الوقت من جوع ودم

بهاء رحال
في غزة يموت الناس جراء سياسة التجويع وفعل الحصار، ومع سبق الإصرار تتواصل عملية تجويع الناس حتى الموت، على مرأى من العالم الذي يظهر بهذا القبح الذي نراه عليه، وهو لا يتحرك لإنقاذ الجوعى الذين يموتون بسبب نقص الطعام. فما من وقت أصعب من هذا الوقت الذي يمرّ على الناس، حيث لا يجدون قوت يومهم، ولا يجدون لقمة عيش تمكنهم من البقاء على قيد الحياة. الناس يتساقطون من أثر الجوع، والأطفال يموتون من قلة الغذاء، والأمهات والآباء كذلك، ينهشهم الجوع وتقهرهم مشاعر العجز والضعف، ولا يخرج العالم عن صمته، ولا يتحرك لرفع الظلم المفروض بالقوة العسكرية والعنصرية النازية. سقط العالم في وحل قبيح وقذر، وسقطت قوانينه ومواثيقه التي لم تتحرك لوقف الإبادة المستمرة والتجويع حتى الموت.
إن النوايا المبيتة من سياسة التجويع المستمر هدفها طرد وتهجير الناس ممن بقوا على قيد الحياة، وهي إحدى خطط الإبادة الجماعية المستمرة بكل بشاعتها ودمويتها، فلا مكان للأحياء في غزة، هكذا يفعل الاحتلال وهذه هي خطته الواضحة، بعد أن جرد القطاع من كل المرافق الصحية وتوقفت المستشفيات عن العمل، وباتت النجاة من هذه المقتلة أمرًا مستحيلًا، فالموت يتربص بالناس في كل الجهات، ولا قدرة للأجساد على احتمال الجوع الذي ينهش الأجساد والأمعاء الخاوية.
لقد ظهر جليًّا خذلان العالم للناس في غزة، خذلان لم يسبق أن شهدت البشرية مثيلًا له، وهو مستمر منذ اليوم الأول لحرب الإبادة. صحيح أن بعض الشعوب خرجت وتظاهرت وانتفضت في عواصم العالم، لكن كل تلك التحركات لم توقف المقتلة، ولم تطعم طفلًا رغيف خبز، وهذا هو الخذلان الكبير من الشقيق والصديق، ومن كل دعاة الإنسانية الذين يقفون موقف المتفرج. خذلان وصمت مريب، وقد فقدت القيم والمبادئ معناها، فالواقع كشف اللثام عن زيف المواثيق وعن صور الانحياز الجبان والتخاذل، وقد سقطت الشعارات الكاذبة، وبقي الناس في غزة يواجهون وحدهم مصير الإبادة، وليس لهم من مفر إلا الوقوف في وجه الجوع والموت بين الركام والخراب، وفي خيام رثة شديدة الحرارة، وظروف معيشة قاهرة وقاسية.
هنا غزة، الوقت من جوع ودم، والزمان خيبة على جبين الإنسانية والعالم المتحضّر الذي يشهد تجويعنا حتى الموت ولا يتحرّك.