لم ينفرط عقد حجارة الدومينو التي تحدث عنها نتنياهو في حروبه

راسم عبيدات
نعم لم ينفرط عقد حجارة الدومينو التي تحدث عنها نتنياهو في حروبه التي شنها، والتي كانت امريكا شريكة معه فيها سلاحاً ومالاً وحماية قانونية وسياسية ومعلومات امنية واستخبارية ودعما لوجستيا وغيره، ففي الشهور العشرة الأولى من حروب نتنياهو وشركائه الأمريكان، كان يربط نصره المطلق بالقضاء على قوى المقاومة وتدمير قدراتها العسكرية والتسليحية وافقادها لمنظومة القيادة والسيطرة، واستعادة اسراه من خلال الضغوط العسكرية بدون مفاوضات مع قوى المقاومة.
فتارة يقول إن المقاومة تقيم مقر قيادتها اسفل مجمع الشفاء الطبي، حيث عمد الى قصفه واحتلاله، وعندما اتضح زيف كذبه، ذهب الى دير البلح من أجل القضاء على كتائبها وألويتها، ولم ينجح في مبتغاه ومن بعد ذلك كرر نفس السيناريو والشعار وذهب الى خانيونس وبعدها ذهب لرفح، لأن نصره في رفح سيحقق له "النصر الساحق"، حيث ذهب الى حربه على رفح للتهرب من قبول المبادرة الأمريكية لعقد صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، والآن يجري الحديث عن تجميع الفلسطينيين في مدينة خيام في رفح، يجمع فيها أكثر من 600 ألف فلسطيني في أكبر معسكر اعتقال في العالم لتحقيق غرض الطرد والتهجير، خطة نتنياهو - ترامب، ولكن يبدو أنه لا نجاحات تذكر على هذا الصعيد، بعد الفشل خلال النصف الأول من مدة الحرب المستمرة والمتواصلة على القطاع "الشهور العشرة الأولى من الحرب".
بعدها ربط نتنياهو تحقيق النصر المطلق، وتغيير وجه الشرق الأوسط الجديد بالحرب على ايران، وخاض حربه على ايران بشراكة مع امريكا، ولكن تلك الحرب لم تحقق لا تغيير وجه الشرق الأوسط ولا نصراً مطلقاً على ايران، يؤدي الى تساقط حجارة الدومينو، واعلان استسلام المحور.
لا يخفى على المتابعين والخبراء والمحللين العسكريين والأمنيين والمختصين في الشؤون الاستراتيجية، أن الاحتفال الترامبي- النتنياهي بالانتصار على ايران، يخفي خلفه عمق المأزق الذي يعيشه الرجلان، فهما يدركان بأن منشآت ايران النووية لم يجر تدميرها بالشكل المطلوب، ولا برنامجها الصاروخي البالستي والفرط صوتي، تم القضاء عليه، وهو الأهم من تدمير القدرات والمنشآت النووية، ولا النظام سقط ولا الدولة الإيرانية سقطت، ولا نجحت عملية تنصيب ابن رضا بهلوي ابن الشاه المغدور ملكاً على ايران، وإنهاء حكم ودولة المرشد خامينئي.
بل بعد هذا العدوان، وجدا نفسيهما في معضلة، فقد أوقفت ايران تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية، والقيام بعمليات التخصيب خارج إطار الرقابة والتفتيش، فالحرب اسقطت المفاوضات، ومن قبلها سقطت العقوبات كأداة ضغط للتفاوض، وبأن هذه الحرب التي ضغطت بقوة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي دفعت فيها اسرائيل ثمناً باهظاً، أوصلت تلك الجبهة حد الانهيار، لولا تفادي ذلك من خلال طلب لوقف إطلاق النار تقدمت به اسرائيل عن طريق امريكا.
