إيران ملزمة بالرد

يونيو 24, 2025 - 09:06
إيران ملزمة بالرد

راسم عبيدات

من الواضح أن المأفون ترامب، أحل وشرعن البلطجة والزعرنة في العلاقات الدولية بدل القانون الدولي والشرعية الدولية، منطلقاً من عقليته كمراب وسمسار وتاجر عقارات، وهو يرى أن دور تلك المؤسسات الدولية التي جاءت كنتائج وموازين قوى أفرزتها الحرب العالمية الثانية، قد انتهت، وأنها لم تعد مصدر التشريع او المقرر في العلاقات الدولية، بل هو يرى بأن الكونغرس الأمريكي، هو صاحب الحق في التشريع للعالم، وضمن هذه الرؤيا والخلفية، نجده يمارس بلطجته، تجاه الكثير من دول العالم، ما عرف بحربه التجارية والاقتصادية على العديد من دول العالم، وفي المقدمة منها الصين والمكسيك وكندا وجزيرة "غرينلاند" وغيرها من الدول الأخرى.

حربه التجارية والاقتصادية من خلال الرسوم الجمركية، والسعي للسيطرة والتملك لجزيرة "غرينلاند" وغيرها، قوبلت بمواقف حازمة من تلك الدول، اجبرت ترامب على التراجع عن جنونه ونزواته وشطحاته، ولم يستطع ترجمة تهديداته الى افعال.

وفيما يتعلق بإيران، كان واضحا أن ايران تقع ضمن دائرة الإستهداف الأولى أمريكياً واسرائيلياً، فإيران هي حسب الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية، رأس الشرور لهما، وهي من تعيق تنفيذ مشاريعهما ومخططاتهما للسيطرة على كامل المنطقة، ولذلك لا بد من توجيه ضربة قاصمة لها، تضمن تمرير المشاريع والمخططات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة والإقليم.

ولذلك كان الخطاب الإسرائيلي وتحديداً خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو واركان حكومته، يؤكدون على ضرورة منع ايران من امتلاك سلاح نووي وتدمير منشأتها النووية، وهذا نفس الموقف والرؤيا الأمريكية.

بعد أن نجحت امريكا واسرائيل في تحقيق انجازات عديدة، من خلال اسقاط النظام السوري بالحرب والعقوبات، وتنصيب حكم جديد، يخضع للشروط والإملاءات الإسرائيلية، ومستعد للتطبيع وعقد معاهدة "سلام" مع اسرائيل، ولو كان ثمنها التخلي عن الجولان المحتل، ومراعاة الاحتياجات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في سوريا، وفي لبنان، تمكنوا من توجيه ضربة قوية لحزب الله اللبناني، بإغتيال قياداته العسكرية والأمنية، وامينه العام نصر الله الذي اعتبره نتنياهو هو المحور، وقطع شريان امداداته من السلاح براً وجواً، وكذلك المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تعرضت لضربة قوية، ولكن المشروع الإسرائيلي في لبنان وغزة واليمن واجه استعصاءات، بحيث لم يتمكنوا من تحقيق اهداف عدوانهم، بفرض الاستسلام على قوى المقاومة، وبات واضحاً بعد عشرين شهراً من الحرب العدوانية المستمرة على القطاع، بأنها تحولت الى مقتلة وليس قتالاً، قتل وتجويع للنساء والأطفال واستهداف البنى والمؤسسات المدنية، في حين حزب الله ما زال قوة فاعلة ومؤثرة في لبنان.

امريكا واسرائيل اللتان هما في عهد ترامب في حالة من التماهي، ما بين اليمين التلمودي التوراتي الصهيوني المتطرف واليمين الأنجليكاني المسيحاني الأمريكي المتطرف، متفقان على خوض الحرب ضد ايران ومحورها في كامل المنطقة، تحت شعار"امريكا صهيونية" و"اسرائيل القاعدة المادية المتقدمة لأمريكا في المنطقة".

