بعد 20 سنة… من سيكون أحنّ؟ الإنسان أم الذكاء الاصطناعي؟

صدقي ابوضهير – باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
مع القفزات الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، صار السؤال مش بس عن قدرة الآلة على التعاطف، بل عن قدرة الأنظمة الذكية على إظهار حنية تفوق البشر. فهل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي أحنّ من الإنسان في المستقبل القريب؟
الإنسان: الحنية المتجذرة في التجربة والمشاعر
الإنسان يمتلك جهازًا عصبيًا متطورًا يربط المشاعر بالسلوك عبر تفاعلات كيميائية مثل الأوكسيتوسين، هرمون الحب، الذي يحفّز التعاطف والرغبة في الرعاية (Harvard Medical School, 2021).
- مثال: المعلم الذي يساند طالبًا ضعيف التحصيل ليس لأنه ملزم، بل لأنه يشعر بمسؤولية وجدانية تجاهه.
لكن الحنية البشرية تتأثر بالمزاج، الضغوط، أو المصلحة، مما يجعلها غير ثابتة دائمًا.
الذكاء الاصطناعي: الحنية المحاكاة والمنضبطة
الذكاء الاصطناعي لا يشعر بالمشاعر، لكنه قادر على التعرف على العواطف (Emotion Recognition) من خلال تحليل نبرة الصوت، تعابير الوجه، وحتى لغة الجسد، ثم الرد بطريقة تبدو حنونة.
- مثال: نظام Replika AI الذي يستخدمه ملايين الأشخاص كـ "صديق رقمي" يوفر دعمًا عاطفيًا، ويتعلم مع الوقت أسلوب التواصل المناسب لكل شخص.
- مثال طبي: منصة Watson Health من IBM، التي تساعد الأطباء في تقديم تشخيصات دقيقة، وتعرض توصيات بطريقة مطمئنة وداعمة للمريض.
الميزة أن الذكاء الاصطناعي لا يتعب ولا يغضب، ويمكنه تقديم ردود ثابتة و"مشجعة" على مدار الساعة.
المقارنة الجوهرية
- على مستوى السلوك: الذكاء الاصطناعي قد يتفوق لأنه ثابت وموضوعي، ويستطيع أن يطبق "الحنية الرقمية" في جميع الأوقات بدون استثناء.
- على مستوى الشعور: الإنسان يظل الأحنّ لأنه يعيش المشاعر ويختبرها، وليس فقط يحاكيها
رؤية عام 2045
التوقعات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيصبح قادرًا على تحليل مشاعرنا بدقة لحظية، واقتراح ردود أو تصرفات تجعلنا نشعر بالدعم، وربما تتفوق هذه الاستجابة على كثير من التفاعلات البشرية (MIT Technology Review, 2024). لكن حتى ذلك الوقت، ستبقى الحنية الإنسانية مرتبطة بصدق التجربة الذاتية، وهو ما لا يمكن برمجته بالكامل.
الخاتمة
ورغم كل هذه المخاوف، تبقى الحنية الإنسانية مختلفة، فهي وليدة الإحساس العميق والتجربة الذاتية التي لا يمكن برمجتها بالكامل. الذكاء الاصطناعي قد يتفوق في تقديم حنية ثابتة ومنضبطة، لكنه يظل يفتقر لروح التجربة الحية التي تمنح مشاعرنا صدقها ودفئها. السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيصبح أحنّ، بل ما إذا كنا نحن مستعدين لعيش مستقبل تختلط فيه الحنية الحقيقية بالحنية الرقمية… وربما لا نستطيع التمييز بينهما.