المعتز بالله الكفارنة- نازح من بيت حانون شمال القطاع إلى غربي مدينة غزة

رحلة الموت للحصول على قوت أطفالي الجوعى في عيد الأضحى

يونيو 9, 2025 - 10:16
المعتز بالله الكفارنة- نازح من بيت حانون شمال القطاع إلى غربي مدينة غزة

المعتز بالله الكفارنة- نازح من بيت حانون شمال القطاع إلى غربي مدينة غزة
رحلة الموت للحصول على قوت أطفالي الجوعى في عيد الأضحى
السبت : 7-6-2025
بدأت طريقي  يوم وقفة عرفات 05-06-2025  للوصول إلى مركز المساعدات الإغاثية في منطقة رفح ،
بدأنا السير على أقدامنا من منطقة الازهر حيث أنزح غرب غزة بعد صلاة مغرب اليوم المذكور وكلنا أمل أن نجد أي وسيلة مواصلات تنقلنا باتجاه جنوب غزة عبر شارع الرشيد سواء دراجة نارية ثلاثية العجلات (توكتوك-تروسيكل) أو عربة تجرها الدواب حيث تمنع السيارات من السير على ذلك الطريق لكن للاسف لم نجد أي وسيلة نقل باي شكل من الأشكال فامتدت رحلتنا الشاقة مشيا على الاقدام من غرب مدينة غزة وصولا إلى منطقة فيش فريش في أقصى جنوب غرب منطقة خانيونس وهي نقطة الانطلاق تجاه مركز المساعدات الأمريكي GHF.
وصلنا بعد طول سير امتد من الساعة 7:30 مساء يوم عرفة حتى 2:30 صباح أول أيام عيد الأضحى وما أن وصلنا حتى بدأ فصل جديد من العذابات بعد عذاب السير 8 ساعات لمسافة تزيد عن 35 كيلو متر حيث كان يتوجب السير بحذر شديد وصولا لمسجد في المنطقة يدعى مسجد معاوية لنستقر في تلك النقطة حتى يتم فتح الحاجز لندخل إلى مركز المساعدات .
عند وصولنا أدركنا أنه يتوجب علينا محاولة الدخول وفعلا بدأنا نقترب من الحاجز الازرائيلي عله يكون مفتوحا فتستطيع الدخول لنحصل على الطعام لكن وجدنا ميكروفون ازرائيلي ينادي ويقول إن مركز المساعدات مغلق ولا يوجد توزيع ويتوجب علينا أن نذهب الى بيوتنا .
اصحاب الخبرة السابقة أخبرونا أن هذا اسلوب ازرائيلي لتخفيف عدد الناس المتواجدين ودفع الغالبية للمغادرة وإحباط الناس فلا تغادروا وهذا فعلا ماحدث .
فعدنا الى مكان تجمعنا السابق قرب مسجد معاوية وجلسنا حتى قررنا إعادة المحاولة  السير باتجاه الحاجز الازرائيلي مرة أخرى علهم يسمحوا لنا بالدخول فاقتربنا رويدا رويدا وكان عددنا يتخطى الخمسة آلاف شخص وعند وصولنا إلى قرب الحاجز نادى الميكروفون الازرائيلي مرة أخرى أن عودوا فالمركز مغلق وبدأوا بشتمنا وسبنا وأنهم سيطلقون النار علينا خلال ثلاث دقائق إن لم نغادر المكان وقبل ان يكملوا تحذيرهم وقبل أن نستطيع التحرك بدأ اطلاق النار بشكل مباشر علينا دون أي رحمة أو شفقة .
فالتفت حولي لأجد عشرات الاصابات وأصوات صرخات المصابين ينادون بأن ينقذهم أحد لكن لا أحد يستطيع رفع رأسه من كثرة إطلاق النار وصوت الازيز فوق الرؤوس لكن ما ان هدأ إطلاق النار قليلا فاستطاع للشباب إخلاء المصابين لاقرب نقطة وهي مركز كبير ومركزي للصليب الأحمر الدولي قريب من المكان لكن الالم الأكبر كان أن من بين المصابين أناس فارقوا الحياة .
