معضلة الغياب في الحضور في العمل والحياة

يونيو 18, 2025 - 20:54
معضلة الغياب في الحضور  في العمل والحياة

معضلة الغياب في الحضور

في العمل والحياة

محمد قاروط أبو رحمه

كنت في أحد الدورات النوعية احاضر واجري نقاشا مع المتدربين القادة عن الخيال والمعرفة، كان أحد المشاركين يقاطعني ويسأل ويستنكر أحيانا.

واخر كان يقاطع ويطلب الكلام ويبدأه بالقول، عندي ملاحظة، ارجوا ان لا تزعل مني.

هذه الدورة انا صممت محتوياتها، وقدمت كل موادها.

تميزت هذه الدورة بانها الأولى في فلسطين، والأولى على الصعيد العالمي في مجالها ضمن بيئتها.

لأنها جديدة كليا على المشاركين، فان كل جديد يحمل في طياته الفشل والنجاح. وانا لدي المعرفة والخبرة بالتعامل مع ردود فعل الاخرين عندما يتعلق الامر بطرح فكرة إبداعية غير مألوفة وجديدة.

اعرف ان الجديد سيقسم ردود فعل الناس عليه الى أربعة اقسام المؤيد للجديد، والرافض المقاوم له، والصامت غير المبالي، والمجاري.

واعرف ان صاحب الفكرة الجديدة، سيكون كمن يضع نفسه هدفا لسهام الاخرين، او كمن يقف عريانا امام سخريات الاخرين.

في الدورة التي اشرت اليها سابقا، أحد المشاركين كان غائبا في الحاضر.

كيف يكون الفرد غائبا في الحاضر؟

لقد كان هذا المشارك، يسمع لي ليرد علي، وليحرجني، ويستعرض معارفه امامي وامام زملائه. (وهذا أيضا تجده في الحوار داخل الاسرة او العمل).

عندما يستمع الفرد ليرد، ولا يستمع ليفهم، فانه يكون غائبا في الحاضر. الغياب في الحاضر هو استحضار ما تعرفه (الذي أصبح في الذاكرة بمنزلة الغائب) لتحاكم به الحاضر قبل ان تفهمه. عندما تتفعل هذه الكيفية الخاصة في الانسان فانه يفقد الحاضر لصالح الغائب. فاذا كان الفرد غائبا في الحاضر فان مستقبله سيكون محكوما للغائب وليس للمستقبل وللجديد الان الذي سيجعل المستقبل أفضل.

إن من المعروف والمفهوم ان الجديد يقع في الحاضر من جل المستقبل، والجديد أيضا غير مألوف، فقد يكون مفيدا او غير مفيد، من يدري؟ ولا يوجد طريقة مضمونه لمعرفة ذلك. والسبيل الوحيد لمعرفة صحة الجديد هو بالموافقة على تجربة الجديد وبالتالي فهمه وإدراك منفعته من عدمها.

ان الجديد لا يكون من فراغ ولا يعمل في فراغ، انه ابن بيئته ومن اجلها، هو ليس جزءا منك بالتمام والكمال وليس غريبا عنك أيضا بالتمام والكمال.

عندما يغيب الفرد في الحاضر، (عند كل جديد) فهذا يؤشر على أن الفرد يعامل الجديد كما لو ان الجديد يهدد ماضيه كله ويضعه على المحك. الذين يقامون التغيير والجديد غائبين في الحاضر لان الجديد بالنسبة لهم ليس له استمرارية معهم، فينتابهم الخوف فيحضروا الغياب لمقاومته. ينتابهم الخوف، لقد عملوا بطريقة معينة وكونوا معتقداتهم وأصبحت حياتهم وعملهم مألوفة.

عندما يقرع أحدهم باب التغيير بفكرة جديدة، يهتز كيان أسلوب ماضيهم كله، لذلك تراهم يغلقون الأبواب امام الجديد بالغياب في الحاضر، لان التغيير يعني لهم انهم لن يعودوا كما كانوا.

 لقد كنا في اعمار الشباب ولا نزال حتى في كهولتنا نعالج هذا الامر بطريقة بسيطة. عندما يقدم لنا أحد زملائنا فكرة جديدة، فلا أحد يقاوم هذه الفكرة، بل غالبا ننقسم الى فريقين فريق يؤمن بالفكرة، ويتجند لتجربتها، والفريق الثاني يقول نحن على استعداد لتنفيذ ما تطلبوه منا وبالشكل التي تقرروه. 

اما في النقد فالأمر مركب بثلاثة مسائل سلبية:

الأول عندما يقاطعك أحدهم ليقدم نقدا، فانه يسمع لينقد، ولا يسمع ليفهم.

الثاني عندما يقول لا تزعل مني هذا يفهم النقد على انه للشخص وليس للموضوع.

والثالث عند توجيه النقد قبل الفهم، فان ذلك يعبر عن فهم ان النقد هو سلبي دائما.

 المسالة الأولى عليه تعلم الاصغاء ليفهم. والمسألة الثانية، عليه التعلم ان النقد للموضوع وليس للشخص. والمسألة الثالثة، ان يتعلم ان النقد أولا اظهار الإيجابيات والثاني اظهار السلبيات مع علاجها، فلا يعتد بنقد سلبي بلا بديل.

في الحالتين مقاومة التغيير عن طريق مقاومته او نقده، فان معضلة الغياب في الحضور هي السبب في ذلك، وعلاجهما التركيز والحضور في الحاضر.

في الحياة لاحظ إذا اختلف اثنان كيف يحضر الغائب، ويحضر بكثافة عندما يكون سلبيا.

لاحظ اذا اختلف زوجين، كيف يحضر الغائب ليفسد الحاضر.

الغياب في الحاضر، او الحاضر في الغياب أحد الخصائص الكيفية التي يتفرد بها الانسان عن سائر مخلوقات الله، وظيفتها تحسين جودة ونوعية حياة الانسان وعمله، البعض يستخدمها بغير ما صممت لأجلها.

وحدة الحضور والغياب خاصية كيفية للإنسان تساعده على الاختيار لحياة وعمل أفضل، البعض يستخدمها بغير مقصدها.

 في الختام:

نحن ننتقي الغائب ليحضر. انه خيارنا. فإذا كان بد لنا من احضار الغائب في الحاضر، فان اختيار الايجابي من الغائب ليعيننا على الحاضر من اجل حياة سعيدة وعمل منتج مفيد اكثر أهمية وفائدة من غيابنا في الحاضر. لتنذكر ان الانسان لا يملك الا الحاضر، فليستثمره حتى لا يكون غائبا في الماضي.