية وسياسية متعددة، ماذا يعني ذلك؟ يعني أن كل ما فعلته إسرائيل على مدى عامين لم يستطع أن يغير المعادلة السياسية ولا المجتمعية الفلسطينية، وإذا أرادت إسرائيل أن يكون وجود السلطة الوطنية رمزياً، فإن الواقع يقول إن ذلك لا يمكن على الإطلاق.

الدول الضامنة والدول المشاركة

لا تبدو الدول الضامنة والدول الأخرى المشاركة على أفضل ما يكون من التنسيق والتفاهم، إذ إن هناك شروطاً لكل دولة وظروفاً ضرورية يجب أن تتوفر للمشاركة أو الإشراف أو التمويل، ففي الوقت الذي تطلب فيه هذه الدولة غياب حماس كلياً عن المشهد كشرط المشاركة، تتهم دولة أخرى من قبل إسرائيل أنها تعمل من أجل تمكين حماس في القطاع، وفيما تطلب هذه الدولة استقراراً وسلاماً دائمين وعدم اعتداء من قبل إسرائيل، تطالب إسرائيل تلك الدول بالتطبيع مقدماً، تناقضات المواقف والأجندات بين الدول الضامنة والمشاركة سببه برأيي انعدام المعايير والمرجعيات للخطة والتفسيرات العشوائية لها وتجبّر إسرائيل واستخفافها بكل الأطراف بما فيها الأمريكية.

المساعدات الإنسانية

الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضان أي دور للاونروا في قطاع غزة باعتبارها فرعاً لحماس، هكذا بكل صلف وتحد للمجتمع الدولي، وبدلاً عنها فإن إسرائيل وأمريكا تطرحان وجود عدد من المؤسسات الإدارية بإشراف أمريكي مباشر، وهو ما يذكر بعمل مؤسسة غزة الإنسانية التي قتلت أكثر من 2000 من طالبي المساعدات جهاراً نهاراً، بالنسبة لأمريكا وإسرائيل فإن السيطرة على المساعدات وطريقة توزيعها تضمن السيطرة الأمنية والهندسة الاجتماعية وتجفيف مصادر الدخل لحركة حماس وإبعاد الأونروا باعتبارها الذراع الأممي الشاهد على نكبة الفلسطينيين وضرورة حلها، وفي الوقت الذي يريد فيه الفلسطينيون وكذلك الدول الأخرى عودة تلك المؤسسة الدولية لتجربتها الطويلة وللثقة التي يوليها الشعب الفلسطيني لها، فإن إسرائيل تريد من المساعدات أن تكون طريقاً آخر لإحكام السيطرة وتفكيك المجتمع الفلسطيني وتقسيم القطاع إلى شرقي وغربي.