صحيح أن هناك عوامل ضاغطة لوقف الحرب الداخلية والخارجية بالنسبة لإسرائيل وامريكا والحكومات الغربية، منها الأكلاف والمخاطر العالية، لاستمرار هذه الحرب، وإمكانيات التدحرج الى مواجهة عسكرية جديدة، ربما تكون واحدة او اكثر من ساحاتها المتفجرة لبنان، التي تقوم بها اسرائيل بموافقة امريكية بعمليات " تلطيش" عسكري يومي واستباحة للأرض والأجواء وخرق للسيادة اللبنانية، أو ربما العودة مجدداً لشن عملية عسكرية ضد ايران، يتوافق عليها دعاة شركات صناعة الحروب وكارتلات المجمعات العسكرية والعولمة والمحافظين الجدد واللوبيات الصهيونية في امريكا مع اليمين التلمودي التوراتي الصهيوني اليمني المتطرف، في ظل حالة التماهي الأمريكي- الإسرائيلي الكاملة، أو ربما تكون ساحة اليمن، ساحة تصعيد، فاليمن بات قوة اقليمية مقررة في مصير البحار والممرات المائية التي تمسك بسلاسل توريد الطاقة وطرق التجارة العالمية، وجبهة اسناد لن تتوقف ما لم يتوقف العدوان على قطاع غزة وتفتح معابرها ويرفع الحصار عنها، واليمن قيادة وشعباً يقول من يعتدي على اليمن وغزة لن ينام.
عوامل ضاغطة داخلية وخارجية كثيرة تدفع نحو ضرورة وقف الحرب، ولكن لم يحن الوقت حتى اللحظة لتحول توقف الحرب الى ضرورة، فالمكابرة والغطرسة والعنجهية الأمريكية- الإسرائيلية في أوجها، وتحتاج الى وقت لكي تجعل هؤلاء الشعبويين المصابين بجنون العظمة والغطرسة ينزلون عن الشجرة، ويوقفون توحشهم وتغولهم، والتوقف عن العبث بمصير المنطقة والإقليم والعالم، فلا بد من الإمساك بقرني هذين الثورين الهائجين من أجل اعادتهما الى الحظيرة، قبل ان يصل عبثهمها وتهورهما حد دفع المنطقة والإقليم والعالم الى حروب واسعة، سيكون لها الكثير من التداعيات على الاقتصاد العالمي وطرق التجارة الدولية، واسعار النفط والغاز.
ومن هذا المنطلق أقول الهدنة المؤقتة في قطاع غزة لن تنجح، فإسرائيل تريد منها خلال الستين يوماً استعادة اسراها، ومن بعد ذلك ستطالب بنزع سلاح حماس والمقاومة، وبرفضهما نزع السلاح، سيتم الغاء الهدنة وتجدد القتال من أجل تحقيق هدف نزع سلاح حماس والمقاومة، ولا ثقة بأية ضمانات أمريكية يقدمها المأفون ترامب ولا غير ترامب، العملية اعمق من عقد صفقة تبادل اسرى ووقف إطلاق نار، اريد ان اذكركم بأن نتنياهو، بعد فوزه في الانتخابات التي انتصر فيها على شمعون بيرس من حزب العمل عام 1996، عمل على اعادة فتح اتفاق الخليل، وقسم مدينة الخليل الى قسمين "E1"، وهي الأكبر مساحة والأكثر اهمية بيد اسرائيل، " E2" بيد السلطة الفلسطينية، واليوم ما يريده نتنياهو من حربه الإسرائيلية - الأمريكية على قطاع غزة، لتحقيق مخطط الطرد والتهجير، هو احداث تغيرات عميقة ديمغرافية وجغرافية وأمنية في قطاع غزة، والعمل على تقسيمها على غرار ما حدث في اتفاق الخليل، ولذلك هناك اصرار على استمرار التواجد العسكري في منطقة محور موراج، الذي يفصل خانيونس عن مدينة رفح، فالهدف هو تقسيم القطاع الى "غزة 1" و"غزة 2"، غزة 1 تكون محاصرة ومحاطة ومحاربة ومحرومة من كل شيء وغزة 2 بيد اسرائيل، بهدف ان تكون منصة نحو الانطلاق لتهجير الشعب الفلسطيني، وبحيث تتحكم اسرائيل بمن يتواجد فيها، وتكون المعابر والحدود والمسؤولية الإدارية بيدها.
هي حرب "الهندستين الجغرافية والديمغرافية في الضفة والقطاع، وحتى اللحظة لم يتحول وقف إطلاق النار الى ضرورة ولذلك العديد من الجبهات مرشحة للاشتعال.