فعدنا ونفوسنا مكسورة مطئطئي الرؤوس يركبنا الحزن والخوف والألم في نفس الوقت فبعض من كان معنا في نفس الطابور أما أصيب أو رحل إلى غير رجعة في يوم العيد ... هذا العيد الاسود الذي دفعنا جوعنا فيه أن نخرج لنحصل على الطعام من يد عدونا ... طعام مغلف بالذل والمهانة بعد أن كنا كراماً وفي ذات الوقت حيث يغرق العرب في ذبــ*ــائــ*ــح عبد الاضحى ويلهون ويتنعمون دون أن يلتفت غالبيتهم لحالنا المرير ...نكمل في قصتي البائسة .
عدنا وحاولنا النوم على التراب أمام شاطئ بحر رفح الحزين ننتظر وقت دخولنا المركز حتى جائت الساعة السابعة الا ربع صباحاً وبدأ إطلاق النار بشكل مجنون مباشر ومكثف وسريع ومخيف وارتفاعه لا يزيد عن متر عن سطح الأرض فما عليك إلا الانبطاح على وجهك أو التقوقع في وضعية الجنين ... يمر شريط حياتك كلها أمام عينيك تتذكر من يحبوك ... تقول يا ويلي ليس الموت اخر همومي هذا اليوم إنما كيف لي ان اموت وان لا اعود لأولادي بطعام يسد جوعهم فهم ينتظرونني في مركز الايواء جوعى متأملين عودتي حياً وببعض الطعام .. تتذكر ضحكاتهم معك وقت تناول الطعام وكيف تحولت هذه الضحكات إلى بكاء ونظرات تحسسك بانك مقصر ومشارك في جوعهم فهم اطفال ابرياء سذج لا يدرون الحقيقة انك جائع أكثر منهم وان لا حيلة بيدك وان ذهابك لهذا المكان الموحش المليء بالموت ليس إلا محاولة لاطعامهم فقط لا غير .
استمر إطلاق النار من الساعة السابعة الا ربع حتى الساعه. الثامنة ... ساعة وربع من إطلاق النار على كل حركة من مختلف صنوف الأسلحة متزامن ذاك مع اصوات الطائرات المختلفة رعب في كل جانب ليس عل لسانك غير الشهادتين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وعندما وقف إطلاق النار قال أهل الخبرة أن هذا هو وقت الدخول ...
الدخول مشهد سينمائي في قمة التراجيديا لم تصوره ملاحم الرومان أو اليونان أو الكوميديا الإلهية بالمطلق .. 
يجب أن تخرج جرياً من المكان الذي تحتمي فيه من إطلاق النار .. الجري أساس الوصول ... مسافة تزيد عن 2 كيلو متر لا يجزعك أن ترى شباب ملقون على الأرض .. مفرود على وجوههم الكيس البلاستيكي الذي كان في يدهم ليحملوا فيه ما سيحصلوا عليه من مركز المساعدات ... الجرحى بعضهم مرمي على الأرض يصارع نزفه ومنهم من يحاول إسعاف ذاته إذا كانت الإصابة في قدمه مثلا ... رغم اصوات  النعال على الطريق لكنك ستسمع انين الجرحى .. ضميرك سيتمزق كورقة انتهى استخدامها فلا نفع منها انسانيتك ستطير كرماد تم ذره في الريح ..  انت تجري كالدواب للحصول على طعام ترى الضحايا والمصابين فلا تستطيع أن تنظر إليهم أو أن تساعدهم لأسباب أولها انك ما أن تتوقف حتى سيدفعك من خلفك من حشود الجائعين وسيدوسونك تحت أقدامهم بلا رحمة أو شفقة أو سيتم إطلاق النار عليك أو أنك لن تصل إلى المساعدات ... يجب أن تجري رافعا ً يدك ورافعاً الكيس الأبيض الذي ستحمل فيه المساعدات كاشارة استسلام وانك مدني لم تأتي الا للحصول على حصتك من الطعام كدابة تنتظر فتح معلف الطعام في حظيرة بلا اخلاق ولا مشاعر .
