في وجه القيد والعنصرية... يبقى مروان البرغوثي

بهاء رحال
"سنقتلكم ونمحوكم عن الوجود، ولن نترك لكم أثرًا، ولن نسمح لكم بالانتصار علينا" بهذه العنصرية وهذا الإرهاب البشع، خاطب بن غفير الأسير مروان البرغوثي في زنزانته، حيث ذهب إليه ليقول له ما سمعناه.
مروان، المحكوم بأربعة مؤبدات وفوقها أربعون عامًا، يقف في عزلٍ انفرادي، مكبلًا بالسلاسل ومحاطًا بالسجانين، بينما بن غفير يختار بعناية اللقطة التي سيبثّها، ليُعلن من خلالها انتصاره على مروان، لكنه لم ينجح، فمروان البرغوثي أكبر من هذه الاستعراضات العنصرية التي تعكس فكرًا نازيًا وعقيدة متطرفة، وتخطف لقطة رعناء لقاتل أطفال يتوعد مناضلًا من أجل الحرية والعدالة والاستقلال.
كان استعراضًا غبيًا، ومشهدًا محمّلًا بالعنصرية والتطرف الأعمي، ووعيدًا نازيًا بالقتل، في لحظةٍ مجتزأة، أخذها بن غفير بعد أن حذف منها رد مروان البرغوثي، فقد قرر شطب الرد وأبقى فقط على الثواني العشر، لأن ما قاله مروان لم يرق لهم، فآثروا اقتطاعه، لكن اللقطة التي شاهدناها كشفت بشاعة بن غفير وإدارة السجن، وما يتعرض له البرغوثي من عزلٍ وعقوبات وتعذيب، وشحٍّ في الطعام، حيث بدت ملامح الضعف الجسدي واضحة، نتيجة قلة الغذاء ونقص العلاج والدواء.
مشهدٌ تداعى له الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، فمروان البرغوثي شخصية يجمع عليها الجميع، وقد أثارت صورته الشعب الفلسطيني، فمروان كقائد أحب شعبه وأحبّه شعبه، وقد آمن منذ البداية بهذا الارتباط القوي والمتين بينه وبين صفوف الجماهير التي ظل منها وإليها.
مروان البرغوثي الذي فشلت حكومات الاحتلال المتعاقبة من تغييبه، رغم عزله في زنزانة انفرادية، إلا أنه بقي حاضرًا وبقيت صورته مطبوعة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، حيث حرص، رغم القيد والعزل الانفرادي وفصول العذاب وسنوات الاعتقال الطويلة، أن تبقى شارة النصر التي يرسمها بيده، رغم الأغلال، دليلًا على صلابة القائد الذي لا يحني رأسه، ولم يفقد عزيمته.
إن حياة مروان البرغوثي في خطر حقيقي، وكذلك حياة جميع الأسرى، فهم يعيشون ظروفًا قاهرة، ويتعرضون لأبشع أشكال التعذيب والتنكيل. ويُمنع عنهم، عمدًا، الغذاء والدواء داخل الزنازين والمعتقلات. ومنذ بداية حرب الإبادة في غزة، مُنعوا من زيارة أهاليهم وذويهم. وهذا يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا لإنقاذهم مما يواجهونه داخل أقبية الموت.
إن صورة مروان تقهرهم، تؤرقهم، تستفزهم، لأنها تمثل صورة الفلسطيني بكبريائه وتجليات صموده، صورة المناضل من أجل الحرية والكرامة. إنها مرآة هزيمتهم الأخلاقية أمام ثبات رجل أعزل، لا يملك سوى إيمانه بعدالة قضيته، وارتباطه بأرضه ووطنه وشعبة.