ولذلك جولات التفاوض الأمريكية – الإيرانية الخمسة برعاية عُمانية حول المشروع النووي الإيراني، كانت تؤشر الى ان الطرف الأمريكي وشريكه الإسرائيلي، لا يريدان فقط، تدمير البرنامج النووي الإيراني على الطريقة الليبية، بتدمير وازالة كل البنى التحتية النووية، وتدمير المفاعلات النووية، وتفكيك اجهزة الطرد المركزي، بل الخطة والمشروع اكبر وأشمل من ذلك، وهو تدمير قدرات ايران من الصواريخ البالستية والفرط صوتية، وهذا الخطر بالنسبة لإسرائيل، وكذلك "تحجيم" و"تقزيم"دور ايران الإقليمي، ووقف دعمها العسكري والمالي لقوى المقاومة عربية وفلسطينية، وصولاً الى اسقاط نظام الحكم والدولة الإيرانية، وخلق نظام ايراني جديد يتماهى مع المصالح والأهداف الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة والإقليم.

ولذلك جاءت الضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران في الثالث عشر من هذه الشهر، بقرار ومشاركة مستترة امريكية، وكان الهدف منها، تطبيق النموذج اللبناني على ايران، ضرب منظومة القيادة والسيطرة، عبر سلسلة من الاغتيالات للقيادات العسكرية والأمنية والعلماء النوويين، واستهداف المنشأت النووية والمدنية، وتفعيل الجماعت العميلة والمعارضة في الداخل الإيراني من أجل نشر الفوضى والإرباك، من اجل افقاد النظام السيطرة، ولكن القيادة الإيرانية رغم الثمن الباهظ والخسائر الكبيرة، تمكن مع نهاية الليلة الأولى من استعادة زمام الأمور واستيعاب الضربة، ووصلت إلى توازن النار والدمار مع اسرائيل، وفي الليلة الثانية، حققت التوزان النسبي في استهداف الأهداف الاستراتيجة، ومن بعد الليلة الثالثة، كانت تستنفذ قدرات منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي والأمريكي المختلفة "قبب حديدية" ، مقلاع داود" ،"سهم 1 "، سهم 3" و"الثاد" الأمريكية.

ايران نجحت في إدخال اسرائيل في حرب استنزاف لا تقوى عليها، حيث استهدفتها في البداية بصواريخ بالستية ومسيرات، من الجيل الرابع والخامس، لكي تستنفذ قدرات منظوماتها الدفاعية الجوية على التصدي واسقاط الصواريخ الإيرانية، مفسحة الطريق أمام الصواريخ المتطورة، وذات الرؤوس التفجيرية  والتدميرية الهائلة، والسرعة الفائقة، والأكثر دقة وقدرة على إصابة الأهداف والمناورة، حيث اتبعت ايران تكتيكات وزاوجت بين عمليات الإطلاق، واستهدفت بصواريخها من طراز "فتاح" و"خيبر" و"خرمشهر" و"سجيل" وسليماني وغيرها، ومسيرات شاهد 36 الانقضاضية، قواعد ومطارات ومراكز عسكرية وامنية وبنى تحتية وبنى ومنشآت بيولوجية، ومنظومات قيادة وسيطرة، وقواعد جوية، ومؤسسات ابحاث عسكرية وبيولوجية والبنى التكنولوجية، والموانىء ومحطات الكهرباء، ومن جملة ما جرى استهدافه، قاعدة "نفياتيم" الجوية في جنوب البحر الميت، والقرية التكنولوجية في بئر السبع، ومطار اللد ومينائي حيفا واسدود، ومقر "الموساد" ومقر الوحدة التجسسية "8200" ، والقاعدة البحرية ستيلا مارسلا في حيفا، ومعهد وايزمن لأبحاث العلمية والتكنولوجية، وقاعدة "ميرون" للمراقبة الجوية والبرية، ومنازل وزراء، بما فيهم منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ووزير الليكود السابق داني فيه، وعشرات الأهداف الحيوية والاستراتيجية على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية.