تصل إلى الحاجز الازرائيلي ثم تنعطف بعدها يسارا لتجري مسافة كيلو متر إضافي ثم ستنعطف يمينا لتجري كيلو متر ثالث لتصل إلى الحاجز الأمريكي ... ستجدهم كما صورتهم افلام هوليود محملين بصنوف الأسلحة يضعون النظارات السوداء يلبسون الدروع عليها علم امريكا وخلف آذانهم سماعات يوجهون سلاحهم إلى صدورنا العارية يطلقون النار تجاه الأرض تحت اقدام من يحاول التقدم والوصول إلى المساعدات التي تتموضع خلف تلة يقفون عليها . 
تراجعوا رويدا رويدا وهم يوجهون السلاح الينا وتركونا تماما كما يفعلوا في حلبات الروديو لتنطلق الثيران.. لكننا بشر حقيقة بشر يحاولون نزع البشرية منا وتحويلنا لكائنات اقل من الدواب مرتبة فلا نظام ولا اخلاق ولا اي شيء هياكل من الجياع تجري لتقتات من اي فتات يصله حتى لو كان من يد قاتله .
بعد تراجعهم واخلائهم الطريق لنا لنصعد التلة التي يضعون خلفها المساعدات ليتحول كل من في الطابور إلى ذات الصنف سابق الذكر ... وحوش تتزاحم للقضم من فريسة ملقاة أمامهم فعليك الجري بكل ما أوتيت من عزم لتلحق بصندوق فيه بعض الطعام فلا تنظيم ولا مساواة ولا عدالة .. قانون الغاب يحكم وما أن تحصل على الصندوق يجب أن تفرغه في الكيس الذي تحمله وتهرب من المكان بأقصى سرعة لان القادمين خلفك في حال لم يجدوا صناديق يحملوها سيهجموا عليك ليخطفوا منك ما تحمل وان استطعت أن تجمع ما يقع على الأرض امامك من الهاربين مثلك فافعل لكن دون أن تتوقف فأما ستقع وتدوسك اقدام الهاربين مثلك أو سيسرقك الجائعين أو قطاع الطرق يجب أن تحمل أي سلاح أبيض سكين أو مشرط وان تكون حذرا وتسير ضمن مجموعة من اصدقائك أو معارفك أو اقربائك أو من تتفق معهم ليحمي كل منكم الآخر خلال الطريق ... فعلا غابة بكل أوصافها القوي فيها ياكل الضعيف بلا أي رحمة ... نزعوا منا كل شيء له علاقة بالإنسانية حولونا لمسوخ بدون روح . 
بعد أن تغادر ارض الموت في مركز المساعدات حاملا بعض الطعام وتفتح الكيس لترى ما حملت وهنا ساذكر ما حصلت عليه : 
2 كيلو عدس 
نصف كيلو حمص 
2 كيلو دقيق 
4 كيلو مكرونة 
كيلو طحينة 
لتر زيت قلي (سيرج)
2 كيلو ملح 
علبة بازيلاء معلبة 
علبة فاصولياء معلبة 
2 علبة فول معلب 
هنا ستسقط دمعتك تغلبك إن كان لديك شيء من بقايا الإنسانية ستحس بالقهر يمزق قلبك وروحك بلا رحمة ولا شفقة ستتقطع شرايين روحك ستنزف أحاسيسك دون توقف ... هل لهذا القدر الضئيل من الطعام القي بنفسي في فم الموت اسير عشرات الكيلومترات ازحف على بطني مئات الأمتار اجري آلاف الخطوات أرى جثث الشباب ملقاة على الأرض أرى الجرحى ولا أستطيع أن أمد يدي لإنقاذ اي منهم ... يا لسوء ما وصلنا إليه ... الهذا القدر الشحيح من الطعام مات هؤلاء الناس .. شباب يا رب العالمين شباب وأرباب أسر تركوا أطفالهم في يوم العيد جياع وهاهم يعودون إليهم في اكفان ويبقى أطفالهم جياع ...
يوم عيد اسود جديد يوم عيد مرير جديد يوم عيد باسم عيد لكن في غزة ليس حتى شبيها باي عيد ... لغزة عاشت منذ بدء الحرب 4 اعياد كلها سوداء لكن هذا العيد أكثرها سوادا وقتامة
لا تتركنا يا رب ... يموت فينا كل شيء .لا تتركنا نرجوك يا رب فنحن بالعرب والمسلمين وبانفسنا لا حول لنا الا بك .
المعتز بالله الكفارنة