الشهيد زاهر الحداد استمر في سقاية سكان غزة يوم العيد بدون راتب أو إجازة
ضرب الشهيد زاهر الحداد (41 عاما) مثلا في تفانيه وإخلاصه في عمله بلجنة الطوارئ في بلدية غزة، وخدمة المواطنين ليوفر لهم شرب الماء بعد انقطاعه في ظل تدمير جيش الاحتلال لكل المرافق والبنية التحتية، في يوم العيد غير آبه بعمله دون راتب أو إجازة، رغم ضيق ذات اليد وكل الظروف الصعبة، حيث استشهد ولم يعثر بحوزته سوى على 30 شيقلا سقطت من جيبه خلال نقل جثمانه، بعد أن اغتالته قوات الاحتلال مع زملائه في كراج البلدية وسط غزة.
واستنكر الدكتور يحيى السراج رئيس بلدية غزة في اتصال أجرته معه "القدس" دوت كوم، قتل الاحتلال الاسرائيلي خمسة من موظفي طواقم الطوارئ في بلدية غزة العاملين في تشغيل آبار المياه في كراج البلدية، بينما كانوا يقومون بتأدية واجبهم وخدمة المواطنين، بالرغم من الإمكانيات المحدودة للغاية والمخاطرة العالية، خلال سعيهم لإدامة توفير مياه الشرب لأهل غزة الذين يواجهون حربًا وعدوانا غاشما منذ نحو 9 شهور، ولم يتوقفوا عن عملهم بكل إخلاصٍ وحبٍ وفدائيةٍ رغم عدم حصولهم على رواتب أو إجازات.
واستشهد في هذه المجزرة المهندس أنور صبحي الجندي (54 عاما) عضو لجنة الطوارئ، وزاهر حمدي الحداد (41 عاما)، وشريف عمر الجندي (33 عاما)، وإبراهيم زهير أبو خاطر (32 عاما)، وأحمد اسماعيل الحلو (24 عاما).
وقال السراج: أمام هذه الجريمة النكراء، تنعي بلدية غزة شهداءها الأبطال وتعزي عائلاتهم كما تطالب بإجراء تحقيق فوري في جريمة استهداف موظفي بلدية غزة، الذين يصنفون ضمن موظفي الإغاثة حيث كانوا يقومون بالعمل على ضخ المياه للمواطنين، وتطالب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتدخل العاجل لحماية موظفي البلدية الذين يعملون منذ بداية العدوان من أجل الاستمرار بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
وحذر رئيس بلدية غزة من انهيار منظومة خدمات البلدية نتيجة قيام الاحتلال باستهداف موظفي البلدية مما قد يعرض حياة المواطنين للخطر بسبب توقف الخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي وجمع النفايات، مشيرا إلى أن بلدية غزة مؤسسة مدنية تقوم بتقديم الخدمات الأساسية وأن طواقمها محمية بالقوانين والأنظمة الدولية.
وقال محمد خليل درويش مدير المراكز في البلدية لـ "القدس" دوت كوم: "اجتمع زاهر الحداد، وأنور الجندي، شريف الجندي، إبراهيم أبو خاطر وأحمد الحلو، تحت الشمس ظهيرة يوم الجمعة الماضي لأداء المهمة الأسمى والمتمثلة بسقاية العطشى، محاولين إعادة تشغيل آبار للمياه في كراج بلدية غزّة، قبل أن تغتالهم طائرة إسرائيلية وتحوّلهم إلى أشلاء. 5 رجال كانوا يحاولون جلب قطرات من المياه لمئات آلاف الشفاه التي تشققت عطشاً لثباتها في شمال وادي غزة".
وأضاف درويش: "كانت البلدية قد شكلت لجنة طوارئ لاستئناف سير الخدمات المختلفة، كتوفير المياه وتعبئة الوقود وجمع النفايات وتصريف مياه الصرف الصحي، بعد أن دمّر الاحتلال البنية التحتية للطرق الرئيسية في غزة بنسبة 92%".