اسرائيل دخلت في مأزق كبير، الجبهة الداخلية تقترب من الانهيار، حالة هروب ونزوح كبيرة للمستوطنين، نفاذ الصواريخ الاعتراضية لمنظوماتها الدفاعية الجوية، الفشل في تحقيق الحرب، كل ذلك دفع بنتنياهو والمعارضة الإسرائيلية، بالطلب من ترامب الشريك في هذه الحرب لرفع درجة مشاركته فيها بشكل مباشر وعلني، من أجل تدمير منشآتها النووية، وصولاً الى اسقاط النظام والدولة الإيرانية واعادة رسم خريطة المنطقة وايران، بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وترامب الذي اتخذ قرار المشاركة في الحرب، كان ينتظر استكمال الاستعدادات الأمريكية والحشد العسكري، من أجل تنفيذ هذه العملية، ودراسة الأكلاف والعوائد من هذه العملية.

 فجر هذا اليوم الأحد حصل عدوان امريكي مباشر على ايران، طال ثلاثاً من منشآتها النووية "فوردو" ، "نطنز"،" واصفهان" ، وبغض النظر عن حجم الأضرار التي لحقت بالمفاعلات النووية الإيرانية، والتي يجري تقييمها، ولكن هذا القصف يقول بإن ايران الان امام جملة من الخيارات، يقف في مقدمتها، الإنسحاب من وكالة الطاقة الذرية، وهي تعمل في خدمة امريكا ودول الغرب، والتوجه نحو خيار امتلاك السلاح النووي، بالإضافة الى خيار الاستهداف للقوات والقواعد العسكرية الأمريكية في الخليج والعراق 40 ألف جندي امريكي، بشكل دقيق ومحدد، والعمل على اغلاق مضيق هرمز والممرات البحرية، وهذا الخيار المرجح، في حين سيكون خيار عقد تسويات مع امريكا ودول الغرب ضعيفاً، لكون ذلك يعني رضوخ ايران للشروط والإملاءات الأمريكية، ونحن ندرك ان المشروع الأمريكي- الإسرائيلي، يضمن اخضاع كامل المنطقة للهيمنة الأمريكية، واعادة تشكلها الجيوسياسي، بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وبما يمنع الصين وروسيا من الوصول للبحر المتوسط ومنطقة الخليج، ولذلك اقاموا عبر اوروبا الغربية ما عرف بالحزام الشمالي، هذا الحزام الذي تعطل بفعل سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإيرانية، هذا الحزام يقول بأن هناك دول اقليمية كبرى مساحة وسكان وقدرات عسكرية واقتصادية، ايران وتركيا وباكستان، تشكل قوساً يمنع وصول روسيا والصين الى البحر المتوسط والخليج العربي، ولذلك يسعون الى احيائه مجدداً، وبتحقيق ذلك، لن يبزغ اي فجر لما يعرف بعالم القطبية المتعددة ولا تستطيع الصين ولا روسيا الوصول للبحر المتوسط ولا الخليج العربي، وبالتالي تصبح كامل منطقة الشرق الأوسط منطقة نفوذ امريكي، جزء كبير من دول نظامها الرسمي العربي، ترتبط بأحلاف عسكرية وأمنية مع اسرائيل، على ان تقاد من قبل المركز الاقتصادي العالمي في واشنطن.

وهذا يعني حلف التطبيع العربي يتمدد، وكما قال سموتريتش ستصبح الدول العربية مطالبة بثمن التطبيع معها.

المنطقة والإقليم والعالم أمام لحظات فارقة، وهذا سيتوقف على طبيعة الرد الإيراني وحلفائها واصدقائها، هذا الرد الذي لن يكون مبنياً على العواطف والمشاعر وردات الفعل، بل سيكون مدروسا ودقيقاً، وايران التي صمدت امام حصار امتد لأربعين عاماً وتحملت حرباً لمدة ثماني سنوات، لن تنجح لا امريكا ولا اسرائيل في هزيمتها او اخضاعها، وتجارب فيتنام وافغانستان والعراق واليمن ماثلة امام الأمريكي.