وجاء هذا الاغتيال المباشر لطواقم البلدية، وسكان غزة وشمال القطاع يواجهون ظروفاً كارثية، بسبب نقص الأغذية الشديد وتوفر الطحين والمعلبات بشكل محدود، وانتشار أعراض سوء التغذية ، في حين أدى تلوث مياه الشرب وتدفق مياه الصرف الصحي إلى ارتفاع عدد حالات الإسهال، والتهاب الكبد الوبائي، في ظل انحسار المعدات الطبية في المستشفيات ونقصان الكوادر الطبية والمعدات.
من جانبه أشاد عاصم النبيه مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية غزة بزميله الشهيد زاهر الحداد، وقال عبر منشور له على منصة إكس: "لقد تفاني زاهر الحداد بالعمل، وحرص على خدمة أهل القطاع رغم كل الظروف الصعبة والاستهدافات المتواصلة، وعدم حصول هذه الكوادر على الرواتب والأموال التي تكفي لإعالة عائلاتهم، حالهم كحال أهل غزة الصابرين، وكان كلّ ما وجدوه في جثمانه – رحمه الله – 30 شيكلا فقط".
وتابع النبيه، في تدوينته التي حملت عنوان "زاهر الحداد والاستغناء بالله عن ما سواه": "هذا ما سقط من الشهيد زاهر الحداد لحظة انتشال جثمانه الطاهر، 30 شيكلا.. أي ما يساوي 8 دولارات، ثلاثون شيكلا فقط، وهو على رأس عمله في بلدية غزة لـ 259 يوما دون أي يوم إجازة واحد، دون راتب، في مخاطرة عالية. لم يتأفف يوما، لم يعتذر يوما وقد كان يملك ألف عذر. على الأغلب لن تذكره الصحف، ولن يتحدث عنه الإعلام، ولن تخلده كتب التاريخ، لكن هذا بالضبط ما كان يحياه زاهر، الاستغناء بالله عما سواه".
وأضاف: "عشت مع زاهر في هذه الحرب في غرفة واحدة ما يزيد عن 60 يوما، هربنا معا وأكلنا معا ونمنا تحت القصف معا، عاملون في لجنة طوارئ بلدية غزة، نريد شابا لتعبئة المياه للمواطنين؟ زاهر هنا، نريد شابا لمتابعة فريق ما؟ زاهر هنا، نريد شابا يشرف على حراسة الوقود، زاهر هنا، نعود آخر النهار منهكين، من يعد الطعام؟ زاهر ورفاقه، من يرتب المكان؟ زاهر ورفاقه، من يواسي الشباب ويساعد الرفاق في حفر قبور أقربائهم، زاهر ورفاقه، من يدفن أخاه الشهيد ويعود إلى عمله مباشرة؟ زاهر بكل تأكيد".
ويتابع النبيه قائلا: "كنت أسأل نفسي، ما هذا الاستغناء، استغناء المتوكل المطمئن المعتمد على الله، استغناء تام عن كل شيء إلا من اتكاله على الله. لكن الجواب دائما يفسره سلوك الشهداء، يختصهم الله بخصال لا تتوافر إلا بهم ولذا ينميهم ثم يصطفيهم إليه، بسطاء لينون يشتاقهم الله ويشتاقونه".
وختم النبيه منشوره بالقول: "زاهر الذي له 4 فتيات جميلات، جنى 12 عاما، وحلا 10 أعوام، وشام 7 أعوام ونسرين 5 أعوام، أخبرنا أحد الزملاء أن بناته غضبن منه لأنه حضر إلى العمل في أول أيام عيد الأضحى، وأنه وعدهم بالعودة باكرا، لكنه عاد بعد صلاة العصر بعدما أتم مهامه في تشغيل آبار المياه. من للفتيات الجميلات؟ من يعود لهن متأخرا فيبتسمن وينسين غضبهن من تأخره؟ من يُصبّرنا إذا مِلنا يا زاهر؟ رحم الله زاهر وألهمنا ثباته واستغناءه ورضاه وقبوله والشهادة مثله".